بين مجزرة أورلاندو مساء الأحد الماضي وجريمة “وول مارت” في تكساس أمس، اكتشف باراك اوباما “ان الإرهابيين يريدونها حرباً بين الاسلام وأميركا”، لكن يا له من اكتشاف تأخر كثيراً، ويا له من تجاهل طويل للوحش الذي كان ينمو منذ نزل بول بريمر في بغداد ليعلن في 24 أيار من عام 2003 حلّ الجيش العراقي، مقدمة للمخطط البغيض الذي أيقظ منذ ذلك الوقت، كل أشباح الفتنة المذهبية بين السنة والشيعة.
لم يولد “داعش” الذي يشنّ حرباً على المسلمين سنّة وشيعة في كل الدول الاسلامية تقريباً قبل حربه على أميركا والغرب من رحم واحد، وهو رحم عسيس الكراهيات المستيقظة في الأنبار والفلوجة بعد الأخطاء الاميركية الفادحة وربما المتعمدة، التي استكملت بالخروج الاميركي الفوضوي لكأن العراق كله سجن أبو غريب.
كان هناك أيضاً الرحم الكريه الذي تحدثت عنه هيلاري كلينتون في مذكراتها، عندما قالت إن سياسات أوباما تركت فراغاً في سوريا والعراق ملأه الارهابيون، وليس في هذا أي مبالغة، فأنت لا تستطيع ان تشعل النار في الغابة المترامية وتنسحب من غير ان تعلق النار في اذيالك، بمعنى انه ليس من السياسة أو المسؤولية ان يجلس أوباما متفرجاً على الحرائق التي أشعلها سلفه جورج دبليو بوش، وأن يرفض التدخل لإصلاح الأضرار الفادحة التي سينمو “داعش” في ظلها في العراق وسوريا وأن يمتد الى ليبيا وغيرها.
وهل من الضروري التذكير دائماً بأن اسرائيل واللوبي الصهيوني عملا ويعملان على خلق بيئة إحترابية بين اميركا والغرب والإسلام، وهل يخفى انهما إستغلاّ ما يجري على يد “داعش” لجعل نظرية صدام الحضارات واقعاً ملموساً؟
ما يقوله أوباما من ان الإرهابيين يدّعون انهم يمثّلون الاسلام ليس اكتشافاً أيضاً، ففي العالم الاسلامي يرتفع الصراخ منذ زمن بعيد من ان الإرهابيين في “القاعدة” و”داعش” يحاولون اختطاف الدين الاسلامي.
في 20 آب من عام 2014 ذبح “داعش” الصحافي الاميركي جيمس فولي بعد مجازره المروعة في العراق، وظل أوباما يرفض التدخل تاركاً المنطقة تنزلق الى الإهتراء، وفي 22 آب من عام 2013 قصف النظام السوري الغوطتين بالسلاح الكيميائي وفي 31 منه هدّد أوباما بتوجيه ضربة عقابية اليه، وبعد أيام إبتلع تهديده.
لقد تركت سوريا وغيرها بمثابة مصيدة للمتطرفين والارهابيين يتقاطرون اليها بتشجيع ضمني خبيث من أوساط دولية، ولم يكن هناك من يتصور ان “داعش” يعشش في عقول الكثيرين من الذين يسمونهم “الذئاب النائمة” في الدول الغربية والعربية أيضاً، يتحركون وينفذون جرائمهم العابرة للقارات، ليكتشف أوباما اليوم عشية مغادرته البيت الأبيض انهم يريدونها حرباً بين أميركا والاسلام. ولكن ماذا فعلت، سيدي الرئيس، لوقف هذا الجنون وانت تقود أقوى دولة في العالم؟
المصدر : النهار