خرج أحمد علي (34 عاماً) المدرس من سورية هرباً من الحرب قبل عامين واستقر في مدينة نمساوية هادئة على الحدود مع جمهورية التشيخ وكان أمله أن يحيا حياة أسرية هادئة هناك.
غير أن مواقف الناخبين من المهاجرين تشددت بسبب المخاوف الأمنية والاقتصادية بعد أن قبلت النمسا أكثر من واحد في المئة من سكانها من طالبي اللجوء في العام 2015.
وغذى ذلك التأييد لحزب «الحرية» اليميني المتطرف وكاد مرشحه أن يفوز في انتخابات الرئاسة العام الماضي. وما زالت الهجرة القضية السياسية المهيمنة قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في 15 تشرين الأول (أكتوبر).
وفي كانون الثاني (يناير) خفض النواب في ولاية النمسا السفلى حيث يعيش علي المساعدات المقررة للوافدين الجدد. وقال النواب إن من الضروري حماية نظام المساعدات من طوفان اللاجئين.
وانتقل علي وزوجته الحامل من جديد إلى فيينا في تموز (يوليو) حيث تصرف لهما المساعدات بالكامل. وقال علي «معظمنا هرب عندما وصل الخطاب ليخطرنا بأن مساعداتنا الاجتماعية ستخفض. في البداية لم نصدق ثم شاهدنا ذلك في حساباتنا المصرفية». ويقول علي إنه لم يتقن بعد اللغة الألمانية بما يتيح له العثور على عمل.
وقررت ثلاث من ولايات النمسا التسع، هي النمسا السفلى وبورغنلاند والنمسا العليا، خفض المساعدات للوافدين الجدد. ويريد وزير الخارجية سيباستيان كورتس زعيم حزب «الشعب» المحافظ الذي يتصدر استطلاعات الرأي تطبيق تخفيضات مماثلة على مستوى البلاد.
أما المستشار كريستيان كيرن، الذي تبين استطلاعات الرأي أنه يتنافس على المركز الثاني مع حزب «الحرية»، قاوم الفكرة لكنه قال إنه سيؤيدها في الحالات التي يرفض فيها الوافدون الجدد عروض العمل.
حتى الآن أثرت التخفيضات في الأساس على مهاجرين من أمثال علي طلبوا اللجوء في النمسا عندما فتحت حدودها في 2015 على رغم أن بعض النمسويين العائدين لبلادهم تأثروا بالتخفيضات أيضاً.
وفي بورغنلاند تطبق القواعد على كل الناس الذين يطلبون مساعدة وأمضوا أقل من خمس سنوات من السنوات الست السابقة على تقديم الطلب في النمسا.
وصور بيان مرفق بمشروع القانون في النمسا العليا التخفيضات على أنها وسيلة لمعالجة مشكلة «جاذبية مساعدات الرعاية» في ما يخص اللاجئين. وامتنعت حكومة النمسا السفلى عن التعقيب بسبب تقديم طعن قانوني على التخفيضات.
وفي دعوى قضائية رفعتها جمعية خيرية من المتوقع أن تصدر المحكمة الدستورية في النمسا قرارها في ما إذا كانت التخفيضات التي قررتها ولاية النمسا السفلى في أواخر 2016 وطبقتها منذ أوائل العام الجاري مخالفة للقانون.
وينص اتفاق اللاجئين الذي أبرمته الأمم المتحدة في العام 1951 على ضرورة أن تقدم الدول المضيفة للاجئين المعاملة نفسها التي تتيحها لرعاياها في ما يتعلق بالمساعدات العامة. وأصدر الاتحاد الأوروبي توجيهات مماثلة في 2011.
ونددت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين «بالنقاش الدائر حول كراهية الأجانب» في الدوائر السياسية في النمسا قبل الانتخابات ووصفت خفض المساعدات بأنه مخالف للقانون الدولي والقانون الأوروبي غير أنه لم يتم رفع أي دعاوى على المستوى الدولي.
ودافعت ناطقة باسم ولاية بورغنلاند عن خفض المساعدات وقالت إنها تستهدف الرعايا النمسويين أيضاً. وأضافت «من هنا لا توجد مخالفة… لتوجيهات الاتحاد الأوروبي أو اتفاق اللاجئين».
وقال ناطق باسم كورتس إنه سيتم إقرار تشريع لتوسيع نطاق التخفيضات وصياغتها بشكل «لا يدع الفرصة لظهور أي شك لدى أعلى المحاكم».
خفضت الولايات الثلاث المساعدات للوافدين الجدد حتى بعد حصولهم على اللجوء إلى حوالى 570 يورو (669 دولاراً) في الشهر أي أقل من نصف الحد الأدنى للفقر البالغ 1200 يورو بالمقارنة مع حوالى 850 يورو للنمسوي الذي لم يسافر إلى الخارج قط.
وتقرر أن يكون الحد الأقصى للأسرة 1500 يورو. وبدلاً من العيش على أقل مما يعتبره أغلب النمسويين حد الكفاف اختار كثيرون ممن شملهم التخفيض الانتقال وخصوصاً إلى العاصمة.
وانتقل علي إلى شقة ليقيم مع أقاربه في مبنى متداع على أطراف المدينة بإيجار 1100 يورو في الشهر. وقال علي في غرفة المعيشة التي تضم أريكتين وجهاز تلفزيون وصورة للزعيم الكردي مسعود بارزاني «لا يهمهم كم طفلاً لديك. وربما يخفضونها من جديد».
ووجد علي شققاً أرخص لكن مالكيها لا يريدون تأجيرها للاجئين. وقالت مالكة إحدى الشقق إنها تخشى خفض المساعدات الاجتماعية للاجئين في فيينا أيضاً.
وقال رئيس مكتب مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في النمسا كريستوف بينتر «بدلاً من تخفيض شبكة الأمان الاجتماعي يجب دعم الاندماج والاستقلال. نخشى أن تعلم اللغة والتدريب والبحث عن عمل سيتأثر إذا لم يعرف المعنيون كيف يسددون إيجاراتهم».
وعلى رغم أن حزب «الحرية» والمحافظين بزعامة كورتس كانوا الأعلى صوتاً في ما يتعلق بخفض مساعدات الوافدين الجدد، فإن الولايات الثلاث التي أقرت التخفيضات تحكمها ائتلافات ثنائية مختلفة من الأحزاب السياسية الرئيسة الثلاثة. غير أن غالبية الذين تأثروا بالتخفيضات ممن تحدثت إليهم «رويترز» يخشون فوز كورتس في الانتخابات.
وقال سوري يدعى باسل من درعا عمره 24 عاماً «إذا فاز كورتس فستكون مشكلة كبيرة». وانتقل من ولاية النمسا السفلى إلى فيينا في تموز (يوليو) وترك أصدقاءه وعمله كمصفف شعر. وقال إن التخفيضات تشل الناس من أمثاله من الخوف. وأضاف «وتتوقف عن التفكير في المستقبل».
وطن اف ام / الحياة