بعد مذابح رواندا البلقان في تسعينيات القرن الماضي، اتفقت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على تأسيس ما يعرف باسم نظام “المسؤولية عن الحماية” بهدف عدم تكرار مثل هذه الفظاعات مرة أخرى، ومع الجرائم المستمرة التي يرتكبها نظام الأسد بحق شعبه، يبدو أن هذه الآلية قد “فشلت” في تحقيق أهدافها، وفق مقال منشور على موقع فورين بوليسي.
ويقول المقال إن قاعدة “المسؤولية عن الحماية” هي واحدة من ضحايا الحرب السورية المستمرة، منذ عام 2011، و”سيظل تأثير الصراع على قدرة العالم على منع الفظائع محسوسا لسنوات قادمة”.
وأقر رؤساء الدول والحكومات في مؤتمر القمة العالمي للأمم المتحدة، لعام 2005، بمسؤولية حماية السكان من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية.
وتستند القاعدة (المشار إليها عادة بالمختصر “R2P”) إلى ثلاث ركائز متساوية: مسؤولية كل دولة عن حماية سكانها (الركيزة الأولى)، ومسؤولية المجتمع الدولي عن مساعدة الدول في حماية سكانها (الركيزة الثانية)، ومسؤولية المجتمع الدولي عن الحماية عندما تفشل الدولة بوضوح في حماية سكانها (الركيزة الثالثة).
وتقول الأمم المتحدة في تقييمها لمدى تطبيق القاعدة: “يشعر الكثيرون بأنهم مضطرون إلى القول إن المسؤولية عن الحماية قد فشلت.. وعلى الرغم من التقدم المُحرز، فإننا ما زلنا بعيدين عن الهدف المتوخى في عام 2005”.
وتشير إلى تواصل ارتكاب تلك الجرائم “وتقع الأزمات على خلفية تراجع النزعة الدولية، وانحسار احترام القانون الدولي الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، والانقسام السياسي في هيئات صنع القرار الرئيسية مثل مجلس الأمن الدولي”.
وجاء إقرار هذا المبدأ، في عام 2005، استكمالا لاتفاقيات جنيف وتأسيس مجلس الأمن الدولي بعد الحرب العالمية الثانية للحفاظ على السلام وحماية الناس في مناطق الصراع.
لكن عقيدة الأمم المتحدة في القرن الحادي والعشرين المسماة “مسؤولية الحماية “لم تحقق سوى نجاح محدود” وفق تقرير سابق لرويترز.
وعلى الرغم من إضفاء الطابع الرسمي على المسؤولية، في 2005، جاءت المسؤولية عن الحماية إلى حد كبير ردا على الإبادة الجماعية في رواندا، عام 1994، حيث ذبح مسلحو الهوتو حوالي 800 ألف من أقلية التوتسي والهوتو، وكذلك مذبحة عام 1995 التي راح ضحيتها 8000 رجل وصبي من المسلمين البوسنيين على يد القوات الصربية في مدينة سريبرينيتشا.
ويقول مقال فورين بوليسي للكاتبة العراقية، مينا العريبي، وهي رئيسة تحرير صحيفة “ذا ناشونال” وصاحبة عمود رأي في فورين بوليسي إن من ضمن خسائر الحرب السورية التي لها آثار بعيدة المدى على صراعات دموية أخرى حول العالم هي عقيدة “مسؤولية الحماية”.
ويشير المقال إلى “أرواح الأبرياء التي ذهب هباء” وهم حوالي 400 ألف قتيل الآن و200 ألف مفقود، فضلا عن “الأحلام المحطمة، والإمكانيات الضائعة للشباب السوريين العالقين في مخيمات النازحين الذين فقدوا عاما آخر من التعليم”.
وتقول الكاتبة إن “مسؤولية الحماية، التي دافعت عنها الدول الغربية لأول مرة في التسعينيات وقبلتها لاحقا الأمم المتحدة، كانت غير قادرة على النجاة من الصراع السوري. ويمثل موتها لحظة فشل النظام الدولي”.
وتقول الكاتبة إنه منذ البداية، كان للعقيدة العديد من العيوب الأساسية التي من شأنها أن “تجعل تنفيذها صعبا وتؤدي في النهاية إلى زوالها في ساحات القتل في سوريا”.
وأول هذه العيوب، بحسب المقال، هو “ما الذي يشكل جرائم إنسانية خطيرة لدرجة أن المجتمع الدولي ملزم بتجاهل سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة والتدخل، سواء بوسائل سلمية أو عسكرية؟ ومن يجب أن يتدخل وكيف؟ وماذا لو كانت الدولة المخالفة تعمل لقوة عظمى، يمكنها منع أي قرار باستدعاء “المسؤولية عن الحماية” في مجلس الأمن؟”.
ويضيف المقال أنه رغم توثيق أحداث الحرب إلا أنها عانت أيضا من “سيل هائل من الدعاية والمعلومات المضللة المستهدفة لإرباك الجمهور ووسائل الإعلام”.
ورغم الهجمات الموجهة للنظام وحلفائه على المستشفيات والمراكز الطبية، وقصف مدن بأكملها، واغتيال الصحفيين، واستخدام أساليب الحصار، ردت الأمم المتحدة “ببيانات إدانة فارغة، وعقدت اجتماعات لمجلس الأمن وطالبت بضبط النفس بشكل غير فعال”
وتقول إن الحرب السورية أظهرت “عدم جدوى مجلس الأمن الذي يسيء أعضاؤه بشكل روتيني استخدام حق النقض لحماية عملائهم”، فضلا عن “طبيعة نظام الأمم المتحدة، ولا سيما هيكل مجلس الأمن، المسؤولة في النهاية عن إنهاء أي فرصة لتنفيذ مسؤولية الحماية”.
وتقول أيضا إنه “بينما يبدو أن العالم يدخل حقبة جديدة من التنافس الجيوستراتيجي واستقطاب القوى العظمى، فليس هناك ما يضمن ظهور نظام إنساني مقبول جماعيا”.
الحرة