مخدر من “نوع آخر” بات يهدد محافظة السويداء في جنوب البلاد، وبينما يعرف عالميا بـ”كريستال ميث” تسميه الأوساط المحلية وخاصة فئة الشبان واليافعين بـ”مخدر الشبو”، والشخص الذي يتعاطه بأنه “الشخص المشبشب”.
وليس كغيره من المواد المخدرة التي يروج لها في مختلف المحافظات السورية الخاضعة لسيطرة نظام الأسد يعرف “الكريستال” بخطورته على حياة كل من يتعاطاه، لكونه مخربا لأجهزة جسم الإنسان، وعلى رأسها الخلايا العصبية.
وهو من أحد مشتقات مادة “الأمفيتامينات”. مسحوقٌ عديم اللون والرائحة، وترجع تسميته بهذا الاسم نظرا لوجود تشابه كبير بينه وبين الكريستالات الزجاجية.
مصادر محلية من السويداء تقول في تصريحات لموقع “الحرة” إن “الكريستال” يشهد روجا ملحوظا بين فئة الشبان واليافعين في المحافظة، في تطور خطير تحاول أطراف “مجهولة الهوية” تعزيزه داخل المجتمع، بعد عشر سنوات من الحرب.
وتضيف المصادر التي فضلت عدم ذكر اسمها: “لا تعرف الجهات التي تقف وراء إيصال هذا النوع من المخدر إلى السويداء. ما تم التأكد منه أنه يأتي من محافظة حمص، عبر عناصر ينتمون لميليشيات محلية وآخرين محسوبون على الفرقة الرابعة والأمن العسكري”.
وعلى اعتبار أن رواج وتجارة المخدرات بات أمرا اعتياديا في مناطق سيطرة النظام وهو ما تؤكده تقارير غربية وعربية، إلا أن القائمين على هذا الوسط لا يتركون ورائهم أي آثر سوى الطريق الذي عبرت شحناتهم منه، سواء عبر البر أو موانئ البحر.
ومنذ أيام وصفت صحيفة “الغارديان” البريطانية سوريا بأنها تحولت إلى “دولة مخدرات”، حيث بات تصنيع مخدر الكبتاغون في قلب أراضي النظام قصة مكسب تجاري كبير لاقتصاد ينمو لينافس الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد السوري.
“استنشاق من الحوجلة”
وبحسب مصادر طبية من الجنوب السوري يتم تعاطي “الكريستال ميث” (الشبو) بعد طحنه كحقن وريدية، أو عبر استنشاق دخانه بعد إحراقه في حوجلة محكمة الإغلاق، مشيرةً إلى أن الطريقة الأخيرة هي الأكثر رواجا بين أوساط الشبان، كونها طريقة “بدائية”.
من جانبه يقول الصحفي السوري المقيم في السويداء، ريان معروف إن دخول “الكريستال ميث” إلى المحافظة يتم عن طريق عناصر تابعين للميليشيات الموالية للفرقة الرابعة والأمن العسكري، وآخرين يتبعون لـ”عصابات مستقلة”، لكنها تتمتع بنفوذ أمني كبير.
ويضيف معروف في تصريحات لموقع “الحرة”: “من يدخل هذه المادة معروفون بنسبة 90 بالمئة. يمرون على الحواجز الأمنية بكل أريحية ويدخلوها إلى المنطقة، وبعد ذلك تبدأ عملية البيع والترويج من خلال شبكات معقدة”.
ومنذ عام تقريبا بدأت قصة رواج “الكريستال” بصورة مفاجئة في السويداء وقد تكون معممة في باقي المحافظات السورية، حيث لم يسبق وأن تم تسجيل أي تعاطي فيها قبل تلك الفترة.
ويوضح معروف الذي يدير شبكة “السويداء 24”: “نسبة التعاطي بشكل كبير بين اليافعين، وخاصة للشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 20 عاما و25، وهناك أيضا تعاطي بين أفراد العصابات المروجة للشبو”.
ولم يسبق وأن أعلنت حكومة نظام الأسد عن أي إحصائيات أو بيانات توضح حجم انتشار المواد المخدرة بين أوساط المجتمع المحلي.
لكن وفي المقابل تعلن وسائل الإعلام السورية الرسمية بصورة مستمرة عن ضبط السلطات الأمنية لشحنات كانت في طريقها إلى الأراضي الأردنية. لكن هذه الشحنات كانت بمجملها من حبوب “الكبتاغون” ولفائف “الحشيش”.
“سعر رخيص”
وقد لا ينحصر رواج مخدر “الكريستال ميث” على محافظة السويداء جنوب البلاد، وذلك استنادا على الحالة العامة المرتبطة بتجارة المخدرات في البلاد.
وأثبتت الأيام الماضية والتقارير الغربية أن هذه التجارة لا تعرف حدودا داخلية أو خارجية، فهناك رواج في معظم المحافظات السورية بمختلف أطراف النفوذ المسيطرة، وإلى جانب ذلك هناك شحنات عابرة للحدود، وصلت مؤخرا إلى السعودية وقبلها اليونان وإيطاليا ومصر.
ودائما ما يبحث “تجار المخدرات” عن كل ما هو جديد في “عالم الإدمان”، حتى يستطيعوا أن يجذبوا فئات جديدة من الشباب، وهو ما يحصل الآن في السويداء بصورة “سرية ومتخفية”.
وحسب ما قال مصدر محلي على معرفة بأحد المروجين للمخدرات في السويداء فيتراوح سعر الغرام الواحد من “الكريستال ميث” بين 60 ألف و80 ألف ليرة سورية، مشيرا إلى وجود العديد من مروجي المادة، خصوصا في مدينتي السويداء وشهبا، وبلدة عتيل.
ويضيف المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه: “منتشرة بكثرة ببلدة عتيل شمال السويداء، بسبب وجود عصابة داخلها تربطها علاقات وثيقة مع حزب الله اللبناني وتقوم بجلب مادة الكريستال من لبنان بشكل مباشر إلى البلدة ومن ثم ترويجها إلى باقي مناطق المحافظة”.
بدوره يوضح الصحفي السوري، ريان معروف أن هكذا أسعار تعتبر رخيصة في باقي الدول، مؤكدا على حديث المصدر أن الترويج يتم في أربعة مناطق، هي بلدة عتيل وشهبا والسويداء وفي بلدة قنوات.
ويتابع معروف: “هذه المناطق تنتشر فيها العصابات بكثرة وتشهد حالة فلتان أمني منذ سنوات”.
“حشيش في الأكشاك”
ما سبق يعتبر جزء من حالة عامة باتت تهدد المجتمع السوري، وبالأخص فئة الشبان واليافعين، أما بقية الأجزاء فكانت قد ألقت بتبعاتها بصورة كبيرة ومنذ سنوات، وترتبط بالحبوب المخدرة “الكبتاغون” والحشيش.
هاتين المادتين كانتا قد تحولتا مؤخرا إلى “سلعة” كغيرها من السلع التي تباع في الأكشاك والمحال التجارية الصغيرة، وهو ما أكدته صور وتسجيلات مصورة انتشرت مؤخرا لـ”كشك” يروج لبيع “الماريجوانا” بالقرب من مشفى السويداء الوطني.
ومن كونها محافظة حدودية وتقع في أقصى الجنوب السوري على الحدود مع الأردن، لم تنقطع التقارير الإخبارية المتعلقة بعمليات تهريب الحبوب المخدرة والحشيش في السويداء، في العامين الماضيين.
التقارير أكدتها وسائل الإعلام الرسمية التابعة للنظام في عدة فترات، وفي المقابل تطرقت السلطات الأردنية للحديث عنها، معلنة ومنذ مطلع عام 2021 عن ضبط أكثر من خمس شحنات تهريب لمادة الحشيش والحبوب المخدرة، في أثناء دخولها من الأراضي السورية.
ولا يفصح نظام الأسد عن هوية المتورطين في عمليات التهريب، وهو الأمر الذي لا يكشفه الأردن أيضا، والذي يقتصر حديث السلطات فيه عن “شبكات منظمة” تحاول إدخال هذه الشحنات بين الفترة والأخرى، عبر حدوده الشمالية الواصلة مع السويداء أو درعا.
الحرة