خلال الأسابيع الماضية، تعرضت موسكو لهجمات متكررة بواسطة طائرات بدون طيار، مما يشير إلى احتمالية لجوء أوكرانيا لاستراتيجية جديدة في نقل الصراع للعمق الروسي.
ولم تعلن كييف مسؤوليتها عن جميع الهجمات التي استهدفت مؤخرا روسيا، لا سيما عاصمتها موسكو، إلا أن الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، سبق أن توعد بأن “الحرب تصل تدريجيا إلى روسيا”.
ورأى بعض المحللين في كييف أن أوكرانيا بهذه الضربات، “توجه رسالة إلى الروس، بأن النيران ربما تنتقل لعمق بلادهم”.
وقال رئيس مركز “الأوراس” للدراسات الاستراتيجية، أوراغ رمضان، أن تلك الهجمات “تعني أن أوكرانيا تريد أن تجعل الشعب الروسي يدرك ما يحدث فيها (أوكرانيا)”.
في حديثه لموقع قناة “الحرة”، يضيف رمضان: “خلال السنة السابقة كان الروس يقصفون البنية التحتية (الأوكرانية) وهذا القصف طال المباني السكنية وأدى إلى سقوط ضحايا، خاصة من الأطفال.. أوكرانيا تريد أن تبين للرأي العام الروسي مدى التأثير النفسي والسياسي على ما يحصل من قصف روسي همجي”.
“زرع الرعب”
وغزت روسيا جارتها أوكرانيا في فبراير 2022، وأشعلت فتيل حرب دمرت مدنا أوكرانية وأودت بحياة عشرات الآلاف من الجنود الروس والأوكرانيين معا.
وشنت روسيا آلاف الضربات بعيدة المدى بطائرات مسيرة وصواريخ على أوكرانيا خلال الحرب، وغالبا ما أصابت أهدافا مدنية بعيدة عن الجبهة، بما في ذلك محطات الطاقة ومراكز تسوق ومبان سكنية، مما أسفر عن سقوط قتلى من المدنيين.
وتنفي موسكو مرارا تعمد استهداف المدنيين.
في الناحية المقابلة، يرى المحلل السياسي الروسي، أندريه أونتيكوف، أن “أهداف تلك الضربات بالنسبة لأوكرانيا هو زرع الرعب في المجتمع الروسي”.
ومع ذلك، يشير أونتيكوف في حديثه لموقع “الحرة” إلى أن “كييف لم تنجح في تحقيق هذا الهدف، على اعتبار أن الحياة طبيعية في شوارع موسكو، وأنه لا توجد أي انعكاسات على الروس” جراء هذه الهجمات.
وفي يوليو الماضي ومطلع أغسطس الحالي، زادت الضربات بطائرات مسيرة داخل العمق الروسي، منذ تدمير طائرة مسيرة فوق الكرملين في أوائل مايو.
وأصيبت مناطق مدنية في العاصمة الروسية في وقت لاحق من مايو أيضا، واستُهدفت منطقة للأعمال في موسكو مرتين خلال 3 أيام، في وقت سابق من الشهر الجاري.
وأعلنت روسيا، الأربعاء، أنها أسقطت طائرتين مسيرتين أوكرانيتين بالقرب من موسكو، إحداهما قرب مطار رئيسي إلى الجنوب من العاصمة والأخرى إلى الغرب منها.
والإثنين، قال فلاديسلاف شابشا، حاكم منطقة كالوغا الروسية المتاخمة لموسكو من جهة الشمال، عبر تطبيق تلغرام، إن نظام الدفاع الجوي الروسي “دمر طائرة مسيرة فوق منطقة فيرزيكوفسكي”.
كما قال رئيس بلدية موسكو، سيرغي سوبيانين، إن الدفاعات الجوية دمرت “طائرة مسيرة معادية” لدى اقترابها من العاصمة الروسية، الأحد، فيما علق أحد مطارات العاصمة الرحلات.
وقالت وزارة الدفاع الروسية بشكل منفصل، إنه تم إسقاط المسيرة الأوكرانية فوق بودولسك جنوبي موسكو.
وفي أغسطس أيضا، تعرض مبنى شاهق في الحي التجاري بموسكو يضم 3 وزارات حكومية روسية للقصف بطائرة مسيرة، وذلك للمرة الثانية في 3 أيام، فيما وصفته روسيا بمحاولة “هجوم إرهابي أوكراني”.
وفي يوليو، شهدت موسكو عدة هجمات بالمسيرات، دون أن تتبنى أوكرانيا رسميا تلك الهجمات.
ومع أن الحوادث لم تتسبب في سقوط ضحايا أو أضرار جسيمة، فقد أثارت قلقا واسع النطاق وتسببت في إحراج للكرملين، الذي يقول إن “العملية العسكرية الخاصة” الروسية في أوكرانيا تسير وفقا للخطة.
وتأتي تلك الضربات بالتزامن مع استمرار المعارك الضارية على الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا بين قوات كييف وموسكو.
وبدأت أوكرانيا هجومها المضاد في يونيو بهدف استعادة الأراضي الذي احتلتها روسيا شرقي البلاد، لكنها لم تحقق سوى بعض التقدم المتواضع في مواجهة مقاومة شديدة من القوات الروسية على خط المواجهة.
وفي الوقت الذي تقول فيه روسيا إن الهجوم المضاد الأوكراني “فشل”، ترى الدول الغربية أن “الوقت لا يزال مبكرا للحكم على مدى نجاح هذه العمليات العسكرية”.
وفي هذا الاتجاه، يقول أونتيكوف إن أسباب زيادة الهجمات التي تتعرض لها موسكو تشير إلى أن “أوكرانيا لا تستطيع أن تحقق الأهداف على ساحة القتال”.
وأردف قائلا إن “الهجوم المضاد لم يحقق نجاحات أو تقدما؛ لذلك تنتقل أوكرانيا لهذه الضربات بالمسيرات كفرصة أخيرة لكييف للحصول على بعض الإنجازات”.
وقال إن تلك الهجمات لن تؤثر على تكتيكيات الجيش الروسي في ساحة المعركة، بل ستمنح الدولة فرصة “إعادة النظر في تدعيم الدفاعات الجوية وتطوير قدراتها”.
في المقابل، يعتقد رمضان أن “أي تأثير للهجوم المضاد الأوكراني يتعلق بمد البلاد بالمزيد من الأسلحة الغربية بشكل رئيسي، مقارنة باستهداف موسكو بالمسيرات”.
وأضاف: “ترسانة أوكرانيا (العسكرية) تأتي من الغرب والهجوم المضاد مرتبط ارتباطا واضحا بالدعم الغربي؛ لأن أوكرانيا لا تنتج سلاحها بنفسها، عدا بعض الطائرات بدون طيار والمسيرات البحرية”.
الحرة