محمد فارس لواء وطيار عسكري ورائد فضاء منشق عن نظام الأسد، من مواليد عام 1951، كان طيارا مقاتلا على الطائرة “ميغ 21″، وعمل مدربا للطيران، ومثّل سوريا في رحلة إلى الفضاء الخارجي مع رائدين روسيين. ويعد أول سوري يرتاد الفضاء، وثاني عربي بعد سلطان بن سلمان آل سعود.
انشق عن جيش الأسد وشارك في المظاهرات المناهضة لنظام بشار الأسد بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011. وبعدما استدعته الأنظمة الأمنية غادر بلاده لاجئا إلى تركيا، وهناك عاش حتى توفي عام 2024.
الولادة والنشأة
ولد محمد أحمد فارس في حلب عام 1951، وعاش وترعرع فيها وتزوج من هند عقيل، وهي مديرة جمعية اللمة السورية، ثم لجأ إلى تركيا وحصل على جنسيتها.
الدراسة والتكوين العلمي
كبر فارس في بيئة تقدس العلم، وفيها تنافس شديد بين الطلبة، ويقول عن حارته الشعبية “لا أعرف أحدا بحارتنا إلا وكان يدرس”، ولذلك فقد خرج من رحمها أطباء ومهندسون وطيارون ونابغون في تخصصات عديدة.
حلم محمد فارس في طفولته أن يكون طيارا، خاصة عندما كان يشاهد مسار الطائرات العسكرية المحلقة من الكلية الجوية بحلب.
وبعد الحصول على شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) توجه إلى تخصص الهندسة، لكنه تركها وذهب للتطوع طيارا حربيا، وهناك استأنس بمصطلحات الفضاء والأقمار الصناعية، إذ لم تكن معروفة لديه سابقا.
ويقول إنه حينها كان الطيار “رمزا للقوة دفاعا عن الوطن”، وكان ذلك سبب اختياره العمل في هذا المجال، فقد كانت حماية الوطن وبذل النفس من أجلها شيئا عظيما ومقدسا.
التجربة العسكرية
قبل أن يكون فارس رائد فضاء كان طيارا مقاتلا على متن الطيارة “ميغ 21″، يحلق لحماية سماء بلاده سوريا كما يصف، حتى تقرر اختيار طيار مقاتل من بين نحو 60 طيارا ليمثل البلاد في رحلة إلى الفضاء، وتمت الاختبارات الشاقة كما يصفها في دمشق. وكان سبب اختيار طيار مقاتل أن بنيته تكون الأكفأ للتأقلم مع حياة الفضاء القاسية.
وبعدها أتت لجنة من الاتحاد السوفياتي واختارت 4 من 10 رشحتهم سوريا، وأخذوا إلى موسكو وهناك اختير اثنان فقط من بين الأربعة، وبدؤوا بتدريبات قاسية وشاقة.
وكان تحضير رواد الفضاء للرحلة إلى محطة الفضاء السوفياتية “مير” يحتاج تكوينا علميا كبيرا وتجهيزا بدنيا ورياضيا ونفسيا، لذا دُرّب الرواد سنتين، وفي السنة الأولى اختير فارس رائدا أساسيا وزميله الآخر كان احتياطيا ضمن برنامج للتعاون في مجال الفضاء بين سوريا والاتحاد السوفياتي.
وقبل اختياره تعرض فارس لضغط كبير، فقد قال له ضابط روسي “هل تعتقد أننا سنختارك أم نختار زميلك؟”، فاستغرب فارس واستفسر عن سبب سؤاله، فقال الضابط إن النظام كان يضغط لاختيار زميله منير حبيب، فرد فارس “أنا رجل مسلم آخذ بالأسباب وأعمل وأجد وأجتهد، ولو كتب لي الله أن أشرب الماء في الفضاء سأشربه رغما عنك وعن جنرالات زميلي”.
رحلة إلى الفضاء
يقول فارس إن “الإنسان يولد مرة، لكن رائد الفضاء يولد مرتين، الأولى من رحم أمه، والثانية من رحم الأرض”. ويذكر تفاصيل رحلته يوم 22 يوليو/تموز 1987 فيقول، إنهم كانوا يحلقون بسرعة 28 ألف كيلومتر في الساعة، أي خلال 90 دقيقة يدورون حول الأرض دورة كاملة، واستمرت الرحلة 7 أيام و23 ساعة.
وخلال دورة الأرض يستطيعون مشاهدة الليل والنهار الأرضيين، في ظل ظلام دامس، وعندما تدق الساعة الثامنة صباحا بتوقيت روسيا، كان المركز الفضائي يرسل إشارة لمركبة فارس وزملائه الروس، وكانوا ينامون في أكياس.
ورغم تهيئة فارس وإمداده بالإجابات التي سيجيب بها عن مكالمة أجراها معه آنذاك حافظ الأسد مباشرة وهو في مركبته الفضائية، فقد رفض الالتزام بهذه الإجابات، فهو ليس رجلا آليا كما يقول، بل هو إنسان يجيب حسب سياق الحديث.
ويقول الصحفي ياسر البدوي -الذي كان يغطي رحلة رائد الفضاء في بلاده- إن عدم التزام فارس بما أملي عليه وحديثه مع الأسد وهو في السماء بأسلوب لم يكن معتادا حينها، لم يعجب الحكومة ولا السلطة ولا الجيش.
احتفالات محدودة
بعد عودته من الفضاء لاحظ فارس أن الاحتفالات به لم تستمر أكثر من 3 أيام، وتوقفت فجأة في اليوم الرابع، وهو ما فسره هو وكثيرون بأن النظام كان يريد استغلال نجاح رحلته إعلاميا، لكن دون أن يجعل منه بطلا قوميا ورمزا وطنيا ينافس رموز النظام.
ويبرر رائد الفضاء الاحتفال الكبير الذي استقبل به والألوف التي حضرته، أن الشعب السوري “كان مقموعا لعقود” وللتنفيس عنه كان فارس أداة لذلك، خاصة أن الإعلام في البلاد كان يدار من جهة واحدة وتحت أوامر السلطات في ظل انعدام الإعلام الخاص.
ويقول فارس إنه أنجز خلال رحلته الفضائية 13 تجربة علمية، صُدم الروس من سرعة إنجازها في وقت قياسي، لكن هذه الدراسات لم تستثمر ولم تلق اهتماما ولا صدى في بلاده، وأغلق النظام ملفها. وله إلى جانب ذلك أبحاث أخرى في مجالات صناعية وجيولوجية وكيميائية وطبية ومجال رصد الفضاء والاستشعار عن بُعد.
لقاء حافظ الأسد
يذكر فارس أن لقاءه الأول مع حافظ الأسد كان وقت تقلده وسام بطل الجمهورية السورية العربية، وسلمه الأسد الوسام بيده علما أن العادة أن يقلده إياه بنفسه، كما يذكر “سلامه البارد” عليه.
ويقول عن لقائه الثاني مع الأسد، إنه كان بحضور رائد الفضاء السعودي، وذكّره الأسد بما نطق عندما أقلعت رحلته وأنه قال “يا الله”، ويقول فارس “كوني مسلما كان بديهيا أن أنطق بها، لكن حافظ قال إنها ضايقت الروس”، لكنه أنكر ورد عليه بأن الروس لم ينزعجوا منها وكان أمرا طبيعيا لهم.
لم يعجب رد فارس، حافظ الأسد، فعمد إلى عزله تماما عن العموم والإعلام، وبعد 6 أشهر استقبل الأسد باقي رواد الفضاء بعد أن هبطت مركبتهم، لكن القصر أمر بألا يحضر فارس اللقاء، وبقي الصحفيون يستفسرون عنه بعد أن انقطعت أخباره تماما.
وكان فارس قد طلب من نظام الأسد تأسيس معهد لعلوم الفضاء بهدف “مساعدة غيره مِن السوريين في الانخراط في أبحاث الفضاء”، لكن النظام رفض ذلك، وقيد حركته، وفرض عليه الإقامة الجبرية.
الثورة السورية واللجوء
بدأ المنعطف الجديد في حياة رائد الفضاء السوري مع بداية الثورة السورية عام 2011، فقد شارك في المظاهرات المناهضة للنظام، حتى استدعته أجهزة الأمن، فقرر حينها مغادرة البلاد مع أسرته فـ”الحرية والكرامة أغلى شيء في الوجود، ولا حدود للقتل عند النظام” كما يقول.
في ظل المراقبة المستمرة له من النظام داخل حلب، قرر فارس الخروج سرا، وفرّق أولاده في المدينة واتفق معهم على الالتقاء بمكان معين، ثم خرجوا جميعا في مناورة سرية داخل أحياء حلب حتى وصلوا كفر حمرة، التي كانت تحت سيطرة الجيش السوري الحر وأكملوا باتجاه الشمال، ومن هناك إلى تركيا.
جوائز وأوسمة
قلّده حافظ الأسد وسام بطل الجمهورية العربية السورية فور عودته من رحلته إلى الفضاء.
أطلقت عليه صحيفة الغارديان البريطانية لقب “أرمسترونغ العرب”.
بعدما نال الجنسية التركية عقب لجوئه لها، صنفه الهلال الأحمر التركي أول رائد فضاء تركي.
كرمه الاتحاد السوفياتي بوسام “بطل الاتحاد السوفياتي” عام 1987 ووسام لينين.
الوفاة
توفي رائد الفضاء السوري المنشق محمد فارس يوم 19 أبريل/نيسان 2024 بعد صراع مع المرض في أحد مستشفيات مدينة غازي عنتاب التركية عن سن ناهز 73 عاما، وكان قد تعرّض لأزمة قلبية أواخر رمضان من العام نفسه.
المصدر: الجزيرة نت