مقالات

عمر عاشور – تنظيم الدولة.. هل غيّر إستراتيجيته تجاه الغرب؟

“التوجيه الذي أتانا إلى الآن هو بعدم استهداف الغرب وأميركا من الشام، ونحن ملتزمون بتوجيه الدكتور أيمن حفظه الله، لكن إن استمر هذا الحال على وضعه اعتقد أن هناك إفرازات ستكون يعني ليست في صالح الغرب ولا في صالح أميركا”.

كلمات قالها أبو محمد الجولاني (قائد جبهة النصرة) بمقابلة له مع الجزيرة في مايو/أيار ٢٠١٥. “ربما تنظيم القاعدة يفعل هذا (يهاجم الغرب) لكن ليس من الشام، فهذا التوجيه أو الأمر الذي أتانا”. تتعارض هذه الكلمات -فيما يبدو- مع الإستراتيجية المعدلة لتنظيم الدولة نحو الغرب، والتي بدت ملامحها بوضوح مع هجمات باريس “الإرهابية” هذا الشهر، وبعد تصعيد تدريجي في خطاب التنظيم ضد “عدوه البعيد”.

قبل عام ٢٠١٥ كانت الأولويات الإستراتيجية لتنظيم الدولة جغرافية بالأساس تهدف إلى الاستيلاء على الأرض، ثم “تطهيرها” للسيطرة عليها عسكريا وأمنيا، ثم بناء مؤسسات شبه دولة -عليها- وفقا لرؤية التنظيم وأيديولوجيته، ثم التمدد في المناطق المجاورة عبر مهاجمة الأعداء والمنافسين، وهؤلاء تراوحوا ما بين القوى الثورية السورية حتى نظام الأسد والحكومة العراقية.
“قبل عام ٢٠١٥، كانت الأولويات الإستراتيجية لتنظيم الدولة جغرافية بالأساس تهدف للاستيلاء على الأرض ثم “تطهيرها” للسيطرة عليها عسكريا وأمنيا ثم بناء مؤسسات وفقا لرؤية التنظيم وأيديولوجيته ثم التمدد بالمناطق المجاورة “
بدأ هذا النمط في العمل أو الـmodus operandi في التغير تدريجيا من صيف ٢٠١٤.

فمنذ شهر أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٤، شهدت الديمقراطيات الغربية ما لا يقل عن ٢٥ مخططا محتملا أو هجوما داخلها، خططها أو نفذها إما متعاطفون مع تنظيم الدولة (الأكثرية الساحقة من الحالات) أو أفراد تدربوا عند تنظيم الدولة (ثلاث حالات). ويُقارن هذا مع مُخَطَّطَين اثنين وهجوم واحد قبل أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٤ وهي:

1) مخطط مزعوم مشابه لهجمات “مومباي” (نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠٠٨) في لندن، أحبطته أجهزة الأمن البريطانية في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٣.

2) مخطط مزعوم لهجوم في الريفييرا، أحبطته أجهزة الأمن الفرنسية في فبراير/شباط ٢٠١٤.

3) هجوم على المتحف اليهودي في بروكسل في مايو/أيار ٢٠١٤.
وبالرغم من أن الهجوم الأخير قد ارتكبه شخص تدرب في معسكرات تنظيم الدولة، إلا أن التحقيقات أشارت إلى أن الدوافع المباشرة في الحالات الثلاث هي تَبَني خطاب وأيديولوجية التنظيم، دون توجيه مركزي من قيادة بعينها داخله.

تغير هذا النمط من هجمات أنصار التنظيم بعد أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٤ كما سيأتي. فقد صعدت مجلة “دابق” -التابعة رسميا للتنظيم والتي تكتب بالإنجليزية وبلغات أخرى- من دعوتها لمهاجمة الغرب.

وكان تركيز المجلة -قبل ضربات التحالف الجوية- على إضفاء الشرعية على “الدولة” ونزع الشرعية الدينية والفكرية والسياسية عن أعدائها (بما في ذلك تنظيم القاعدة وحركة طالبان)، وكذلك على دعوة المسلمين للهجرة إلى أراضي التنظيم. ولكن الإصدارين الأخيرين للمجلة حملا عناوين مثل “من معركة الأحزاب (الخندق) إلى حرب التحالف” (الإصدار الحادي عشر في أغسطس ٢٠١٥)، و”الإرهاب العادل” (الإصدار الثاني عشر في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٥).

وكان العنوان الأول يقارن بين التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في عامي ٢٠١٤ و٢٠١٥، والائتلاف المكون من بعض القبائل العربية الوثنية وبعض العشائر اليهودية (الأحزاب) لحصار الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والصحابة رضوان الله عليهم في المدينة المنورة في عام ٦٢٧م. أما العنوان الثاني فكان يبرر لهجمات باريس.

وكانت “دابق” قد ركزت بشكل رئيسي على مهاجمة الغرب في السابق من خلال إصدار واحد عنونته بـ”الحملة الصليبية الفاشلة”، (الإصدار الرابع في أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٤ )، وذلك مباشرة عقب بدء الضربات الجوية للتحالف.

وكان التوجيه حينها صريحا “في هذه المرحلة من الحملة الصليبية ضد الدولة الإسلامية، من المهم جدا الهجوم على كل البلاد التي دخلت في تحالف ضد الدولة الإسلامية، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وأستراليا، وألمانيا”. ومع ذلك، جعل الإصدار التاسع للمجلة الهجوم على الغرب خيارا ثانويا، وجعلت “الهجرة” إلى أراضي التنظيم مقدمة عليه:

وبغض النظر عن الإصدارات الثلاثة المذكورة أعلاه (الرابع والحادي عشر والثاني عشر)، فإن الدعوة لمهاجمة الغرب مثلت نسبة ضئيلة من محتويات مجلة “دابق” بالمقارنة -على سبيل المثال- بمجلة “انسبير” (إلهام) التابعة لتنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية (الذي يعمل في اليمن وعمل سابقا في السعودية). فإذا كان هناك تغيير حقيقي في إستراتيجية التنظيم نحو تصعيد أولوية الهجمات ضد الغرب بعد ضربات التحالف الجوية، فماذا يريد التنظيم من هذه الهجمات؟

تاريخيا، أثبتت مثل هذه الهجمات فشلا ذريعا في حالة تنظيم القاعدة. فبعد هجمات ١١سبتمبر ٢٠٠١، خسر التنظيم قواعده في أفغانستان، وقتل أو اعتقل أكثرية قادته، بمن فيهم زعيمه أسامة بن لادن، وكذلك فقد حليفه الرئيسي (حكومة طالبان) الدولة التي كادت أن تسيطر عليها. بيد أن بعض قادة التنظيم والشخصيات القريبة من تياره الفكري تعتقد أن الهجمات في نيويورك وواشنطن جاءت بالعدو البعيد (القوات الأميركية) إلى مسافة أقرب (أفغانستان والعراق)، وبالتالي مكنهم ذلك من إلحاق أضرار كبيرة بعدوهم.

كما يعتقدون أن هجماتهم المضادة في العراق وأفغانستان أفسدت المخططات الغربية هناك بعد التدخل (بناء ديمقراطيات حليفة للغرب). وهذه المعتقدات لا تأخذ بعين الاعتبار أية تكاليف أو خسائر تكبدها التنظيم وحلفاؤه، أو تكبدها أهالي البلاد المشار إليها.

وبتصعيدها الخطاب والهجمات ضد الغرب، يبدو أن قيادة تنظيم الدولة إما تهدف لسيناريو مشابه لحالة القاعدة، وهو جلب العدو البعيد لمسافة أقرب (وهو ما يعني التدخل البري الغربي المباشر والنزول على الأرض)، أو لسيناريو آخر وهو “ردع” الغرب عن مهاجمة الأراضي التي تسيطر عليها قيادة التنظيم.

وفي كلتا الحالتين، فإن ذلك يمثل مشكلة حقيقية. فـ مقارنة بتنظيم القاعدة، فإن تنظيم الدولة لديه موارد وقدرات وخبرات أكثر. ولا يُظهِر ذلك فقط قدرة التنظيم على السيطرة على أراضٍ تمتد من بلدات في حلب في سوريا إلى أجزاء من محافظة صلاح الدين بالعراق، حيث يعيش أكثر من عشرة ملايين شخص، ولكن يُظهِر ذلك أيضا قدرة التنظيم على الضرب في مناطق لا يسيطر عليها بشكل مركزي.

فمثلا، حاول تنظيم القاعدة في جزيرة العرب تفجير طائرات مدنية غربية عدة مرات، ومن أبرزها ما يسمى بمخطط “يوم عيد الميلاد” في ديسمبر/كانون الأول ٢٠٠٩. ولكن كل محاولاته أحبطت. أما تنظيم الدولة فقد أسقط طائرة ركاب مدنية روسية من المحاولة الأولى في ٣١ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠١٥، مما أسفر عن مقتل ٢٢٤ مدنيا في سيناء.

ولذلك يمثل هذا التغيير في إستراتيجية التنظيم، وقدراته الكبيرة على الضرب في العمق، تحديا كبيرا للقادة الغربيين، بما في ذلك وضع إستراتيجية أمنية مبنية على أن تنظيم الدولة سيستخدم موارده لاستهداف “عدوه البعيد”، وذلك مع عدم تبني سياسات وتكتيكات تزيد من حالات التمييز والاستقطاب المحلي التي تفرز بيئة تساعد تنظيم الدولة على التجنيد والتنفيذ.

المصدر : الجزيرة نت 

زر الذهاب إلى الأعلى