هل يمكن للعالم أن يُحل السلام في سوريا ؟!
نشرت صحيفة “نويه تسوريشر تسايتونغ ” السويسرية الناطقة بالألمانية مقال رأي للكاتب السويسري، أندرياس روش، تحدث فيه عن مآل الحرب السورية خلال سنة 2018، مشيرا أنه على ضوء الحروب التي شهدها العالم في السنة الجارية، فإن إحلال السلم في العالم مرتبط بتوقف حمام الدماء في الأراضي السورية.
وقال الكاتب، في مقاله، إنه بالنظر إلى قائمة الحروب التي اندلعت سنة 2017، يبدو أن إحلال السلام في العالم أمر صعب المنال. كما يبدو أن انتشار السلام في العالم مرتبط بوضع حد للحرب السورية التي خلفت سنة 2016 حوالي 103 آلاف قتيل، أي ما يعادل نصف عدد الضحايا الذين سقطوا في مختلف الحروب في العالم.
وأكد الكاتب أن سوريا شهدت خلال سنة 2017 العديد من الاضطرابات. وفي الإجمال، كانت تطورات الأوضاع في سوريا تنبئ بتوقف المعارك تارة، وبتصعيد وتيرة الحرب تارة أخرى. ولكن يبقى مصير هذا البلد بين أيدي نظام الأسد وبقية القوى العظمى، على غرار روسيا وإيران، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا.
وأوضح الكاتب أن سقوط تنظيم الدولة كان أهم حدث سنة 2017. ويعد نظام الأسد أبرز مستفيد من انهيار هذا التنظيم المتطرف، نظرا لتمكنه من السيطرة على 56 بالمائة من الأراضي السورية، وذلك بفضل الدعم الروسي والإيراني. في المقابل، بسطت ما يسمى ” قوات سوريا الديمقراطية ” نفوذها على كامل المنطقة الواقعة شرقي الفرات، بمساندة الولايات المتحدة الأمريكية، فيما أحكمت قوات الثوار سيطرتها على بقية البلاد.
وأشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد حققت هدفها بالقضاء على تنظيم الدولة، لكن الإدارة الأمريكية لم تحتفل بهذا الانتصار خاصة أن انهيار التنظيم ساهم في تعزيز قوة الأسد، فضلا عن أنه يخدم مصالح روسيا. ومن جهة أخرى، لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تسحب قواتها من الأراضي السورية نظرا لأن الإدارة الأمريكية مطالبة بمساعدة حلفائها الأكراد على بناء دولتهم وهي في حاجة لهم لاحتواء المد الإيراني.
وأضاف الكاتب أن الديكتاتور، بشار الأسد، يعيش في أمان خاصة وأنه حقق انتصارا في حربه ضد تنظيم الدولة. وفي الأثناء، يعمل نظام الأسد على استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته، على غرار محافظة إدلب وبعض ضواحي دمشق، كما هدد بمهاجمة إقليم الأكراد، ما ينبئ باندلاع معارك ضارية في قادم الأيام.
وأفاد الكاتب بأن مختلف أطراف الصراع السوري قامت بإنشاء مناطق تخفيف التصعيد بهدف الحد من وتيرة الحرب قدر الإمكان، لكن هذه المناطق لم تجد نفعا. وخير دليل على ذلك الحصار المفروض من قبل نظام الأسد على مدينة الغوطة الشرقية.
وذكر الكاتب أن إحلال السلام في سوريا رهين القرارات الروسية، حيث ينبغي على موسكو التخلي عن دعم نظام الأسد. وفي حال واصل الكرملين دعم نظام الأسد، سيتواصل حمام الدم في هذا البلد العربي. ومن جهة أخرى، ينبغي على واشنطن وموسكو أن يكثفا من جهودهما لوضع حد للحرب السورية لا سميا وأن تحقيق السلام في سوريا يخدم مصالح كلا الطرفين على حد السواء.
وبين الكاتب أن روسيا تريد الحصول على اعتراف غربي باعتبارها قوة لا يستهان بها في منطقة الشرق الأوسط، ساهمت في دحر تنظيم الدولة، وهو ما يعتبر خطوة في اتجاه الخروج من العزلة الدولية. علاوة على ذلك، تحتاج موسكو للدعم المالي الغربي لإعادة إعمار سوريا، لذلك يجب على روسيا والولايات المتحدة الأمريكية أن تعملا سويا على وضع حد للحرب السورية.
وتابع الكاتب أن الدول الغربية مترددة في التعاون مع روسيا نظرا لأنها تعتبر طرفا غير جدير بالثقة. في المقابل، يمكن أن تصبح سوريا دولة أقل استبدادا في حال تم تطبيق الإصلاحات السياسية الواردة في مخطط جنيف للسلام، لكن يبقى هذا الأمر مرتبطا بالإرادة الروسية.
وأشار الكاتب إلى أن سنة 2018 تتزامن مع الذكرى 400 لحرب الثلاثين عاما التي تعتبر الحرب الأكثر دموية في تاريخ أوروبا. ولعل الأمر المثير للاهتمام هو أن الحرب السورية شبيهة تماما بحرب الثلاثين عاما التي دامت لوقت طويل نتيجة تضارب مصالح القوى العظمى.
وتجدر الإشارة إلى أن حرب الثلاثين عاما انتهت بصلح وستفاليا، لكن هذا الأمر لا يمكن أن ينطبق على الحرب السورية، وإنما يمكن أن نستوحي حلا لها انطلاقا من هذا المثال.
وفي الختام، قال الكاتب إن تحقيق السلام في سوريا ليس مرتبطا بالتوافق بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا فحسب، وإنما يجب على الأكراد أيضا الحصول على الحكم الذاتي في الصيغة التي لا تثير احتقان تركيا، فيما تحتاج سوريا إلى نظام دستوري جديد تحت رعاية دولية.
وطن اف ام / عربي 21