لولا خشيتي من أن تمتد الحملة العربية الشعواء على لاعب كرة القدم الإسباني، سيرخيو راموس، لتستهدفني شخصياً بتهمة خيانة أماني الأمة، لكنت بدأت مقالتي هذه بشيء من التعاطف معه، في مواجهة تسونامي سباب وتهديدات واتهامات، لم تتعرّض لمثلها ابنة الرئيس الأميركي، إيفانكا ترامب، عندما افتتحت مع زوجها جاريد كوشنير، قبل نحو أسبوعين، مقر السفارة الأميركية في القدس المحتلة، ولا حتى وزير الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، حين قتل جنودُه، في اليوم المشؤوم نفسه، ستين فلسطينياً أعزل، كانوا يتظاهرون بمناسبة مرور سبعين سنة على نكبة تشريدهم من أرض وطنهم، وإقامة إسرائيل عليها.
أما وأني أجد نفسي، منذ أيام، وسط حشود شعبيةٍ تتدافع على مواقع الإعلام الإلكتروني، وقد بلغ الهياج منها كل مبلغ، نتيجة فعلة نكراء اقترفها نجم “ريال مدريد” إياه، بحق أحلام العرب، بعدما باتت وشيكة التحقيق، على يد، بل بقدم نجم “ليفربول”، محمد صلاح، فليس أمامي من خيار، سوى أن أهتف معلناً تمنياتي القلبية بتعافي الشاب المصري المبدع من ضربة غريمه الإسباني الماكر، وعودته إلى الملاعب، قبل موعد مونديال موسكو، عَلَّهُ يستطيع هناك أن ينقذ لنا بعضاً من مكانة هذه الأمة التي تغرق في الخيبات، وما عاد لها من رهانٍ آخر لتحظى، إنْ حظيت، بما تباهي به الأمم.
ودفعاً لأي تهمة جاهزة، دعوني أشكك سلفاً مع آلاف الهائجين، وإنْ من غير يقينٍ كيقينهم، بأن راموس هذا قد يكون صهيونياً متعاطفاً مع إسرائيل، وربما اقترف اعتداءه على صلاح، مع سبق الإصرار والترصد، مدفوعاً من جهةٍ تتربص بالعرب الدوائر، أو من شخصٍ لا يريد الخير لمصر، مثل مستشار الديوان الملكي السعودي تركي آل الشيخ الذي كان قد أعرب، مُسبقاً، عن أمنياتٍ بحدوث ما حدث، لكأنه يضرب في الرمل، ويقرأ الودع، غير أن ذلك كله، وسواه مما يقع في إطار الاعتبارات القومية والوطنية المتخيلة، يظل أبعد ما يكون عن الدوافع الحقيقية لنجوم الفضائيات المصرية الذين ما انفكّوا ينهالون باللعنات على اللاعب الإسباني، ويدعون الناس إلى أداء صلوات فجر موحدة للدعاء عليه، متغافلين عن ماضٍ قريب، كانوا يشمتون فيه بالفلسطينيين الواقعين تحت القصف الإسرائيلي، ويضربون “سلام تعظيم” لإسرائيل على جرائمها، دونما التفات إلى القيم التي يتشدّقون بها الآن، ويُسوِّقونها عنواناً لحملاتهم السخيفة.
مفهومٌ هنا، طبعاً، أن تتعلق قلوب العامة بقدم صلاح، جرياً على شغف الشعوب بنجومها في اللعبة الرياضية الأشهر عالمياً. ومفهومٌ أيضاً أن يستاء الملايين من فعلة راموس، نظراً لنتائجها السلبية المحتملة على حظوظ مصر في مونديال موسكو. ومفهوم كذلك أن تحاول أنظمة القمع والطغيان ركوب الموجة، لتعزّز انشغال شعوبها عما هو أهم في مستقبل الأوطان المهدّدة بالانقراض. لكن ما ليس مفهوماً جنوح بعضهم إلى تفسير ما يحدث باعتباره دليلاً على نجاح محمد صلاح في توحيد العرب، على موقفٍ مشترك، بعدما فرّقتهم السياسة بين مشاربها المختلفة.
لا أيها السادة. ذاك استغفال، يقوم على أساسٍ واه، ويكفي لفضحه أن تتساءلوا ماذا يفيد آلاف الضحايا والمعتقلين والجائعين المصريين، أن يلتقوا مع السيسي وأذرعه الإعلامية، على حبهم جميعاً صلاح، طالما أن دولة القمع والفساد على حالها. وما نفع شعاراتٍ قومية، تحشد العرب وراء لاعب كرة قدم من بني جلدتهم، بينما لا تحرّك في أكثريتهم ساكناً، وهم يرون تهويد القدس، وسفك دم أهلها، علناً على شاشات التلفزة.
اعشقوا محمد صلاح كما تشاؤون، واكرهوا سيرخيو راموس بلا تحفظ، واشتموا تركي آل الشيخ بأقذع السباب. لكن إياكم أن تتوقعوا استرداد عزّتكم على أرض ملعب روسي، ما لم تمنعوا تحويل أرضكم ومقدساتكم إلى لُعَب بأيدي إيفانكا وزوجها وأبيها.
المصدر : العربي الجديد