السعودية: ملفّات خليجية وإقليمية على أجندة الملك الجديد
يبدو الملفّ اليمني، التحدّي الإقليمي الخارجي الأبرز، الذي يواجه العاهل السعودي الجديد، الملك سلمان بن عبد العزيز، الذي تولى عرش بلاده أمس الجمعة، ووجه رسالة إلى الشعب السعودي، قال فيها “إنه سيظل متمسكاً بالنهج الذي سارت عليه الدولة، منذ تأسيسها على يد المؤسس عبد العزيز آل سعود”، معتبراً أنّ “الأمة العربية والإسلامية هي أحوج ما تكون اليوم إلى وحدتها وتضامنها”.
وتُعدّ اليمن، التي تتدحرج فيها الأوضاع، بعد انقلاب الحوثيين وسيطرتهم على مقاليد الأمور في صنعاء، بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وفي مقدمتها السعودية، بمثابة “الخاصرة الرخوة”، التي لا مجال لتجاهلها، أو تجاهل ما يجري فيها، أو السكوت عنه.
وكان مرض الملك الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، قد أثّر بشكل ما، في اتخاذ قرارات سعوديّة (وخليجيّة) حاسمة، تجاه تصاعد الأحداث في اليمن، وإن استضافت الرياض اجتماعاً طارئاً لوزراء خارجية دول مجلس التعاون، الأربعاء الماضي، انتهى بالتأكيد على شرعيّة الرئيس عبد ربه منصور هادي، ووصف ما يقوم به الحوثيون بـ “الانقلاب”. لكنّ استقالة هادي وحكومته أخيراً، وإمساك الحوثيين بمقاليد الأمور في اليمن، المهدّد الآن بالانقسام والفوضى، بات يستدعي من الرياض والعاهل السعودي الجديد، مقاربة مختلفة في التعامل مع الأزمة اليمنيّة، واتخاذ قرارات عاجلة تحمي المصالح الحيوية للسعوديّة، ولدول مجلس التعاون الخليجي في اليمن.
ويرث الملك الجديد ملفات إقليميّة وعربيّة أخرى، منها “محاربة الإرهاب” والحرب التي يخوضها التحالف الدولي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) في العراق وسورية، وتشارك فيه المملكة إلى جانب 20 دولة، وكذلك انخفاض أسعار النفط، وتأثير ذلك على الأوضاع الداخلية في البلاد، فضلاً عن مواصلة ملف الإصلاح الذي كان بدأه الملك عبد الله. وتطرح هذه الملفات تحديات كبرى، تتطلب اهتماماً كبيراً من قبل الملك سلمان الذي يبلغ 79 عاماً، وكان قريباً، على مدى العقود الماضية، من صنع القرار، ولعب أدواراً مهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي.
ولن تؤثّر وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، وفق مراقبين خليجيين، على العلاقات الخليجية ــ الخليجيّة. وكانت المصالحة في البيت الخليجي، بين الدوحة من جهة، والرياض والمنامة وأبوظبي من جهة ثانية، آخر ما أنجزه الملك الراحل، ويسّرت عقد قمة دول مجلس التعاون في الدوحة في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبموجب التفاهمات التي رعتها الرياض، وبمتابعة من العاهل الراحل، عاد سفراء السعودية والبحرين والإمارات إلى الدوحة، بعد غياب استمر ثمانية شهور متواصلة، على خلفيّة تباين المواقف بين الدول الثلاث وقطر بشأن الوضع في مصر. والواضح أن هذه المصالحة لن تتأثّر بانتقال العرش في السعودية إلى الملك سلمان، الذي كان في صورة هذا الموضوع تماماً، ومثّل السعودية في قمة مجلس التعاون في الدوحة. والمرجح أن يتابع ما بدأه العاهل الراحل في مسار تطبيع العلاقات بين الدوحة والقاهرة، وإزالة ما وصفته قطر على لسان وزير خارجيتها، خالد العطية، بـ “اختلاف في وجهات النظر بين البلدين”. وكان كل من الدوحة والقاهرة أطلقتا رسائل غير مباشرة، في الأسابيع الماضية، أعربتا خلالها عن رغبتهما في تطبيع العلاقات الثنائيّة، عدا عن زيارة مبعوث قطري برفقة مبعوث سعودي إلى القاهرة الشهر الماضي، وهو ما ساهم في تخفيف الاحتقان بين البلدين.
ويشير تعهّد العاهل السعودي الجديد، في أول كلمة له بعد توليه العرش، بأن يواصل السير في خطى أسلافه، إلى أنه لا تغيير في السياسة السعوديّة التي تعتبر دول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، عمقها الاستراتيجي، وامتداداً لها، لكنّ السؤال الأهم الذي يجدر طرحه، هنا، يتعلّق بمصير مشروع الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، لناحية تحوّل دول مجلس التعاون الخليجي، من التعاون إلى التكامل والاتحاد. ولقي المشروع المذكور معارضة عمانية شديدة، دفعت دول المجلس إلى الاستمرار في بحثه من خلال لجنة خليجية رفيعة المستوى، وتأجيل اتخاذ قرار بصدده، ومن المتوقّع نسيانه مع غياب الملك الراحل، من دون أن يحضر على أجندة الملك الجديد.
ويبقى القول إنّ الانتقال السلس للسلطة في السعوديّة، لا يشكل مفاجأة، لكنّ الجديد هو إعلان الديوان الملكي السعودي، أمس الجمعة، مبايعة وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف، ولياً لولي العهد، ليكون بذلك أول من سيتولى الحكم من أبناء “الجيل الثاني” في آل سعود، وتعيين الأمير محمد بن سلمان، نجل الملك الحالي، وزيراً للدفاع خلفاً لوالده ورئيسا للديوان الملكي، ما يُعدّ رسالة واضحة تعبّر فيه الأسرة الحاكمة عن إدراكها بأنّه آن الأوان للجيل الثاني، أحفاد الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود، أن يُمسك بزمام السلطة، ولو بعد حين، بعدما رحل معظم جيل الأبناء، وكبر وشاخ من تبقى منهم.
العربي الجديد – وطن اف ام