سلطت تحليل نشرته مجلة “ذا ناشيونال إنرتست” الضوء على الطريقة “الوحشية” التي تُعامل بها روسيا المدنيين في حربها على أوكرانيا من اغتصاب وتعذيب وقتل المدنيين غير المقاتلين، موضحة أنها تتبع “رؤية سوفييتية شمولية” للحرب “تتجاهل التمييز بين الجنود والمدنيين”.
ويقوم، إيفان أريغوين، استاذ استراتيجيات وسياسات الحرب والأمن السيبراني في معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون، بتحليل الأسباب الكامنة وراء “وحشية” الروس في أوكرانيا واستهدافهم المدنيين.
ويرى أريغوين، وهو عضو مؤسس في مركز قدرات الأمن السيبراني العالمي في كلية مارتن بجامعة أكسفورد، أنه لفهم استمرار استهداف غير المقاتلين في الثقافة العسكرية الروسية، رغم أنه أمر غير قانوني ويضر بسمعة روسيا على المسرح العالمي، يجب العودة إلي الأيدولوجية أو العقيدة العسكرية السوفييتية.
ويقول إنه منذ تأسيس الدولة الروسية حتى عام 1917، أي خلال فترة حكم قياصرة روسيا بأكملها، لم يكن الجيش الروسي أكثر أو أقل وحشية تجاه غير المقاتلين من جيوش أي دولة أو إمبراطورية أخرى.
لكن الأمور تغيرت بعد الثورة الروسية والحرب الأهلية المروعة، بحسب أريغوين، الذي أشار إلى أن روسيا بدأت تتبع أيديولوجية تقوم على تجريد المعارضين من إنسانيتهم، بمعنى أن “أعداؤنا ليسوا في الواقع أشخاصا. لا يمكن المساومة معهم، ولن يعترفوا هم أنفسهم بأي حدود لاستخدامهم للعنف ضدنا”.
ووفقا لما كتبه أريغوين، فإن هذه الأيديولوجية مبررة ذاتيا، باعتبارها الطريق إلى “الجنة الأرضية، التي يُنفى فيها الفقر والحرب؟”.
ويرى أريغوين أن هذه الأيدولوجية هي ما تجعل الجيش الروسي اليوم يتجاهل عمليا حصانة غير المقاتلين ويستهدف بشكل منهجي ومتعمد المرافق الطبية في مناطق العمليات، وهو انتهاك خطير لاتفاقيات جنيف لعام 1948 و1949، التي لا تزال روسيا من الدول الموقعة عليها.
الوحشية في سوريا
وفي سوريا بعد عام 2015، لم تميز قوات الأسد والقوات الروسية بين المدنيين و”المتمردين” في مناطق العمليات، بالإضافة إلى الاستهداف المتعمد للعاملين في المجال الطبي والمرافق الطبية، والاستخدام المستمر للتجويع كسلاح، والهجمات المنهجية والمتعمدة على البنية التحتية المدنية أثناء العمليات القتالية.
ويقول أريغوين في تحليله إنه حتى عام 1941، كانت التجربة العسكرية التكوينية لروسيا تتمثل في حربها الأهلية (1917-1923)، التي أظهرت، إلى درجة رهيبة، هذه الإيديولوجية وتأثيرها على المدنيين.
وكانت هذه الأيدولوجية عنصرا أساسيا في الممارسة السوفيتية عندما تقدمت قواتهم المسلحة نحو برلين خلال الحرب العالمية الثانية، حيث أن أي جندي سوفييتي يرفض تنفيذ هجوم انتحاري أو يحاول التراجع، حتى لأسباب عسكرية سليمة، كان يتم إعدامه على يد قوات خاصة مخصصة لهذا الغرض.
كما اغتصب الجنود السوفييت المنتصرون فتيات لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات ونساء يبلغن من العمر سبعين عاما أثناء احتلالهم لبرلين.
وحشية تجاه أطفال أوكرانيا
وكانت وزارة الخارجية الأوكرانية قد أعلنت مقتل أكثر من 500 طفل في أوكرانيا بهجمات روسية، منذ بداية الغزو في 24 فبراير عام 2022.
وقالت الوزارة في منشور على أكس، في الثاني من سبتمبر، “منذ بداية الغزو واسع النطاق، قتلت روسيا ما لا يقل عن 503 أطفال. وكان من المفترض أن يتوجه بعضهم إلى المدرسة اليوم”.
اغتصاب وجرائم موثقة
وكان أعضاء لجنة تحقيق مفوضة من الأمم المتحدة، كشفوا الأسبوع الماضي، في أحدث النتائج التي توصلوا إليها من ميدان الحرب في أوكرانيا، إن المحتلين الروس “عذبوا أوكرانيين بوحشية” لدرجة أن بعض الضحايا لقوا حتفهم، كما أجبروا أسرا على الاستماع بينما يغتصبون النساء في الجوار.
وقال إريك موس رئيس لجنة التحقيق بشأن أوكرانيا لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، إن فريقه “جمع المزيد من الأدلة التي تشير إلى أن استخدام القوات المسلحة الروسية للتعذيب في المناطق الخاضعة لسيطرتها كان واسع النطاق ومنهجيا”.
وأضاف “كان التعذيب يمارس في بعض الحالات بوحشية شديدة، لدرجة أنه أدى إلى وفاة الضحية”.
ومضى يقول “ارتكب الجنود الروس جرائم الاغتصاب والعنف الجنسي بحق نساء تراوحت أعمارهن بين 19 و83 عاما” في مناطق احتلوها بإقليم خيرسون.
وأضاف موس أنه في كثير من الأحيان، كان يتم احتجاز أفراد الأسرة وإجبارهم على سماع الانتهاكات في الجوار.
وتنفي روسيا ارتكاب أي أعمال وحشية أو استهداف المدنيين في أوكرانيا. وقال موس إن محاولات اللجنة للتواصل مع روسيا لم يتم الرد عليها. وأتيحت لموسكو فرصة للرد على هذه الاتهامات في جلسة المجلس لكن لم يحضرها أي ممثل عن روسيا.
وردا على سؤال في مؤتمر صحفي بوقت لاحق بشأن عدد حالات التعذيب التي أدت إلى الوفاة، قال عضو اللجنة بابلو دي جريف إن من المستحيل معرفة ذلك بسبب القيود على دخول المناطق لكنه “عدد مرتفع إلى حد كبير.. والحالات من مناطق مختلفة في أنحاء البلاد، قريبة وبعيدة عن خطوط القتال”.
وزارت اللجنة في أغسطس، وسبتمبر مناطق كانت تحت سيطرة القوات الروسية في خيرسون وزابوريجيا حيث وجدت أن التعذيب كان يتم بشكل رئيسي في مراكز احتجاز أدارتها السلطات الروسية وبالأساس ضد من يُتهمون بنقل معلومات إلى أوكرانيا.
وسبق للجنة أن قالت إن الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الروسية في أوكرانيا، ومنها التعذيب، قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.
وقال موس إن اللجنة رصدت أيضا “حالات قليلة” من الانتهاكات التي ارتكبتها القوات الأوكرانية، موضحا أنها تتعلق بوقائع هجمات عشوائية وسوء معاملة بحق محتجزين روس.
وقالت كييف في وقت سابق إنها تتحقق من جميع المعلومات المتعلقة بمعاملة أسرى الحرب، وستحقق في أي انتهاكات وتتخذ الإجراءات القانونية المناسبة.
وكلف مجلس حقوق الإنسان اللجنة، في مارس 2022، بالتحقيق فيما وقع من انتهاكات في أوكرانيا منذ بدء الحرب، وقد زارتها عدة مرات وأجرت مئات المقابلات.
وفي بعض الحالات تُستخدم الأدلة التي يتم جمعها خلال التحقيقات التي تجريها الأمم المتحدة في محاكمات محلية ودولية، بما في ذلك قضايا جرائم الحرب.
الحرة – ترجمة