سياسة

الأنظمة الوظيفية وأولوياتها (السبب الحقيقي لتواصل ابن زايد مع بشار)

بعد انطلاق الربيع العربي بان عوار الأنظمة العربية بشكل أوسع مما كانت عليه قبل بدء موجة التغيير، إذ إن تلك الأنظمة التي ظهرت صلبة في مرحلة سابقة اتضح أنها هشة وآيلة للسقوط أكثر من أي وقت مضى، وبدا جلياً أن أخطر ما يواجه شعوب المنطقة هو آفة الاستبداد، وأن هذه الأنظمة رغم تشاحنها وتباين أجنداتها إلا أنها تتعاضد فيما بينها وتتكاتف إذا كانت في مواجهة موجة التغيير لعلمها أن بنية الاستبداد متماثلة، وأن المعركة ضد الحرية هي أولى أولوياتها، فهي تسمو على أي خلاف بين تلك الأنظمة وبدا جلياً أيضاً أن تلك الأنظمة ما هي إلا وكيل محلي عن القوى الكبرى، تستمد شرعيتها منها، بل إن بعض الأنظمة( كالنظام السوري مثلاً ) اتضح أن وجوده مرتبط بأمن إسرائيل التي يدعي أنه يناصبها العداء!.

فالتهديد الوجودي الذي استشعرته أنظمة الاستبداد العربي ومنذ صرخة البوعزيزي الأولى هو أخطر ما واجهته منذ لحظة تكوينها، مما استدعى إنشاء محور عرف لاحقاً بمحور الثورة المضادة، فقادة تلك الدول ارتضوا أن يكونوا الصخرة التي ستتحطم عليها آمال الشعوب التواقة للحرية، ومعركة بقاء أي نظام استبدادي البنية هي معركة جميع تلك الأنظمة الوظيفية التي خلفها المحتل وراءه لمهمة محددة وهي ضمان مصالحه في المنطقة فقط لاغير، فوجود أي نظام مرتبط ارتباطاً جذرياً بسلاسة سير هذه المصالح، فالشرعية مستمدة من الخارج وليست من الشعب، لذلك نسمع أحياناً عن بعض القرارات التي تثير فينا التساؤلات إذ لا تكون فقط ضد مصلحة الشعوب، بل قد تكون ضد مصلحة النظام ذاته، فنتعجب كيف يفعل هذا النظام ما يفعله متناسين لوهلة أنه غير مهتم أساساً بنظرة الشعب له، ولا بمدى احتقارههم له، فجل ما يهمه هو بقاؤه على الكرسي واستمرار نظامه الذي يستمد شرعيته من القوى الكبرى، في ظل نظام عالمي متناقض، يضفي الشرعية على من يضمن مصالحه، بغض النظر عن المعايير الإنسانية أو الأخلاقية

في ظل هذه الصورة القاتمة، وتحت هذه المعايير نستطيع قراءة بعض الأحداث بصورة أقرب للحقيقة، فبعض التصرفات مثلاً لقادة أنظمة الاستبداد قد تكون غير مفهومة وغير منطقية لدى العامة، وتثير التساؤلات المحقة، إذ ما مصلحة عمر البشير مثلاً من زيارة بشار؟ ذو السمعة الأخلاقية بالغة السوء والفاقد للشرعية! هذا التساؤل إجابته الوحيدة هي أن ما استدعى هذه الزيارة هو الطلب الخارجي! ولا شيء أكثر من ذلك.

ورغم ما حصل للبشير بعد تلك الزيارة المشؤومة فإن أي نظام وظيفي لن يتوانى عن تنفيذ أوامر القوى الكبرى إذا ما طلبت منه التواصل أو التدخل في سورية، بغض النظر عن الارتدادات الداخلية الشعبية أو العربية التي ستعقب ذلك، فالأمر ليس كما نعتقد أو نتصور، هذه الأنظمة لا تملك حق المناقشة إذا ما تم تكليفها بمهمة محددة، وهذا ينسحب على معظم أنظمة الاستبداد العربي ومنها الإمارات التي يعتقد أنها منحت الضوء الأخضر للتواصل مع النظام السوري من قبل الإدارة الأمريكية للإفراج عن معتقلين أمريكيين لدى النظام.

ففي تاريخ 19/3/2020 وجه الرئيس الأمريكي ترامب رسالة علنية للنظام السوري دعاه فيها للإفراج عن الصحفي المختطف منذ صيف عام 2012 أوستن تايس، (والذي يعتقد الأمريكيون أنه معتقل لدى النظام) ثم وبعد عدة أيام صرح وزير خارجيته بومبيو وتحديداً في 26/3/2020 بأنه يدعو النظام للإفراج عن جميع المعتقلين بسبب جائحة كورونا وخص بالذكر الصحفي أوستن تايس، وقال أنه تواصل مع عدد من وزراء الخارجية وناقش معهم القضية السورية، في اليوم التالي 27/3/2020 يعلن ابن زايد أنه تواصل مع بشار وأنهم ناقشوا جائحة كورونا، وأعلن دعمه “لشعب سورية” في ظل الوباء العالمي!.

وحسب معلومات من مصادر أمريكية خاصة فإنه قد تم الإتصال لمناقشة الإفراج عن معتقلين أمريكيين لدى النظام وليس للتنسيق لمواجهة تركيا كما أشار البعض، إذ إنهم يستطيعون التواصل بشكل سري لهذا الأمر دون الحاجة للإعلان، فهم لا يجرؤون على فعل ذلك علانية خوفاً من التبعات التركية أقله، كما أن خوفهم من قانون قيصر يمنعهم كذلك من دعم علني لبشار، فكانت هذه فرصة عظيمة لمحور الاستبداد من أجل الإعلان عن إجراء مثل هذا الإتصال المباشر بعد أن أخذوا الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية لفعل ذلك، وهذا أمر غاية في الأهمية إذ إن أي دعم علني لجبهة الاستبداد قد يسهم في مزيد من إحباط ضعاف الهمم الذين يميلون لليأس وترك المواجهة والانعزال، وهذه المهمة أيضاً التي أوعز لهم بها الأمريكيون كان من الممكن أن تبقى سرية لكنهم أرادوها أن تكون علنية، وذلك لتعزيز الإحباط قدر الإمكان، وإيصال رسالة أن المعركة قد حسمت لصالح محورهم.

لم ينته الأمر عند ذلك الحد بل وبعد ذلك نقل الإماراتيون رسالة بحسب نفس المصادر إلى وزير الخارجية الأمريكي (وهو أخطر ماحصل نتيجة الاتصال المشار إليه بين ابن زايد وبشار) من النظام السوري يدعو فيها وزير الخارجية الأمريكي لزيارة دمشق لحل أزمة هؤلاء الرهائن! وأنهم (الإماراتيون) يميلون إلى أن بشار لديه رغبة بالحل خصوصاً أنه قبل سابقاً وساطة اللبناني مدير الأمن العام عباس ابراهيم وأفرج عن المعتقل الأمريكي سام غودوين في 26/7/2019 وللمفارقة فإن هذا المسؤول اللبناني (الشيعي) استطاع الإفراج عن معتقل أمريكي لدى النظام السوري ولم يستطع أن يفرج عن عشرات اللبنانيين المختفين قسرياً في سجون النظام!

إذاً فكل ما يهم هؤلاء هو إعادة النظام للمنظومة الدولية، وتكريس فكرة انتصاره لأنهم يرون في انتصار النظام انتصاراً لمحور الاستبداد بكليته، ولو كان ذلك على حساب مآسي وآلام أهالي المعتقلين كل المعتقلين السوريين والأمريكيين على حد سواء، فوجود مئات آلاف المعتقلين من السوريين من ضمنهم نساء وأطفال لا يستدعي لدى هؤلاء الإتصال ببشار وحضه على الإفراج عنهم ولا حتى ذلك الأمريكي المسكين ولا عذابات عائلته لكن كل ما يهمهم هو كيفية تحويل تلك المآسي لأوراق لعب لتحصيل مكاسب سياسية.

بالنهاية لا نستطيع تقدير الرد الأمريكي على دعوة النظام السوري، لكننا نعلم أن هذه الإدارة ليست كإدارة أوباما الذي طلب من بوتين شخصياً التدخل للإفراج عن الرهينة الامريكي كيفين باتريك داوز والذي اطلق سراحه في 9/4/2016 وتم شكر روسيا حينها دون الإشارة أبداً للنظام السوري الأمر الذي قد يكون دفع النظام لإنكار وجود أوستن في معتقلاته عندما سألت روسيا عنه لاحقاً، لكن كل الدلائل تشير إلى أن هذه الإدارة غير معنية بصفقات من تحت الطاولة خصوصاً مع النظام السوري، فالرئيس ترامب عودنا أنه عندما يعالج المشكلة على تويتر لا يعود ويعالجها مرة أخرى تحت الطاولة، ودخول الإماراتيين على خط المفاوضات لن يفلح بإعتقادي لأن الروس لن يقبلوا بأن تتم مثل هذه الصفقة بمعزل عنهم، خصوصاً أن النظام أنكر وجود أوستن لديه عندما سألوه عنه سابقاً، ومن المرجح أن يتم طوي هذا الملف مؤقتاً ليفتح من جديد عند الترتيبات النهائية فمن يدري قد يكون رأس أوستن برأس الأسد.

الكاتب: عبدالرحمن جليلاتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى