عاودت اليابان أمس تشغيل مفاعل نووي، واضعة حداً لإغلاق كل منشآت الطاقة النووية الذي استمر سنتين وتقرر اثر حادثة فوكوشيما في 2011، وهي الكارثة النووية الأسوأ منذ العام 1986.
وشغلت محطة «يوتيليتي كيوشو» للطاقة الكهربائية أحد مفاعلات محطة «سنداي» على بعد نحو ألف كيلومتر جنوب غربي العاصمة طوكيو.
وحقق المفاعل وعمره 31 سنة، طاقة تشغيله الكاملة ليل أمس، على أن يبدأ بإنتاج الطاقة بعد غد. وجرى تشغيل المفاعل أمس في ظل قيود مشددة فرضت على قطاع الطاقة النووية الياباني بعد حادثة فوكوشيما. ومن المفترض أن تبدأ العمليات التجارية بداية الشهر المقبل، وفقاً لناطق باسم إحدى الشركات.
ويستأنف العمل في منشآت الطاقة النووية بعد أربع سنوات على زلزال وتسونامي ضربا محطة فوكوشيما، ما أدى إلى وقف العمل في المنشآت اليابانية والبدء في البحث عن مستقبل أفضل لاستخدام الطاقة النووية. وأسفر الحادث وقتها عن إطلاق إشعاعات فوق منطقة واسعة وأجبر عشرات الآلاف على مغادرة منازلهم، والكثير منهم لن يتمكن من العودة أبداً. ويتوقع أن يحتاج تفكيك منشآت فوكوشيما عقوداً مع ما يترتب من تكاليف التعويضات التي تخطت اليوم 57 بليون دولار، فضلاً عن تكاليف تنظيف الموقع.
ولا يزال الرأي العام الياباني معارضاً بشدة للطاقة النووية، ونقلت محطات تلفزيونية مشاهد متظاهرين يتصادمون مع الشرطة أمام محطة سنداي.
ووفقاً للإعلام المحلي، فان حوالى 200 متظاهر تجمعوا في الموقع من بينهم رئيس الحكومة السابق ناوتو كان الذي أصبح من أهم الناشطين في الحراك المعارض للطاقة النووية.
واضطرت اليابان، التي كانت تعتمد على الطاقة النووية لإنتاج ربع حاجتها من الكهرباء لضعف مواردها الطبيعية، إلى إعادة تشغيل مفاعلين في شكل موقت لتأمين حاجتها بعد حادثة فوكوشيما. لكن أوقف العمل بهما في أيلول (سبتمبر) 2013 لتتحول اليابان إلى دولة خالية من الطاقة النووية لنحو سنتين. وفرضت طوكيو قيوداً جديدة قاسية لتفادي تكرار حادث فوكوشيما، من بينها إجراءات وقاية إضافية وجدران مدعمة مضادة للتسونامي في بعض المناطق.
وقال وزير الصناعة يوشي ميازاوا «من المهم إعادة تشغيل المفاعلات النووية كل لوحده من منظور أمن الطاقة، فضلاً عن الاقتصاد والإجراءات المتخذة ضد الاحتباس الحراري، ولكن السلامة تبقى أولوية». وأضاف أن في حال وقوع حادث آخر، فان الحكومة «ستتعامل معه بمسؤولية».
ويعتمد رئيس الحكومة الياباني شينزو آبي على إجراءات السلامة المشددة لإعادة تشغيل عشرات المفاعلات، اذ إن سياسة طوكيو في مجال الطاقة تسعى إلى التوصل لتأمين 22 في المئة من حاجة اليابان من الطاقة عبر القطاع النووي بحلول عام 2030.
وتتطلع شركات الطاقة التي تمتلك المفاعلات النووية لإعادة تشغيلها بعد سنوات اضطرت خلالها للتعويض عن خسارتها عبر اللجوء إلى الوقود الأحفوري المكلف جداً.
وارتفعت كلفة إنتاج الطاقة في اليابان في شكل كبير لدى سعي طوكيو للتعويض عن وقف تشغيل المفاعلات النووية، ما أدخل البلاد في عجز تجاري. وضاعف تراجع قيمة الين الياباني أزمة التكاليف المرتفعة، ما زاد كلفة واردات الطاقة التي كانت تدفع بالعملات الأجنبية وفي مقدمها الدولار.
وحصلت منشآت نووية عدة على الضوء الأخضر لإعادة تشغيلها، إلا أن الحكومة اليابانية تواجه معارضة من الجماعات المحلية الرافضة لاستئناف العمل بالطاقة النووية. وفي هذا الصدد انتقد الأستاذ المتقاعد من جامعة سيكي في طوكيو، تكاشي كاتو، إعادة تشغيل مفاعل سنداي، معتبراً أن آبي يقدّم علاقاته التجارية على هواجس السلامة. وقال: «آبي لا يستمع إلى صوت الشعب بل يتصرف وكأنه يمتلك كامل الصلاحيات (…) الشركات الكبرى، لا الرأي العام، هي التي تطالب بإمدادات مستقرة من الطاقة من خلال إعادة تشغيل المفاعلات النووية».
وأكد مسؤولون في مجال السلامة أن أي عملية إعادة تشغيل ستجري في إطار قيود مشددة جداً، مقارنة بتلك التي كانت سارية قبل حادث فوكوشيما، أسوأ كارثة نووية منذ كارثة تشيرنوبيل عام 1986. وقال رئيس إدارة تنظيم القطاع النووي شونيشي تناكا إن كارثة من هذا النوع لن تتكرر في مفاعل فوكوشيما دايشي النووي في ظل القيود الجديدة. ولكنه أقر في مقابلة مع صحيفة «نيكاي» نشرت نهاية الأسبوع الماضي بأن «ليس هناك سلامة مطلقة». أما اليابانيون فيشككون في ضرورة العودة إلى الطاقة النووية اذ إن كارثة فوكوشيما لا تزال حية في أذهانهم.
المصدر : أ ف ب