أعلنت محكمة “العدل الدولية”، أن كلا من هولندا وكندا رفعتا قضية على “الدولة السوريّة” بخصوص التعذيب والمعاملة اللاإنسانية في السجون، بناءً على نطاق “اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.
وهذه الاتفاقية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1984، وتضم سوريا.
وتأتي هذه الخطوة “بعد فشل المسار الذي يجب اتباعه قانونيا قبل الوصول إلى المحكمة، وهو الخوض في المفاوضات والتحكيم لإنهاء خروق الاتفاقية من قبل الدولة السورية”.
وبدأت هولندا المسار في سبتمبر 2020، وانضمت لها كندا في 2021، بحسب ما يقول الحقوقي السوري، عضو مجلس إدارة “المجلس السوري البريطاني”، إبراهيم العلبي.
وينخرط العلبي منذ سنوات في المسار المذكور، بصفته عضو فريق المستشارين للخارجية الهولندية.
ويوضح لموقع “الحرة”: “هذه المرة الأولى الذي يصل فيها ملف التعذيب ضد النظام السوريّ إلى محكمة دولية، وآمل أن يمهّد الطريق لمسارات وخطوات مشابهة وأن يكون جزءا من مسار العدالة والمحاسبة الطويل في سوريا”.
ويضيف أن إعلان “العدل الدولية” يعتبر أيضا “أكبر خطوة في تاريخ التعذيب بسوريا، إذ هذه المرة الأولى التي تصل فيها جرائم النظام إلى محكمة تتبع للأمم المتحدة”.
“المسار موجه ضد النظام السوري كدولة، ويغطي كل جرائم التعذيب”، وتقوده دول وليس من جانب الأفراد، وفق ذات المتحدث.
ويشرح أن “وصول ملف التعذيب إلى العدل الدولية يزيد الضغط على النظام، ويعيد مسألة الجرائم على الساحة وموضوع سوريا على الطاولة”.
“جرائم لا تحصى”
خلال 11 عاما من عمر الثورة السورية ارتبط اسم بشار الأسد ونظامه بعمليات قتل و”تعذيب ممنهج” بحق معارضيه في المعتقلات، وهو ما وثقته منظمات حقوق إنسان دولية، بينها “العفو الدولية”، “هيومان رايتس ووتش”، وتحقيقات أخرى من قبل الأمم المتحدة.
وربما تكون “صور قيصر” وتقرير “المسلخ البشري” الذي أصدرته “العفو الدولية”، عام 2017 الأشهر من بين مئات التقارير والدلائل الحقوقية.
وكشفت المنظمة في التقرير عن حالات إعدام جماعي شنقا نفذها النظام بحق 13 ألف معتقل في سجن صيدنايا، أغلبهم من المدنيين المعارضين، وذلك بين عامي 2011 و 2015، واصفة السجن بأنه “المكان الذي تذبح فيه الدولة السورية شعبها بهدوء”.
ويعتقل النظام ما يزيد عن 215 ألف معتقل في سجونه دون الإفصاح عن مكانهم وأسمائهم، بحسب إحصائيات “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”.
وقلما تصدر تعليقات رسمية بشأن مصير هؤلاء أو حتى بخصوص التقارير التي تتحدث عن الظروف التي يعيشونها داخل المعتقلات.
لكن الأسد، ولمرة واحدة في عام 2017، كان قد أنكر ما أوردته “العفو الدولية” في تقرير “المسلخ البشري”، معتبرا في مقابلة مع موقع “ياهو نيوز” أن جميع التقارير “موضع شك وليست حيادية”، “لأنها لم تعتمد على دليل محسوس”.
وردا على سؤال الصحفي خلال المقابلة، حينها: “هل تعلم ماذا يجري داخل سجن صيدنايا؟”، أجاب الأسد “أنا في القصر الجمهوري ولا أعيش في السجن ولا أعرف ما يجري هناك، لكنني أعرف ما يحدث في سوريا أكثر من العفو الدولية، التي تضع تقاريرها استنادا لمزاعم”.في المقابل وصف رأس النظام الصور التي سربها “قيصر” قبل أعوام، وتضمنت توثيقا لضحايا التعذيب في سوريا، بأنها “فوتوشوب”، متسائلا: “من أكد صحتها؟”.
و”قيصر” المنشق عن الشرطة العسكرية، سرّب 50 ألف صورة مروعة لجثث معتقلين لدى النظام السوري مورس عليهم أشد أنواع التعذيب، وكان مسؤولا عن تصوير وتوثيق الجثث وترقيمها، ونشرت إلى العلن عام 2014.
وأكدت منظمة “هيومان رايتس ووتش” صحة الصور، وأصدرت تقريرا بعنوان “لو تكلم الموتى: الوفيات الجماعية والتعذيب في المعتقلات السورية”، بعد تحقيق استمر تسعة أشهر، واستند إلى 28 ألف صورة مسربة.
ولم ير الأسد تلك الصور وفق ما زعم خلال المقابلة، ورغم أن صحفي “ياهو نيوز” سلمه تقريرا لمكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي، صدر عام 2015، يثبت صحة الصور بعد فحصها على أيدي خبراء، إلا أن الأسد تساءل “متى كانت مؤسساتكم نزيهة فيما يتعلق بما يحدث في سوريا؟”.
“خطوة استباقية”
وفي أبريل 2022 أصدر رأس النظام قانونا يجرّم التعذيب في سوريا، وهي خطوة “لم يجد السوريون لها أي تفسير”، فيما أثارت الكثير من التساؤلات، وعما إذا كانت تنم عن “حالة انفصام عن الواقع”، أم أنها تأخذ مسارات أخرى، لاعتبارات خارجية أكثر من داخلية.
ونشرت وكالة “سانا” تفاصيل القرار، الذي حمل رقم 16 للعام 2022، وينص على “العقوبة بالسجن لمدة 8 سنوات على الأقل لكل من ارتكب عملية تعذيب، أو شارك فيها، أو حرض عليها، سواء كانت للحصول على اعتراف، أو تحقيقا لمآرب شخصية، أو مادية، أو سياسية، أو بقصد الثأر أو الانتقام، وبالسجن عشر سنوات على الأقل لكل من ارتكب التعذيب بحق موظف، بسبب ممارسته لمهامه”.
وينص القانون أيضا على “اتخاذ التدابير الكفيلة بضمان الحق في تقديم الشكاوى أو الإبلاغ عن التعذيب، وتوفير الحماية لمقدم الشكوى، أو الإبلاغ عن الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، والحفاظ على السريّة، وحماية الشهود والخبراء وأفراد أسرهم”.
من جهتها قالت لين معلوف، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “منظمة العفو الدولية”، حينها، إن “القانون الجديد يرمي فعليا إلى تلميع عقود من ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان بموافقة الدولة”.
وأضافت معلوف: “كما أنه لا يقدّم إنصافا لضحايا التعذيب السابقين، ولا يشمل أي تدابير حماية للشهود أو ضحايا التعذيب، ولا يذكر ما إذا كانت أسر ضحايا التعذيب ستتلقّى تعويضات، في حالة وفاتهم”.
والأهمّ من ذلك، بحسب “العفو الدولية”: “لم يذكر القانون أي إجراءات يمكن اتخاذها لمنع حصول التعذيب في مراكز الاحتجاز والسجون في المستقبل”.
قصة التحرك الهولندي الكندي
في سبتمبر 2020 أعلنت هولندا أنها أبلغت النظام نيتها محاسبَته على انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان لا سيما التعذيب، بموجب “اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب”.
وردّ النظام، حينها، بالقول إن لا حقّ لهولندا في التعاطي مع ملفات حقوق الإنسان لديها، وأن ذلك الإجراء “قفز فوق الأمم المتحدة والقانون الدولي”.
وهذه المذكرة الهولندية التي انضمت إليها كندا في 2021، وصفتها “هيومان رايتس ووتش” مؤخرا بأنها خطوة مهمة قد تفضي إلى مقاضاة النظام في “محكمة العدل الدولية”.
وكان الباحث السوري كرم شعار المختص بتتبع الشركات الوهمية والوثائق السرية الصادرة عن النظام السوري قد نشر وثيقة، في ديسمبر 2021، أظهرت أن “النظام السوري أخذ التهديد الهولندي على محمل الجد، وشكل لجنة رفيعة المستوى للتعامل معه”.
وضمت اللجنة نائب وزير خارجية الأسد بشار الجعفري، ونائب وزير العدل، وممثل عن مكتب الأمن الوطني، اسمه العميد سامي بريدي، بالإضافة إلى آخرين من بينهم: ميلاد عطية مدير إدارة المنظمات الدولية والمؤتمرات في وزارة الخارجية والمغتربين.
وأكد مدير رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، دياب سرية، في حديث سابق لموقع “الحرة” أن إصدار الأسد لقانون تجريم التعذيب يأتي “استجابة للدعوى التي تسير من خلالها هولندا وكندا”.
وأوضح سرية أن “هولندا طلبت النظام لمحاججة ومحاكمة بمحكمة العدل الدولية، العام الماضي، بسبب التعذيب، وفيما بعد انضمت كندا إليها، وقدمت شكوى بنفس الإطار، بأن الأسد ينسف الاتفاقية الموقع عليها”.
الحرة