ما تحمل ” جنيف8 ” من زخم ومفاجئات ؟ .. هل سيُناقش رحيل الأسد ؟
يعود قطار المفاوضات السورية في جنيف إلى الانطلاق مجدداً، اليوم الثلاثاء، بعد توقف لنحو 5 أشهر، وتشهد مشاركة المعارضة السورية بوفد موحد.
وتعقد الجولة الجديدة وهي الثامنة، بعد آخر جولة عقدت في يوليو/ تموز الماضي، ولم تثمر تقدما في ملفات الأجندة التي وضعت في جولات هذا العام، وهي أربعة ملفات: الحكم الانتقالي، الدستور، الانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
الجولة الحالية تحمل ثلاث نقاط جديدة عن الجولة السابقة، وتأتي في وقت شهدت فيه الأيام الأخيرة، زخماً وحراكاً دبلوماسياً، توج بقمة سوتشي بين الدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران.
وعقدت القمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيريه الروسي فلاديمير بوتين، والإيراني حسن روحاني، في 22 من الشهر الجاري، بمدينة سوتشي، ووصفت بأنها هامة لمستقبل الحل السياسي للبلاد.
المعارضة بوفد موحد
الملمح الأهم في جنيف-8 هو الوفد الموحد للمعارضة، الذي أثمر عنه مؤتمر الرياض الموسع الثاني للمعارضة السورية، الأسبوع الماضي، وشاركت فيه مختلف أطياف المعارضة، لتشكيل الهيئة العليا الجديدة للمفاوضات.
وضمت الهيئة الجديدة 50 عضواً، من الائتلاف الوطني، والفصائل العسكرية، والمستقلين، وهيئة التنسيق الوطنية، ومنصتي القاهرة وموسكو.
وانتخبت نصر الحريري رئيساً للهيئة العليا للمفاوضات، خلفًا لرياض حجاب، الذي استقال، الإثنين قبل الماضي.
و فيما انتخب جمال سليمان نائباً له، تتألف لجنة التفاوض من 36 عضوًا، برئاسة الحريري.
وتضم اللجنة 8 أعضاء عن الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، و5 أعضاء عن التنسيقيات المحلية، و4 أعضاء عن منصة القاهرة، و4 عن منصة موسكو، و7 عن الفصائل العسكرية، إضافة إلى 8 أعضاء عن المستقلين.
وبذلك تتمكن المعارضة من سحب ذريعة نظام الأسد، بأنه لا يجد مخاطبا له في مؤتمرات جنيف، مع تعدد المنصات المعارضة، مما يؤشر لوجود زخم جديد، ربما تتكلل بالمفاوضات المباشرة.
وشدد البيان الختامي لمؤتمر المعارضة السورية بالرياض على ضرورة “خروج بشار الأسد ونظامه من الحكم”، وتحفظت على ذلك منصة موسكو.
مناطق تخفيف التصعيد
الملمح الثاني يتعلق بنجاح مناطق تخفيف التصعيد، ووقف إطلاق النار، رغم خروقات قوات الأسد، حيث أسهمت في هدوء بالجبهات، مع وصول للمساعدات، باستثناء الغوطة الشرقية التي لم يطبق فيها الاتفاق.
وتوقف الاشتباكات يساهم في العملية السياسية، حيث تراقب الدول الضامنة مناطق تخفيف التصعيد الأربع (أجزاء من حلب وإدلب واللاذقية شمالا، وريف حمص وحماة وسطا، والمنطقة الجنوبية، والغوطة الشرقية).
ويعتبر النجاح في مناطق تخفيف التصعيد تطبيقا لبعض بنود القرار الأممي 2254، الذي ينص على إجراءات بناء الثقة والبنود الإنسانية، فيما بقي ملف المعتقلين معلقا دون حل في جولة أستانا الأخير الشهر الجاري.
وفي الرابع من أيار/ مايو الماضي، اتفقت الدول الضامنة، في اجتماعات “أستانا 4″، على إقامة “مناطق تخفيف التصعيد”، يتم بموجبها نشر وحدات من قوات الدول الثلاثة لحفظ الأمن في مناطق محددة بسوريا.
وبدأ سريان الاتفاق في السادس من الشهر ذاته، ويشمل أربعة مناطق هي: محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب وأخرى من ريف اللاذقية، وحماة، وريف حمص الشمالي، وريف دمشق، ودرعا.
كما تم الاتفاق في أستانا 6 التي عقدت في سبتمبر/ أيلول الماضي، على إنشاء منطقة آمنة في محافظة إدلب تراقبها تركيا، التي أرسلت بعدها قواتها إلى المحافظة، وبدأت بإنشاء مراكز مراقبة.
القمة الثلاثية وإنهاء داعش
أما النقطة الثالثة، فهي مخرجات القمة في سوتشي، وهي التأكيد على الحل السياسي ووحدة البلاد، حيث تعتبر الدول المشاركة في القمة، وهي تركيا وإيران وروسيا، دولا مؤثرة على الأطراف السورية.
ويمثل تقليص مساحات نفوذ داعش في سوريا، بعداً جديداً للحل، حيث كانت القوى الخارجية مثل روسيا وأمريكا تتذرع بأولوية مكافحة تنظيم داعش، قبيل الانتقال للحل السياسي.
ومع تقليص نفوذ داعش، يبدو أن التركيز سيكون على الحل، وستكون مناقشة المسائل الدستورية وقضايا الإرهاب على أجندة المباحثات، بحسب مصادر أممية.
كما تستمر في هذه الجولة اجتماعات الخبراء، ضمن العملية التشاورية حول المسائل الدستورية والقانونية، التي أنشأها المبعوث الأممي الخاص بسوريا ستيفان دي مستورا، خلال الجولة السادسة، إضافة إلى حضور منتظر للسلال الأربعة للمحادثات.
وشهد العام الحالي عدة جولات من المحادثات في جنيف، وجرى الاتفاق في أولاها (جنيف 4)، فبراير/شباط الماضي، على أربعة ملفات لمناقشتها كجدول أعمال للمحادثات، وهي: الحكم الانتقالي، والدستور، والانتخابات، ومكافحة الإرهاب.
ولم تحقق الجولتان التاليتان، خلال مارس/ آذار، ومايو/أيار الماضيين، تقدما في هذه الملفات، وبقي الحديث عن الإطار العام، فيما جاءت الجولة الأحدث، في مايو/أيار الماضي قصيرة، ولم تثمر سوى عن اجتماع تقني واحد لمناقشة المسائل الخاصة بالدستور.
محادثات جنيف
وعلى صعيد مسار جنيف تختلف الأطراف المشاركة في المحادثات في وجهات النظر حول المرحلة الانتقالية وتأسيس الحكم الانتقالي.
وترى المعارضة السورية، بدعم من حلفائها وأبرزهم تركيا، أن يتم تأسيس حكم انتقالي كامل الصلاحيات، إلا أن روسيا وإيران، اللتين تدعمان نظام بشار الأسد، تريدان صيغة للتشارك في الحكم الموجود.
وبدأ التأسيس لمسار جنيف، في يونيو/ حزيران 2012، باجتماع أولي شاركت فيه الدول المعنية بالأزمة، ودعت، في بيان لها، إلى وقف إطلاق النار، وإطلاق سراح المعتقلين، ورفع الحصار عن المناطق المحاصرة، وإدخال المساعدات، يعقب ذلك تأسيس هيئة حكم انتقالي من أسماء مقبولة من النظام والمعارضة، تكون كاملة الصلاحيات، بمعنى أن لا يكون للأسد أي دور في السلطة.
وينص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، الصادر في ديسمبر/ كانون الأول 2015، على أن يتم تأسيس هيئة حكم انتقالي بعد محادثات بين النظام والمعارضة، خلال ستة أشهر، تقوم بصياغة دستور جديد في 12 شهرا، ثم إجراء انتخابات.
وفي ظل تباين مواقف الدول الداعمة للنظام والولايات المتحدة الأمريكية، التي تطلق تصريحات متباينة، فإن مواقف تركيا هي احترام القرار 2254، والتشديد على أن “حكومة الوحدة الوطنية”، التي يروج لها النظام وحلفاؤه لن تستطيع أن تحل مكان “هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات”.
وتصر المعارضة على التطبيق الكامل للقرار الدولي عبر تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات
وعقدت محادثات جنيف الأولى في 30 يونيو/حزيران 2012، و”جنيف 2″ في 22 يناير/ كانون الثاني 2014، وانتهت الجولتان دون نتيجة، فيما عقدت “جنيف 3″، في 29 يناير/كانون الثاني 2016، وتوقفت المحادثات مع حصار قوات الأسد وبدعم روسي إيراني لمدينة حلب شمال سوريا، قبل عقد عدة جولات أخرى لم تنجح في تحقيق أي تقدم.
وفي 30 كانون الأول/ ديسمبر 2016، تم توقيع اتفاق هدنة بضمانة تركية روسية، على أنه في حال نجاح الهدنة بتخفيف الحرب، يتم الانتقال إلى استئناف المحادثات السياسية في جنيف، وهو ما توافقت عليه الأطراف.
وطن اف ام / وكالات