يزداد التنافس سخونة بين القوى المتصارعة في الساحة السورية، لتحقيق السبق في البدء بعملية تحرير مدينة دير الزور من قبضة تنظيم داعش. وتحاول جميع هذه القوى أن تسجّل حضوراً في معركة دير الزور، نظراً للأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة الحدودية التي يُعتقد أنها قد تشهد آخر الجولات الميدانية، قبل انطلاق مفاوضات حقيقية لحل الأزمة السورية.
تحركات النظام السوري وحليفيه، روسيا وإيران، وإعلانهم أخيرا شنّ ضربات جوية ضد داعش، إثر دخول قوات النظام الحدود الإدارية لمحافظة دير الزور، من الجهة الشمالية الشرقية، هي تلميحات بالتحضير للمعركة القادمة في هذه المدينة، ورسالة للخصوم مفادها بأنّهم لن يسمحوا لهم باقتطاف ثمار النصر وحدهم هناك.
استوعبت الإدارة الأميركية فحوى الرسالة، ولذا حرّكت هي الأخرى حلفاءها، أي قوات سوريا الديمقراطية، لتسارع الأخيرة في الإعلان عن قرب إطلاقها لمعركة تحرير دير الزور، علماً بأنّ مقاتليها لم يحرّروا إلى الآن سوى حوالي 70% من مدينة الرقة، وكان قد سبق لواشنطن أن أعلنت نيتها بالتوجه مع حلفائها إلى دير الزور، ولكن بعد تحرير الرقة.
تواتر التصريحات والتحشيد العسكري الكبير في محيط دير الزور من مختلف الجهات، كلها معطيات على اقتراب لحظة إشعال فتيل الصراع عليها بين القوى الإقليمية والدولية.
وكانت قد ظهرت أولى المؤشرات على حدّة الصراع على دير الزور، عندما شنّ طيران التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، هجوماً على قوات النظام ومليشيات إيرانية متحالفة معه، بالقرب من بلدة التنف، الواقعة في المثلث الحدودي بين سورية والأردن والعراق، علماً أنّ الولايات المتحدة أكدت مراراً بأنّها لا تسعى إلى مواجهة مع قوات النظام وحلفائه.
وجرى تفسير هذا الهجوم محاولةً من أميركا لإبعاد المليشيات الإيرانية عن معبر التنف الحدودي لتحقيق هدفين اثنين: الأول، هو عرقلة وقطع الهلال الشيعي. والثاني، تسهيل معركة القضاء على داعش في دير الزور.
الرّد الروسي على هذا الهجوم، الذي بلغ حدّ التهديد العلني بالتصدّي لأيّة هجمات من هذا القبيل قد تتعرّض لها مستقبلاً قوات النظام، علاوة على تحرّكات مكثفة لإيران وحزب الله، اعتبره مراقبون بمثابة استعداد للمخاطرة بصدامات مع الولايات المتحدة، كل ذلك عكس عمق التوترات المتصاعدة في تلك المنطقة.
ووسط هذا التنافس المحموم بين القوى المتصارعة، للبدء بمعركة دير الزور المنتظرة التي ستؤثر نتائجها، بشكل أو بآخر، في جميع تفاصيل المشهد السوري، يبقى لكل طرف حسابات خاصة تجعله يتحمّل أيّة أكلاف في سبيل بسط نفوذه على هذه المدينة، حتى ولو ترتب عن ذلك الدخول في مواجهة مباشرة مع الأطراف الأخرى.
يعلم النظام السوري أنّ السيطرة على دير الزور تعني تحقيق جملة من الأهداف في آن واحد، منها تأمين الحدود السورية العراقية، وتأمين الاتصال بمختلف المحافظات السورية لكون المدينة تعد همزة وصل بينها، فضلاً عن المخزون النفطي الكبير، إذ إنّ التقديرات تشير إلى أنّها تضم 40% من ثروة سورية النفطية.
في المقابل، تنظر إيران إلى السيطرة على مدينة دير الزور، أو ضمانها منطقة نفوذ خاضعة للنظام السوري، استكمالاً لمشروع الهلال الشيعي، ولهذا السبب انطلقت موجة من التحذيرات عندما وصلت مليشيات عراقية موالية لطهران إلى حدود محافظة دير الزور، لأنّ انتشارها على الحدود اعتُبر محاولة من أجل تأمين الهلال الشيعي.
وترغب طهران في أن يصبح الطريق الدولي الرابط بين بغداد ودمشق طريقاً برياً إلى لبنان وحليفها حزب الله، وإذا استطاعت أن تؤمن ممرّاً يعبر من دير الزور باتجاه الداخل السوري، أي تدمر فدمشق، ستصدق بذلك تصريحات المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، بأنّ حدود دولتهم أصبحت بالعراق والشام والمتوسط.
في الوقت نفسه، يشكل مشروع الهلال الشيعي مصدر قلق كبير بالنسبة لأميركا وإسرائيل، اللتين تتخوّفان من أن ترسّخ إيران أقدامها في سورية، وتتمكن أخيراً من فتح ممرّ بري يربطها مع حليفها حزب الله اللبناني، سيكون من شأنه ترك انعكاسات سلبية على أمن ومصالح إسرائيل. ولهذا فإنّ إسرائيل أعلنت مراراً أنّها لن تسمح بأي تواجد لإيران في سورية. وهذا يضع ضغوطاً على الإدارة الأميركية للتحرّك وفقاً لما تراه حليفتها إسرائيل ضامناً لأمنها ومصالحها الحيوية في المنطقة.
هذا وإذا علمنا أيضاً حقيقة موقف روسيا، التي أعلنت أنها ستركز كل دعمها للنظام السوري لمحاربة داعش في دير الزور، إلى جانب احتمال أن يخوض “داعش” نفسه أشرس معاركه فيها، لأنه سيعتبرها معركته الكبرى الأخيرة، تنجلي ملامح الصراع والتهافت الإقليمي والدولي على هذه المدينة السورية.
المصدر : العربي الجديد