سلط تحليل في صحيفة “ذا هيل” الضوء على الخطورة التي تواجه الأنظمة الاستبدادية من الأشخاص المقربين منها وقارن ذلك بالتمرد المسلح الذي قادته قوات “فاغنر” في روسيا مؤخرا.
يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة بيتسبرغ المتقاعد، رونالد ليندن، الذي شغل منصب مدير لمركز الدراسات الروسية وأوروبا الشرقية ومركز الدراسات الأوروبية في عموده، إنها “مفارقة وحشية في قلب الأنظمة الاستبدادية”.
ويضيف: “إنهم لا يتحملون أي معارضة، ويعملون على سحق خصومهم ولا يخضعون للمساءلة أمام انتخابات حقيقية ولا أمام الصحافة الحرة. ومع ذلك، يمكن أن يسقطوا في أي وقت، وغالبا على أيدي المقربين منهم – فكروا في نيكيتا خروتشوف بعد كارثة أزمة الصواريخ الكوبية”.
وخروتشوف الزعيم السوفيتي منذ عام 1953، أزيح من السلطة عام 1964 بعد أزمة الصواريخ الكوبية مع الولايات المتحدة في ذروة الحرب الباردة.
وبعد الإحراج الناجم عن أزمة الصواريخ الكوبية وفشله في السياسات الزراعية وغيرها من القضايا، أمضى خروتشوف بقية حياته في الخفاء حتى وفاته بنوبة قلبية عام 1971، وفقا لصحيفة “نيويورك تايمز”.
وقال ليندن إن “التاريخ الروسي يقدم دليلا على مخاطر أخرى لمثل هذه الأنظمة، كوابيس يمكن أن تصبح حقيقية بسرعة غير متوقعة وتنتج عنفا عشوائيا واسع النطاق”.
وتابع: “في روسيا تسمى هذه الحلقة بـ (bezporyadok)، ويُترجم هذا المصلح على أنه (فوضى)، ولكنه في السياق الروسي يعني انهيارا عنيفا في المجتمع التقليدي، بما في ذلك المعايير القديمة للسلبية والامتثال”.
في روسيا، قاد زعيم مرتزقة “فاغنر” والحليف السابق للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يفغيني بريغوجين، عناصره أواخر الشهر الماضي تمردا مسلحا ضد القيادة العسكرية.
وسيطرت قوات “فاغنر” على مقار عسكرية في جنوب البلاد قبل التوجه نحو موسكو. إلا أن التمرد الذي يعد من أخطر الأزمات التي واجهتها روسيا خلال حكم بوتين لم يستمر أكثر من 24 ساعة، بعد وساطة من بيلاروسيا أدت إلى وقف التقدم نحو موسكو لقاء خروج بريغوجين وكف ملاحقة عناصره.
ومضى ليندن بقوله “إن خوف النخبة من التفكك الاجتماعي هو تفسير محتمل للصفقة الإيجابية الغريبة التي أبرمها فلاديمير بوتين مع زعيم المرتزقة المتمرد يفغيني بريغوجين”.
في هذا الوضع الفوضوي، تواجه الأنظمة التي تبدو غير قابلة للتحدي تمردا واضطرابا وأعمالا إجرامية موجهة ضد جميع أشكال السلطة القائمة، بما في ذلك تلك الموجودة في القمة، كما يقول كاتب العمود.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية المتقاعد بقوله: “شهدت روسيا مثل هذه الانتفاضات الأجيال في كل من الماضي البعيد وغير البعيد”.
وتابع قائلا: “في 1773-1775 قاد القوزاق إميليان بوغاتشيف (ضابط جيش ساخط) تمردا ضد تسارينا كاثرين الثانية. وفي 1670-1671 فعل ستينكا رازين الشيء نفسه ضد القيصر أليكسيس. وفي الآونة الأخيرة – والأكثر صلة مباشرة بالنظام الحالي – أدت الاضطرابات الفلاحية الواسعة النطاق إلى اندلاع الثورة الروسية الأولى عام 1905 وأجبرت نيكولاس الثاني على تقديم تنازلات للبرلمان الجديد”.
ويضيف الكاتب: “يرى معظم المراقبين أن بوتين أصيب بجروح بالغة جراء هذه الانتفاضة. ترسم السيناريوهات انقلابا داخليا أو على الأقل، نخبة ضعيفة ومنقسمة”.
وأشار ليندن إلى أنه في حين أن هذا قد يكون هو الحال، فإن بحثنا عن تفسير اندفاع بوتين غير المعهود إلى التسوية قد يأخذ في الاعتبار حقيقة أن الزعيم الروسي المهووس بالتاريخ يعرف جيدا عواقب “الفوضى”.
الحرة