ترافق وجود الأقليات في بروز مشكلات سياسية واجتماعية وثقافية أدّت إلى سنّ جملة من القوانين الخاصة بحماية الأقليات للحدّ من مشكلات الاختلاف الثقافي ولتعزيز الاندماج المجتمعي.
ورغم مصادقة معظم الدول العربية على الميثاق العربي لحقوق الإنسان والذي تختص المادة 25 منه بحقوق الأقليات ككل، والتأكيد على التمتع بثقافتها أو اتباع تعاليم دياناتها، لكنها لم تلامس عمق المشكلات المتعلقة بالأقليات، ولم تعمل على حماية وجودها وهويتها وضمان مشاركتها الاجتماعية والسياسية، والتي تحدّ من خضوعها إلى قيود وانتهاكات لحقوقها وتصل حدّ إلغاء وجودها.
ساهمت الظروف الاجتماعية والسياسية التي مرّت بها المنطقة في تحويل الأقليّات إلى مشكلة متجذّرة لها انعكاساتها من الناحية الاجتماعية والقانونية والسياسية، وازدادت تأججا مع ثورات الربيع العربي التي كشفت الغطاء عن بوادر التوتر الطائفي، وشكلت تهديدا لحقوق الأقليات الدينية في أكثر من دولة، وإن بروز مصطلح “حماية الأقليات” وما رافقه من مظاهر لحماية للأقليات في الخطاب العام لبعض الأحزاب كخطاب راشد الغنوشي بأن حزبه سيعترف بالتنوع الديني في تونس، والإشارة إلى حقوق الأقليات في الدستور المغربي الجديد واعتبار اللغة البربرية لغة رسمية في الدولة، والإشارة إلى التنوع السوري في مسودة الدستور الروسي، التي لاقت قبولا من البعض، لا يعدّ انتقالا نحو فهم جديد للواقع ومتغيراته، وإنما تقسيم للمجتمعات على أساس “أقليات وأكثرية”، وبالتالي زيادة مشكلة انعدام التعايش وتوسيع الشرخ المجتمعي، خصوصا في المجتمعات المتنوعة التي يتداخل فيها الإثني بالديني والمذهبي.
ففي سوريا كان لاستخدام مصطلح “حماية الأقليات” من “إرهاب الأكثرية السنية” الذي أطلقه النظام السوري أثر بارز في تحويل معطيات الصراع وتغيير مساره وتحويله لصراع مفتوح، أدى إلى تحويل سوريا إلى ميدان حرب متعددة الجبهات يتداخل فيها الداخلي مع الإقليمي والدولي.
مصطلح “حماية الأقليات” الذي ترافق مع بروز التيارات المتطرفة الرافضة للآخر وحالة الخوف العام والعالمي من “الإرهاب الديني”، جعلته يلاقي صدى واسعا من قبل العديد من المنظمات الحقوقية والدول الغربية، ولم يقدم سوى المزيد من الدماء.
فاهتمام المنظمات الحقوقية بموضوع حماية الأقليات وتوجهها نحو توثيق الانتهاكات بحق الأقليات، بدل اهتمامها بانتهاكات حقوق الإنسان التي تخصّ الجميع، جعلها تساهم، من حيث تدري أو لا تدري، في سكب الزيت على النار. فالتركيز على حقوق أقلية أو طائفة في بلدان قوامها التعدد والتنوع جعلها تميز بين الأشخاص من حيث وجودهم كأقلية دينية أو إثنية متجاوزة صعوبة تحديد تعريف دقيق لهذه الأقلية المقصودة والمتميزة بالظلم عن سواها، ومحاولة تصنيفها ضمن تداخلات العرق والدين والمذهب، كما أن التركيز على حماية الأقليات على أساس طائفي أو عرقي دون العمل على توفير الحقوق للجميع، جعلها تتجاوز مهامها فحقوق الإنسان غير قابلة للتجزئة.
أما استخدام مصطلح حماية الأقليات من قبل الدول الغربية فلم يكن عبر تاريخه لغايات تصبّ في حيز العمل من أجل مكافحة التهميش المجتمعي الذي تلقاه فئة معينة من البشر نتيجة تمايزها الثقافي، أو لتيسير مشاركتها على قدم المساواة في الحياة العامة وصنع القرار، فمثلما اتخذت حجة وذريعة من قبل الاستعمار في الدفاع عن حقوق المسيحيين المشرقيين، جرى استخدامها في يومنا هذا من قبل روسيا وتدخلها المباشر في سوريا.
التركيز على مشكلة الأقليات في ظل أنظمة دكتاتورية توزع الظلم بالتساوي ولا تميز باستبدادها على أساس العرق والدين والمعتقد، والتركيز عليها ضمن افتراض أن الأكثرية تشكل خطرا على الأقليات، هو افتراض مدمّر كونه يساهم في خلق حالة من العداء المتبادل بين الأكثرية والأقليات، فأي معالجة لمسألة الأقليات خارج منطلق الوحدة واعتبار الأقلية جماعة من مواطني الدولة، لن يكون سوى دجل سياسي يشعل النيران في الهشيم.
المصدر : العرب