حلمُ السوريين بدولةٍ جديدة، يتمثل فيها الأفراد كافة بطبقاتهم وقومياتهم، لا يزال يرسم لهم طريق الثورة ورفض النظام والعودة بعد التهجير القسري. هذا الحلم مستقرّ في مخيلتهم، سواء من بقي منهم في البلاد أو من غادرها. إلى جانب الحلم، هناك الخوف من ضياع سورية وتكاثرها إلى سوريات متعددة. فالآن، هناك سورية النظام وأخرى لـ «داعش» وثالثة للكرد ورابعة لـ «جبهة النصرة» وخامسة لفصائل أخرى وهكذا. بين الحلم والخوف، يتشكّل مصيران فاعلان لا يتوقفان عند السوريين وسورية.
وعلى رغم انقضاء أكثر من أربعة أعوام على الثورة، فإن جملة مشكلات لا تزال تكرّر ذاتها، وليس لها من حلٍّ إطلاقاً. أولها، أن خيار النظام لم يتغير طيلة أربع سنوات، إذ هو الخيار الأمني والعسكري. وقد سيطرت إيران أخيراً على القيادة والإشراف العسكري بل الميداني، حيث دمرت القطع العسكرية الأساسية التي زجّها النظام في مواجهة الشعب. ثانيها، غياب الشعب عن قيادة ثورته، واستمرار تسلّط المعارضة في تمثيل الثورة. ولئن افتقدت رؤيتها للثورة إلى الموضوعية والعقلانية في البداية، فإن السعي اللاحق لدى فصائلها الى التقارب والإجماع على الحلّ السياسي، يصطدم بواقع أن النظام الذي أصبح رهينة بيد إيران يرفض كل حل سياسي، ينهي الحرب والدمار. فهذا سيكون البداية نحو سورية جديدة تتغير فيها طبيعة النظام والدولة. ثالثها، تحوّل أطراف «النزاع» إلى ممثلين عن دول إقليمية وعالمية ذات مصالح، وخروج مركز القرار من هذه الأطراف. وهذا يعقّد حل النزاع. فما لم تتفق أميركا وروسيا وتركيا وقطر والسعودية وإيران، فلن يكون هناك حلّ في سورية. رابعها، تصاعد دور الجهادية المسلّحة، حيث حلّت مكان الفصائل المحلية «الوطنية»، التي كانت تُعلي من شأن إسقاط النظام وبناء دولة مدنية. فالجهادية لا تعترف بالثورة، ولا تريد فقط دولة إسلامية بل خلافة إسلامية، وقد لاقت دعماً غير مباشر من النظام، ودعماً مباشراً من سلفيين خليجيين ودول إقليمية، ولا تزال تتوسع سيطرتها على مناطق جديدة في سورية! هذه الجهادية تشكل خطراً كبيراً على المستقبل وعلى أية مفاوضات ستبدأ لاحقاً، عدا أنها تساهم في إعادة تشكيل الوعي الطائفي والمذهبي للسوريين، وتشييد أسوارٍ عالية بين الطوائف والقوميات. خامسها، الانهيار الكامل لمداخيل أكثر من نصف السكان كما نشر تقرير أصدره «المركز السوري لبحوث السياسات»، وهو ما ينعكس تراجعاً في كامل العلاقات الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، ويجبرهم على التسليم إما للمعارضة أو للجهاديين أو للنظام! وبالتالي، خروج الشعب من أي دور فاعل لتصويب الثورة أو لتجديدها. هذا المناخ يساعد على تعزيز نزعات الاكتئاب والتشاؤم وفقدان الفاعلية، فضلاً عن التدين والتمذهب والتسليم بدور الخارج في رسم المستقبل.
لا شك أن هناك مشكلات أخرى كثيرة، ولكل واحدة مما ذكرنا آثار كارثية على السوريين، ولكن الخلاصة الأخطر هي افتقاد السوريين الى الدور الفاعل في تقرير مستقبلهم، والخوف من فقدان سورية وكذلك فقدان الأحلام بتغييرها التي وصلت الى حدود الطوبى. إن ما ينقذ السوريين وينهي التحكم بمصائرهم، هو العودة نحو مشاريع سياسية وطنية كائنة ما كانت، مشاريع تتجاوز سورية القديمة وسورية ما بعد مآلات الصراع. وهذا لن يتحقق من دون رحيل النظام وإيقاف كل تدخّل خارجي وبروز قيادة سياسية جديدة للثورة.
صحيفة الحياة