ذكرت صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية أن التعاون السري والوثيق بين موسكو وطهران في مجال صناعة الطائرات بدون طيار مع إيران، قد نجم عنه إنشاء مصنع جديد في جمهورية تتارستان الروسية، حيث حول الكرملين مصنعًا إلى مقر لإنتاج “الدرونز” التي يجري زجها في الجهود القتالية في أوكرانيا.
وأنتجت مؤسسة “الباتروس”، وهي الشركة العاملة في موقع رئيسي للتعاون بين موسكو وطهران، طائرات استطلاع مسيرة، فيما جرى تسليم قوات الكرملين ما يقرب من 50 “درونز” بقدرات قتالية في شرق أوكرانيا.
ويقع المصنع في قلب شراكة تكنولوجية موسعة مع طهران، التي اعتمدت موسكو على خبرتها لتأسيس قدرة محلية لبناء طائرات مسيرة لدعم غزوها ولتجنب المزيد من العقوبات الغربية.
وقد ازداد النشاط في المنشأة الروسية خلال الأشهر الأخيرة، حيث أطلق مجموعة باتروس حملة توظيف لمهندسي الطائرات بدون طيار وللمتحدثين باللغة الفارسية القادرين على ترجمة “المستندات التقنية”، وفقًا للإعلانات ومنشورات على منصات التواصل الاجتماعي.
وقامت مؤسسة “الباتروس”، وهي مجموعة روسية كانت متخصصة سابقًا في تكنولوجيا الزراعة، ببناء مصنعها الجديد داخل منطقة ألابوغا الاقتصادية الخاصة في جمورية تتارستان، وفي هذا الصدد تقول الولايات المتحدة إن ذلك المكان يعد بؤرة الجهود التي تدعمها طهران لتطوير قدرة الكرملين في صنع الطائرات المسيرة.
وفي مقطع فيديو نُشر الشهر الماضي، أظهرت وزارة الدفاع الروسية جنودًا في أوكرانيا يطلقون طائرات استطلاع بدون طيار، يشار إليها باسم طائرات “الباتروس”.
وقالت الشركة في بيان لوسائل الإعلام الحكومية الروسية إنها زودت 50 طائرة مسيرة من “طراز إم 5” وتبدو مماثلة لتلك التي يتم بناؤها في مصنع ألابوغا.
وفي فبراير، أفاد معهد العلوم والأمن الدولي، وهو مركز بحثي في واشنطن، أن شركة “الباتروس “قد أثبت وجودها في مصنع ألابوغا لأول مرة، مشيرا إلى أن المجموعة الروسية قد نشرت إعلانات في المنطقة لتوظيف مهندسي الطائرات بدون طيار.
واعتبارا من أكتوبر الماضي، طلبت الشركة موظفين تحت مسميات عدة مثل “مدير إنتاج الطائرات بدون طيار”، و”مصمم الطائرات بدون طيار” و”كبير تقني الطائرات المسيرة”.
ووجد باحثون في منظمة “أيرورس” (Airwars)، وهي مجموعة لمراقبة النزاعات ومقرها في كلية “غولدسميث” التابعة لجامعة لندن، أن العديد من الإعلانات للوظائف المتعلقة بالطائرات بدون طيار تركز على طلب”عمليات الهندسة العكسية Reverse Engineering”، وهي آلية تعنى باكتشاف المبادئ التقنية لآلة أو نظام من خلال تحليل بنيته، ووظيفته وطريقة عمله.
بالإضافة إلى ذلك، وجدوا أن مجموعة “الباتروس” قد نشرت أيضًا إعلانات تطلب فيها مترجمين الفوريين للغة الفارسية والذين سيُطلب منهم السفر وأداء الترجمة الفورية وترجمة المستندات الفنية.
وفي يونيو، بث البيت الأبيض صور أقمار صناعية حددت مبنيين في منطقة ألابوغا كجزء أساسي من محاولات إيران لمساعدة موسكو على زيادة قدرة طائراتها بدون طيار.
ووقتها قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي، جون كيربي: “نحن قلقون أيضًا من أن موسكو تعمل مع طهران على إنتاج طائرات إيرانية بدون طيار من داخل روسيا”.
من جانبه، قال صامويل بينديت، الخبير في الأسلحة المستقلة في مركز التحليلات البحرية: “إذا أرادت روسيا أن تفعل شيئًا خفيًا مع إيران، فهذا الموقع مفيد. لإنه يقع على النهر الذي يصب في نهر الفولغا، وبالتالي بالإمكان إحضار الأجزاء والمعدات عن طريق السفن من إيران سرا”.
وأضاف: “إنه قريب جدًا من قازان، أحد مراكز التصنيع ذي التقنية العالية في روسيا.. كل ما عليهم فعله هو القيام برحلة بحرية بالقارب”.
“بكامل طاقته”
وكانت إيران قد زودت روسيا بمئات من الطائرات المسيرة من طراز “شاهد” الانتحارية” والتي استهدفت البنية التحتية والأحياء المدنية في أوكرانيا .
وذكر البيت الأبيض أن مصنع ألابوغا لايزال يتوسع حيث يمكن أن يبدأ تشغيل مصنع إيراني روسي للطائرات بدون طيار بكامل طاقته في أوائل العام المقبل.
وتشير الصور ومقاطع الفيديو من وسائل التواصل الاجتماعي الروسية ووسائل الإعلام المحلية إلى أن “الباتروس” قد بدأت إنتاج بعض الطائرات بدون طيار في الموقع في يناير.
وتصفت الباتروس نفسها بأنه تصنع طائرات تجارية بدون طيار للأغراض الزراعية ورسم الخرائط، لكن إيليا فورونكوف، الشريك المؤسس للشركة، اعترف في مقابلات سابقة بتزويد الجيش الروسي بتلك المعدات.
كما اعترف بشراء ألياف الكربون من “Alabuga-Fiber”، وهي شركة مجاورة تعرضت لاحقًا لعقوبات من قبل الولايات المتحدة لدورها في البرامج العسكرية الروسية.
وقال فورونكوف إن 70 في المائة من مكونات الطائرات روسية الصنع، في حين أن أجزاء أخرى مثل المحرك يجري استيرادها من الصين.
تمدد إيراني في نشر الدرونز
تجدر الإشارة إلى إيران كانت زودت بعض الدول الحليفة له بالطائرات المسيرة اعتبارا من من أوائل القرن الحالي، من خلال عمليات نقل الأسلحة المباشرة أو من خلال توفير مجموعات تجميع “الدرونز”.
وأكد الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، في العام 2012 أن حكومته اشترت تكنولوجيا تصنيع الطائرات بدون طيار، وكذلك البنية التحتية، من النظام الإيراني.
وتم الكشف عن إحدى تلك الطائرات بدون طيار، من طراز ” ANSU-100″ خلال عرض عسكري أقيم العام الماضي في فنزويلا ، ويعد ذلك الطراز نسخة كربونية من الطائرة الإيرانية المسيرة “Mohajer-2″، بيد أنها مزودة بأسلحة من مصادر فنزويلية.
وفي العام 2022، أنشأت إيران منشأة لتصنيع الطائرات بدون طيار في دوشانبي، عاصمة طاجيكستان المجاورة، حيث ذكرت بعض التقارير أن هذا المصنع يصنع فقط طائرة “Ababil-2″، وهي طائر مسيرة خفيفة الوزن لم يتم استخدامها حتى الآن في أوكرانيا.
وجرى استخدام الطائرات بدون طيار الإيرانية – بما في ذلك الإصدارات السابقة من طائرات شاهد من قبل المتمردين الحوثيين في اليمن والحكومة الإثيوبية ضد المتمردين في إقليم تغراي في العام 2021، وفقا لمصادر عدة.
وفي المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الشهر الماضي إن بلاده لم تزود أي طرف بتلك الأسلحة، ووصف المزاعم بأنها “ذات دوافع سياسية”.
وقال: “أولئك الذين قدموا هذه المزاعم لم يظهروا أي دليل على صحة ما يدعون”.
الحرة