نشر الكاتب السوري، ميشيل كيلو، عدّة مقالات في “العربي الجديد”، تناول فيها الشأن الكردي العام في سورية، لا علاقة لها بأرض الواقع من مجمل القضايا المعقّدة، بأقل تقدير بما يجري في المنطقة من تحولات وانقسامات بين أبناء الوطن الواحد، فقد بات الوطن السوري منقسماً على نفسه قبل المواطن.
أكّدت الكاتبة سميرة المسالمة في مقال لها في “العربي الجديد” (27/ 6/ 2016) على ما طرحه ميشيل كيلو بشأن القضية الكرديّة في سورية، مقارنة بباقي الأقليات السّورية، الآشوريين والتركمان والشركس، وغيرهم من التّجمعات السّوريّة الصّغيرة. وكان أولى على المسالمة البحث عن المكوّن الكردي في المراجع والكتب التاريخية التي دوّن فيها المستشرقون والرحالة ما كتبوه فيها عن المنطقة السورية بشكل عام، والكردية بشكل خاص، ودور الكرد في بناء الدّولة السورية أيام الاحتلال الفرنسي وفي الحقبة العثمانية، بدلاً من الاستعانة بمقالات ميشيل كيلو وتصريحاته، وهو الذي لا يعترف بالوجود الكردي أصلاً، لا في سورية ولا حتّى في المنطقة، وهذا ما يزيد الفجوة بين أبناء الوطن الواحد من تشرذم وتنافر، ويهدّد أمن سورية واستقرارها على المدى المنظور.
ولا بدّ من تصحيح الصّورة النّمطيّة الخاطئة لدى الأغلبية الغالبة من أبناء الوطن السوري الواحد، والتي جاءت نتيجة طبيعية من التراكمات التي كرّستها الحكومات المتعاقبة في سورية، لا سيّما خلال حكم البعث. وإذا كانت نية كيلو والمسالمة صهر القوميّة الكرديّة في بوتقة القوميّة العربيّة فهذا شيء آخر، وإن كان غير ذلك فيجب أن نضع النّقاط على الحروف، ونطرح سؤالين على الكاتبين العزيزين: لماذا لا يتطرقان إلى مسألتي الحزام العربي والإحصاء؟
إنهما جوهرا القضيّة الكرديّة في سورية، أما مسألة الانتماء إلى الأمة الكردية فغير قابلة للنقاش. وبشأن عدم وجود منطقة كرديّة في سورية، فلا نتطرّق، هنا، إلى اتفاقية سايكس بيكو وتقسيم بلاد الكرد بين دول “سورية، العراق، إيران، تركيا”، لكيلا ندخل في مواضيع نحن في غنى عنها، على الأقل في هذه المرحلة. وعلى سبيل المثال، من بين عدة مناطق أثرية في المنطقة الكرديّة قرية شيران الأثرية في مدينة كوباني شمالي البلاد الذي تعمّد النّظام السّوري عدم التّنقيب عن آثارها، خوفاً من إظهار تاريخ المنطقة الكرديّة الّتي يعود تاريخها إلى مئات السّنين، وغيرها من المناطق الأخرى في عامودا وعفرين. وذلك كله للإنكار المطلق لدور الكرد في بناء الدّولة السورية، وتبيض مرحلة النّضال ضدّ الاستعمار، لصالح طوائف ومبادئ سوريالية غامضة.
ومثالاً، لا تُذكر الثّورات التي قام بها الكرد في تاريخ سورية، لا تلميحاً ولا تصريحاً، ومنها انتفاضة بياندور في بلدة تربه سبيه المعرّبة إلى القحطانيّة في شمال شرق البلاد. وانتفاضة عامودا التي تمّ على إثرها قصف المدينة بطيران السّلاح الجّوّي الفرنسي سبّعة أيام.
وما حصل في مدينة كوباني (عين العرب) شمال البلاد، حيث أحرق الفرنسيون منازل الأهالي الذين تمردوا ضدهم، كذلك دور الشخصيات الكرديّة المؤثّرة في الحالة السّوريّة، أمثال يوسف العظمة ومحمد علي العابد وابراهيم هنانو وغيرهم كثيرون قدّموا الكثير من أجل بناء الدّولة السّوريّة الحديثة. هنا، كان ردّ المعروف من حكومة البعث لتلك الشخصيات بحق أبناء الجلدة، وعدم قبولهم في إدارة البلاد عسكرياًّ وسياسيّاً، حتى أخذت الأمور أبعاداً أكثر من ذلك بإصدار مراسيم وفرمانات، وحرمانهم من أبسط مقوّمات الحياة اليوميّة، حيث باتت اللّغة الكرديّة محظورةً في الأماكن العامة، وأصبحت لغة منزلية لا أكثر. ومع ذلك حافظ الكرد على لغتهم الأم، وكذلك زجّ شباب الكرد في السّجون سنواتٍ طويلةً، لمجرّد حملهم، في جيوبهم، روزنامة تحمل كتابة باللّغة الكرديّة، وذلك فيما لم يتوقّف الشّباب الكرد عن مزاولة العمل السّياسي المحظور.
أخيراً، لا يمكن “حجب الشّمس بالغربال” كما يفعل كاتبانا، ميشيل كيلو وسميرة المسالمة، في وأد كل ما هو جميل بين المكوّنات السّوريّة، في ظل جغرافيا منهكة بعوامل المدّ والجزر من كل أصقاع العالم، بعد أن أصبح المواطن السّوري حقل تجارب بأحدث الأسلحة الفتّاكة.
المصدر : العربي الجديد