مقالات

حسين عبد العزيز – إنجازات مهمة لمؤتمر الرياض السوري.. ولكن؟

حقق مؤتمر الرياض حقق تقدماً مهماً على صعيد إعادة وضع المعارضة السورية في اتجاهها الصحيح، فلأول مرة يجتمع الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التنسيق على هذا المستوى، بخلاف اللقاءات الجزئية التي حصلت سابقاً (باريس، بروكسل)، ويتوافقان بشكل تام حول طبيعة حل الأزمة السورية، ولأول مرة يتلاقى المستويان، السياسي والعسكري، على آلية موحدة، وتجري عملية شرعنة لفصيلين عسكريين مهمين.

لكن أهم ما أنجزه المؤتمر الذي لم يكن له أن ينجح، لولا تضافر جهود المثلث الإقليمي (الرياض، الدوحة، أنقرة)، أنه حمى المعارضة من محاولات روسيا المتكررة في اختراقها بوضع قوى سياسية من صناعة النظام ضمن جسدها. ولذلك، كان مؤتمر الرياض موجهاً بالدرجة الأولى لمواجهة المخططات الروسية في إعادة موضعة المعارضة خارج معادلة “الائتلاف”.

ولذاك، لم يكن مفاجئا أن تعلن موسكو رفضها مخرجات المؤتمر، لأنه تجاهل جهودها الدبلوماسية التي بدأت منذ نحو عام (منتديا موسكو الأول والثاني)، والهادفة إلى القضاء على احتكار “الائتلاف” تمثيل المعارضة، وبيان الخارجية الروسية واضح في هذا الشأن “لا نستطيع أن نوافق على محاولة الجماعة التي اجتمعت في الرياض لاحتكار حق التحدث باسم المعارضة السورية بكاملها”.

وكان منتديا موسكو قد أثارا مخاوف الدول الإقليمية الداعمة للمعارضة، فالمنتديان لم يناقشا المسألة السياسية وطبيعة المرحلة الانتقالية، بقدر ما كان هدفهما صناعة معارضة ملونة، تكون نداً لـ”الائتلاف” وشريكة في أية مفاوضات مستقبلية، وتعبر عن رؤية مخالفة لرؤيته (الجبهة للتغيير والتحرير، هيئة العمل الوطني، الجبهة السورية، حركة التجمع العددي، حزب الشباب السوري، المؤتمر الوطني السوري، فضلا عن شخصيات ممثلة للمجتمع المدني والعشائر).

وبدا واضحاً أن القوى الإقليمية الداعمة للمعارضة ستعمل على منع موسكو من تحقيق أهدافها، وطُرحت لأجل ذلك فكرة عقد مؤتمر للمعارضة السورية في الرياض، رداً على موسكو أولاً، ثم القاهرة التي استضافت اجتماعيين للمعارضة، لكن المؤتمر أجل، بسبب تبايناتٍ بين الدوحة والرياض وأنقرة، وهو المثلث الإقليمي الذي يرفض المخططات الروسية في سورية، في حين ترفض روسيا مخططات هذه الدول الرامية إلى إسقاط نظام الحكم في سورية، فيما تتفق واشنطن مع موسكو على آلية الحل، بشقيها السياسي والعسكري، وتتفق مع حلفائها الإقليميين على الشكل النهائي للتسوية السورية، أي مستقبل سورية ما بعد الأزمة.

وإذا كان الواقعان، السوري والدولي، لا يسمحان باعتماد نتائج منتديي موسكو، في غياب “الائتلاف”، فإنهما لا يسمحان، أيضاً، باعتماد مخرجات مؤتمر الرياض كما هي، على الرغم من نتائجه المهمة، وتصريح وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، لا لبس فيه، حين قال إن “بعض المسائل، وتحديدا نقطتين في مؤتمر الرياض، بحاجة إلى معالجة… وأنا واثق أنها ستعالج”.

وثمّة أربع قضايا يجب تسويتها قبيل انطلاق المفاوضات مع النظام، أولها مسألة التمثيل، والمتوقع أن تتم تسوية مسألة التمثيل، باتفاق روسي ـ أميركي، بحيث يتم توسيع وفد المعارضة، ليشمل قوى محسوبة على موسكو، مثل جبهة التغيير والتحرير التي يتزعمها قدري جميل، وقوى أخرى يجب حضورها، مثل تيار قمح، بزعامة هيثم مناع الذي يحظى بدعم مصري، على أن يتم استبعاد الأحزاب والحركات المشكلة من النظام (أحزاب الشعب والتضامن والتنمية والشباب الوطني للعدالة والتنمية، التجمع الأهلي الديمقراطي للكرد السوريين، تيار سلام ومجد سورية، هيئة العمل الوطني الديمقراطي).

والمسألة الثانية، طبيعة هيئة الحكم الانتقالي التي أقرها مؤتمر الرياض، “من ضرورة تأسيس هيئة حكم انتقالية تتمتع بكل الصلاحيات التنفيذية، وفق بيان جنيف والقرار الدولي 2118، وتكون لها الصلاحية على المؤسستين الأمنية والعسكرية”، وهذه النقطة موضع نقاش بين روسيا والولايات المتحدة، ولم يجر حسمها في اجتماع “فيينا 2” (دعم المجتمع الدولي عملية بقيادة سورية من شأنها إقامة حكم شامل ذي مصداقية وغير طائفي، في غضون ستة أشهر، ووضع جدول زمني وعملي لإعداد مسودة دستور جديد).

المسألة الثالثة، مصير الأسد، حيث أكد المؤتمر على “أن يغادر بشار الأسد وزمرته الحكم مع بداية المرحلة الانتقالية”، وتشكل هذه المسألة نقطة خلاف بين الفرقاء الإقليميين والدوليين. ولذلك، أجل اجتماع فيينا الأخير مناقشتها، وإن كان هناك اتفاق على ضرورة بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية، من دون تحديد طبيعة دوره وصلاحياته، وهو ما عبر عنه كيري عشية المؤتمر، حين دعا المجتمعين إلى التعامل مع المقترح الروسي حول هذه المسألة بهدوء وليونة. المسألة الرابعة، وقف إطلاق النار. ووفقاً لمؤتمر الرياض، يتم تنفيذ وقف إطلاق النار، بناء على الشروط التي يتم الاتفاق عليها، حال تأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي، وفي إطار الحصول على ضمانات دولية مكتوبة بقوة الشرعية الدولية.
والحقيقة أن مخرجات “فيينا 2” ليست واضحة في هذه المسألة، وتركت فضفاضة قابلة لعدة تفسيرات، “اتفقت المجموعة الدولية على دعم العمل الساعي إلى تطبيق وقف إطلاق نار في كل سورية، على أن يوضع في حيز التنفيذ عند بدء ممثلي الحكومة السورية والمعارضة بخطوات أولى نحو الانتقال تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى أساس بيان جنيف”.

وفي حين تؤكد روسيا وإيران، والولايات المتحدة إلى حد ما، على أولوية وقف إطلاق النار، يؤكد المثلث الإقليمي الداعم للمعارضة على ربط وقف النار بانطلاق العملية السياسية. 

المصدر : العربي الجديد 

زر الذهاب إلى الأعلى