توصلت هيئة تحرير الشّام من جهة، وحركة نور الدين الزنكي من جهة أخرى، إلى اتفاق يقضي بتشكيل لجنة شرعية؛ للنظر في المسائل العالقة بين الطرفين، بعد يوم من المداهمات وتبادل الاعتقالات من قبل الفصيلين في الريف الغربي من حلب، بالتزامن مع أجواء ترقب وقلق تعيشها محافظة إدلب في ظل سيطرة تحرير الشّام عليها.
وكانت هيئة تحرير الشّام داهمت، السبت، مقرين لحركة نور الدين الزنكي في الريف الغربي من حلب، واستولت على مستودع لصواريخ التاو في مدينة خان العسل، ومخفر الرحال التابع للحركة في بلدة كفرناها القريبة.
وقال قيادي في حركة نور الدين الزنكي، فضّل عدم نشر اسمه أنّ “مداهمات الهيئة اشتملت على مقرين تابعين للحركة، أحدهما مستودع لصواريخ التاو، وآخر مخفر للشرطة تديره الحركة”.
وأشار إلى توصل قيادات الفصيلين إلى اتفاق قضى بحل الخلاف بينهما؛ عبر تشكيل لجنة شرعية، لافتا إلى أن بوادر الحل بدأت الأحد، مع إطلاق الهيئة لعدد من عناصر الحركة، وكذلك إطلاق الحركة لعناصر من الهيئة تم اعتقالهم على خلفية التوترات بين الطرفين.
من جهته، قال مدير العلاقات الإعلامية في هيئة تحرير الشّام، عماد الدين مجاهد، إن أصل المشكلة حصل قبل أسبوع من الآن، إثر اتهام الحركة لعنصر من الهيئة بسرقة مستودع للأسلحة تابع للزنكي، حيث أحالت الهيئة، بحسب القيادي فيها، العنصر للمحكمة، لكن الحركة لم تقدم أدلة دامغة لإدانته؛ ما دفع الهيئة للإفراج عنه، مع إبقائه تحت المحاكمة.
كما اعتبر المسؤول الإعلامي في الهيئة أنّ أصل الخلاف بين الهيئة والحركة في نقطة الرحال هو تجاهل الأخيرة لكافة المناشدات، سواء من الهيئة أو من الناس، للتعامل مع فساد القيادي فيها زكريا صوان، ما اضطر الهيئة للتدخل، بعد امتناع الحركة عن اتخاذ أي إجراءات بحق القيادي فيها، كما قال.
وطالب مجاهد حركة نور الدين الزنكي بالابتعاد عن “التصعيد الإعلامي”، ودعاها لـ”حل القضايا الخلافية عبر المحاكم الشرعية المختصة”، مشددا على “أخوة الثورة والمصير بين الطرفين”.
وتأتي تلك الأحداث وسط مخاوف من امتداد رقعة الصراع بين الطرفين في الريف الغربي من حلب، والشّمالي من حلب، الأمر الذي قلل من أهميته الناشط المقرّب من الهيئة أبو محمد الرحابي، الذي اعتبر أنّ ما حصل بين الطرفين يبقى مجرد إشكال بسيط، ولن يتطور؛ كون هناك علاقات وطيدة تربط الطرفين، مؤكدا في الوقت ذاته على حاجة الهيئة لحركة نور الدين الزنكي “اليوم، أكثر من أي يوم مضى، من أجل إدارة أي ملف تفاوضي أو سياسي مع الدول الإقليمية أو الدولية”.
وكانت حركة نور الدين الزنكي انفصلت عن هيئة تحرير الشّام بُعيد الاقتتال بين الأخيرة وحركة أحرار الشّام، الذي أدى لتراجع كبير لنفوذ الأخيرة في الريف الشمالي من إدلب، حيث قدمت حركة الزنكي نفسها على أنها قوات فصل بين الهيئة والأحرار، لتؤيد فيما بعد البيان الصادر عن الهيئة بضرورة إيجاد مشروع سني جامع للفصائل في الشّمال السوري.
وتأتي مجريات الأحداث الأخيرة في الريف الغربي لحلب، لتبدو هامشية، في ظل المخاوف على مستقبل مدينة إدلب، التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشّام، وسط تشديدات أمنية تركية لمراقبة الوضع على طول الحدود، مع تقييد حركة معبر باب الهوى الحدودي؛ بسبب التطورات الأخيرة.
وفي هذا الإطار، يقول الناشط محمود المعراوي “إدلب من حصة تركيا، في ظل الصراعات الإقليمية وانعكاساتها على الأرض السورية، حيث من المتوقع فتح طريق من ريف حلب الشّمالي إلى الريف الغربي من حلب، وبالتالي وصل إدلب بحلب”.
وتوّقع المعراوي أن تكون هناك تشكيلات عبارة عن وزارت أو تنظيم إدارات مدنية، من قبل شخصيات توافقية من أبناء المجتمع المحلي؛ لإدارة شؤون المناطق في إدلب.
وذهب معراوي أبعد من ذلك، بقوله: “إنّ هيئة تحرير الشّام، التي سيطرت بالقوة على مدينة إدلب وريفها، من المتوقع أن تعلن تشكيل وزارة دفاع في مدينة إدلب؛ لفصل العسكر عن الإدارات المدنية لإدلب وريفها”، وفق قوله.
كلام معراوي يخالفه فيه عدد كبير من أهالي ريف إدلب، وكذلك عدد من القادة العسكريين فيها، حيث يتوقعون سيناريو “أسود لإدلب”، من خلال عمليات عسكرية جوية من قبل التحالف، وبرية من قبل الأتراك، لإنهاء وجود هيئة تحرير الشّام في المدينة.
ويقول قيادي في أحرار الشام، إن هيئة تحرير الشام ترغب في السيطرة على كافة مفاصل الحياة في المدينة، من خلال سيطرتها على المعبر، والإدارة المدنية لمدينة إدلب، وهو، بحسب القيادي، ما يشجع التحالف لقصف المدينة، وتهجير أهلها، مشددا على أنّ المجتمع الدولي لن يقبل بوجود تنظيم القاعدة في إدلب.
وحذّر عدد من الناشطين السوريين من تخلي المنظمات الإنسانية عن إدلب وأهلها، من خلال إيقاف مئات المشاريع في المنطقة، بعد فرض الهيئة سيطرتها على كامل المحافظة.
لكن رئيس مجلس محافظة إدلب، غسان حمو، يرى أن “عمل المنظمات مستمر؛ لأنها ليست مرتبطة بجهات عسكرية أو غيرها، وإنما هي إنسانية، وتقدم المساعدات من أجل الحفاظ على الإنسان”.
وقال “بعد النزوح الكبير لمحافظة إدلب، ونقل المهجرين قسريا إليها، يقع على عاتقها جهد كبير، وبذل كافة الطاقات والإمكانيات لديها؛ من أجل الوقوف على احتياجات الناس، وهذا نلاحظه من خدمتهم، وهم موجودون ويقدمون خدماتهم”، وفق قوله.
واتهم حمو جهات -لم يُسمّها- بـ”شيطنة إدلب، لأجل أهداف وغايات سياسية، مشددا في الوقت ذاته على استمرار عمل المنظمات في المحافظة.
وختم حمو حديثه، قائلا: “الثورة مستمرة في محافظة إدلب، وسنبقى متمسكين بثوابت الثورة والعمل المؤسساتي، ونحن بمجلس محافظة إدلب، وأنا كرئيس مجلس المحافظة، مستمرون بالاجتماعات مع الفعاليات المدنية والمديريات والنقابات والاتحادات وبالصبغة المدنية، ضمن المعايير والأنظمة الدولية”، كما قال.
وطن اف ام / عربي 21