صدر عن مؤسسة كفاح للإنتاج الإعلامي تسجيل مرئي حول مصير أسرى تنظيم الدولة لدى الجبهة الشامية، حمل هذا الإصدار مؤشرات واضحة وحقيقية على مستوى التقدم الذي حققته الجبهة الشامية على المستوى الإعلامي والسياسي، إضافة لما يحمله الخطاب من رسائل قيمة نحاول في هذا المقال الوقوف على بعض مما قرأناه منها، وقراءة الإصدار المرئي قراءة تحليلية مقارنة.
استمر الإصدار ثماني دقائق وست عشرة ثانية، قسمت على ثلاثة مقاطع، وعلى الرغم من أن لكل من هذه المقاطع خصوصيته ورسالته، إلا أنها تتسلسل بطريقة منتظمة ومتماسكة من حيث الأهداف والمضمون والصياغة الفنية المتآلفة والمتجانسة مع فحوى الإصدار وطبيعته.
لتقسيم المقاطع اعتمدنا على المضمون الذي يحتويه كل مقطع منها، وسنقوم بقراءة الرسائل عبر السياق.
المقطع الأول: الاستجواب و التهمة….(الدقيقة صفر إلى الدقيقة الثالثة وسبع وأربعين ثانية)
حيث يبدأ الإصدار بعرض لمقاتلي تنظيم الدولة الذين تم أسرهم من الجبهة الشامية، وقام كل منهم بالتحدث مدة عدة ثوان إلى دقيقة، أجاب فيها عن الأسئلة التالية: من أنت؟ و كيف انتسبت لداعش؟ وكيف تم أسرك وعلى يد من؟ وما هي مهمتك؟
الأسير الأول: حمزة غالب العساف، عمره تسعة عشر عاما، سوري من محافظة دير الزور، كان يعمل سائقا لشاحنة حفر(تريكس) لدى تنظيم الدولة يقوم بحفر القبور الجماعية، وقد استدعي لكي يرابط في الدلحة نتيجة لنقص المقاتلين وقال بأن نقص الذخيرة هو الذي أدى إلى اعتقاله على يد الجبهة الشامية.
عمل حمزة كان يقتصر على حفر القبور الجماعية، وقد حفر فعلا عدة مقابر جماعية في السويدان الجزيرة والجردة الغربية والكشكية وضب حماة وبهيجين، في مساحة تتسع لما يراوح بين العشرة والأربعين شهيدا في القبر الجماعي الواحد.
الأسير الثاني: محمد علي الخلف، يبلغ سبعة عشر عاما، سوري من مدينة حلب وكان يعمل حارس مقرات، من خلال عمله كان يتابع عمليات تمرير النفط المباع الذي يخرج من مناطق سيطرة تنظيم الدولة إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، حيث روى خط سير الحافلات المحملة بالنفط تمر من دير حافر –مفرق الذكية – ليصل بعد ذلك بلدة خناصر.
الأسير الثالث: عبد الرحمن مبسوط من المغرب، يبلغ سبعة وعشرين عاما، حوصر في جبهة الدلحة، ثم تم اعتقاله من الجبهة الشامية نتيجة لنقص الذخيرة ، كان يقاتل الجيش الحر لجهله بأنهم مسلمون حيث لم يخبره التنظيم بذلك.
الأسير الرابع: إدريس الخالد، سوري عمره خمسة عشر ربيعا، ويعمل كأمني، دسه التنظيم مع مجموعة من شباب التنظيم بين صفوف الجيش الحر، ليزرع الألغام ومن ثم عاد لصفوف التنظيم بحيث يتقاضى على المهمة خمسمئة دولار، فيما تبلغ الرواتب التي يتقاضاها العناصر شهريا مئة وخمسين دولارا.
عدد الأسرى في الإصدار عشرة عناصر، تمت المقابلة مع عينة ممثلة بأربعة عناصر منهم، وقد تم اختيار العينات بدقة كبيرة بحيث قدمت كل منها شهادة قيمة في دعم الرسالة التي يهدف إليها الإصدار، فكان حمزة شاهدا على المجازر الجماعية الممنهجة والمسبقة الإصرار، بحيث يتم بناء القبور الجماعية بشكل مسبق، وقد أقر حمزة بأن المجزرة الواحدة تتراوح بين عشرة شهداء إلى الأربعين شهيدا. وأما عن طريقة اعتقاله من الجبهة فلهذا أيضا دلالات مهمة، نقرأ منها النقص الشديد الذي يعاني منه التنظيم في عدد عناصره حتى إنه اضطر لتحويل سائق وحفار قبور إلى مقاتل مرابط على أحد أهم معابره الاقتصادية، كما أنه لم يخصص لهذا المعبر ما يكفي من الأسلحة الدفاعية اللازمة لأمنه وحمايته من السقوط وهذا لا يمكن أن يحدث إلا في حالتين: إما هو نقص الذخيرة أو ضعف إداري في مؤسسات التنظيم. وقد أكد رواية حمزة الأسير المغربي عبد الرحمن الذي أضاف بدوره بأنه قد تم خداعه من التنظيم، و أنه يجهل بأن مقاتلي الجيش الحر هم من المسلمين- ولو أننا نجده عذرا أقبح من ذنب-.
أما محمد فقد قدم شهادة على عمليات التنسيق والتعاون بين تنظيم الدولة وقوات الأسد، وقد قدم رسما دقيقا لسير عمليات النفط الذي يبيعه تنظيم الدولة لنظام الأسد، مما يؤكد أن نظام الأسد يساهم بشكل رئيسي في تمويل التنظيم وترويج تجارته النفطية، التي تعتبر من أهم موارد خزينته.
وأخيرا إدريس الفتى القاصر بحسب القانون الدولي، الذي يبلغ من العمر خمسة عشر ربيعا، فقد كلف بمهام أمنية حسب اعتقاده، ولكن الحقيقة تقول كيف تم استغلاله ليدس بين قوات الجيش الحر ومن ثم ينفذ ما أمر به أميره (زرع الألغام) في الأراضي التي يسيطر عليها الجيش الحر، وهي رواية تؤكد بأن الهدف الأول لتنظيم الدولة هو المعارضة الحرة و ليس قوات النظام كما يدعي. والأهم بأن المقابل والأجر على هذه المهمة التي يمكن أن تكلفه حياته أو ربما عاهة جسدية أبدية، هو خمسمئة دولار فقط! ولكنها تبدو رقما كبيرا إذا ما قورنت بالراتب الشهري لعناصر التنظيم، الذي يبلغ مئة وخمسون دولارا، وهو أقل من أن يسد رمق مقاتل واحد ثلاثة أسابيع من الشهر، مما يفند ما يشاع عن رواتب التنظيم الخيالية، التي تجذب إليها المتطوعين من كل حدب وصوب.
المقطع الثاني: مشهد الإعدام رميا بالرصاص( الدقيقة الثالثة وثلاث وخمسين ثانية)
في المقطع الثاني ننتقل من مرحلة الاستجواب لعناصر التنظيم، في مقطع إيحائي ينقلنا إلى داخل معاقل التنظيم في اقتباس منتهى في الدقة، لم يوفر أيا من التفاصيل التي عهدناها في إصدارات التنظيم المرئية، ابتداء بأكثرها عمومية كالبدل البرتقالية التي خصصها التنظيم لعمليات الإعدامات التي ينفذها مرئيا، والمقاتلون الملثمون بأسلحتهم الخفيفة، وخطواتهم الواثقة، وبنتيهم الجسدية المتفوقة.
كذلك طريقة تنظيم المشهد من خلال تقييد الأسرى بالسلاسل الحديدية وحركتهم وانتهاء بأكثرها تفصيلا ودقة، من حيث الإضاءة والخلفية الموسيقية، عمليات الجرافك المتقنة، إضافة إلى المؤثرات الصوتية والحركية والأناشيد الدينية، بجودة حقيقية لا تقل عن إصدارات التنظيم الهوليودية كصليل الصوارم، وغيره من الإصدارات المرئية العالية الجودة التي أثارت ضجة كبيرة حول العالم، لما تتطلبه من تقنيات وكاميرات وأدوات إنتاج حديثة إضافة إلى الكوادر البشرية المتخصصة في هذا المجال.
إذا: ننتقل إلى عقر التنظيم بحيث يتكون داخلنا قلق من مشهد دموي وعنيف قادم، فالأسرى في طريقهم إلى جهنم ونفسيا يتبادر إلى أذهاننا استحالة أن تكون الجبهة الشامية معارضة معتدلة حرة وإنما هي جزء من قلب التنظيم، لو لا فارق بسيط وهو محتوى الأنشودة التي رافقت الأسرى عند اقتيادهم إلى مكان تنفيذ الإعدام، فالأنشودة تحمل خطابا مختلفا عما عهدناه في إصدارات تنظيم الدولة، كإصدار دجلة الذي يتحدث عن الغزو و الانتقام الذي يشفي صدور المؤمنين، لتتحول الخلفية الصوتية إلى أنشودة تقول: “ماهم بأمة أحمد لا والذي فطر السماء، ما هم بأمة خير خلق الله بدءا وانتهاء”،في هذه الخلفية تبرؤ من قتل الأسرى بهذه العشوائية ورفض واستنكار لنهج وأسلوب التنظيم في معاملة الأسرى، وهنا ينتهي المقطع الثاني، ليبدأ المقطع الثالث والأخير.
المقطع الثالث: من هي الجبهة الإسلامية و ماهي رسالتها ( الدقيقة الخامسة وثلاث وعشرون ثانية)
مسلمون لا مجرمون، هو العنوان الذي اعتمدته الجبهة الشامية في اللحظة التي من المفترض أن تكون لحظة إعدام الأسرى، لكن صوت الشيخ محمد الخطيب -رئيس الهيئة الشرعية في الجبهة – يأتي مناديا كابحا الرصاص عن رؤوس الأسرى.” يا شباب الإسلام، لسنا هواة قتل، لسنا هواة ذبح، لسنا هواة رعب و إرهاب”. فتعود المسدسات إلى أغمادها ويشيح مقاتلو الجبهة ألثمتهم، ويتراجعون بخطى واثقة وثابتة ورأس مرفوع بعيدا عن الأسرى، لتبدأ بعد ذلك رسالة الجبهة إلى كل شباب الأمة دون تفرقة، إلى كل مسلم يحمل سلاحا، بأن العدل دينهم والإسلام تاج على رؤوسهم والإحسان مبدؤهم والظلم ليس منهم، وأن المحاكمة الشرعية للأسرى حق في رقابهم وأن نهج تنظيم الدولة ومباهاته بالقتل لا يزيد القلوب إلا قسوة، ولا يزيد الثورة إلا ظلاما، ولا يزيد المتربصين إلا فرحا، والأعداء حقدا وانتقاما، ومن ثم يخاطب الشيخ محمد رجال تنظيم الدولة واصفهم بالدعاديش قائلا: أما أنتم يا دعاديش الظلام، إن كان السواد و اللثام شعاركم، فالبياض والوضوح شعارنا وإن كان قطع الرؤوس دينكم فديننا في إصلاحها وترسيخ الإيمان فيها.
إن أهمية الإصدار تأتي من ثلاث نقاط:
أولا: جودة الإصدار وقيمته التقنية المنافسة من حيث الشكل والمحتوى والمضمون، لإصدارات تنظيم الدولة التي كانت من أهم أدوات استقطابها على المستوى العالمي للجيل الجديد.
ثانيا: ما يحمله الخطاب من فحوى إنساني – إصلاحي يحمل في طياته معنى الإسلام الحقيقي، ويواجه كل الاتهامات التي تنهال على المقاومة الشعبية السورية من تطرف وإرهاب ، بلهجة حكيمة وواثقة.
ثالثا: توقيت الإصدار، حيث تبرأت الجبهة الشامية من أي نهج متطرف، إرهابي، معاد للإنسانية في الوقت الذي يعمل فيه المجتمع الدولي على تصنيف قوات المعارضة بين معتدل وإرهابي ليتم القرار الفصل بشأن دعمها.
مما سبق نقول: إن هذا الإصدار لا يعتبر نقلة نوعية في مستوى العمل الإعلامي للجبهة وحسب، بل هو مؤشر واضح على مستوى الوعي السياسي، والعسكري ، والإنساني الذي تحمله المقاومة الشعبية السورية، خصوصا أن الجبهة وضعت العلم الخاص بها ملصقا بعلم الثورة السورية في إشارة إلى وحدة الأهداف والتطلعات والمصير.
المصدر : عربي 21