منوعات

رمضان في برلين… حرارة مرتفعة وفتاوى “مستحدثة”

يلتهب قرص الشمس في الأجواء، وترتفع درجات الحرارة لتتجاوز عتبة 37 درجة مئوية في كثير من البلدان الأوروبية ومن ضمنها العاصمة الالمانية برلين. وتتزامن موجة الحر الشديدة، مع حلول الاسبوع الثالث من شهر رمضان المبارك، ما يفاقم مشقة الصيام بالنسبة الى الجالية المسلمة التي تُمسك لمدة 19 ساعة عن الطعام والشراب.

تقول سكينة وهي لاجئة سورية تمضي عامها الاول بعيداً من موطنها وفي بلد غير إسلامي: «عانينا الأمرين في سورية من قصف ورعب وتهجير، وتجرّعنا مرارة النزوح والهرب في رحلة محفوفة بالأخطار». ثم تبتسم وتمسح جبينها الذي يتصبب عرقاً وتكمل: «نعاني الآن من هذه الحالة الغريبة التي أصيبت بها أجسادنا بسبب ارتفاع الحرارة ونسبة الرطوبة التي تواكبت مع رمضان يطول نهاره ويقصر ليله».

الخمول الشديد، الاعياء، الصداع وانخفاض الضغط، وعصبية المزاج والانكفاء على النفس هي أبرز الاعراض التي يتقاسمها الصائمون في هذه الاجواء. وهم رغم ذلك يغالبون انفسهم في محاولة ممارسة الطقوس الروحانية بزخم أكبر من المعتاد، لأن رمضان هو شهر التوبة والمغفرة والتكفير عن الذنوب والسيئات. وتجنباً لارتكاب المعصية وكسب الذنوب يذهب البعض إلى أبعد من ذلك، إذ يختزلون يومهم بالتعبد والاعتكاف بالمنزل وعدم الخروج إلا لقضاء الأمور التي تستدعيها الضرورة القصوى. وتوضح سيدة منقبة تبتاع ما تحتاج إليه على عجل من مركز تسوق تركي: «لا أحبذ خروج ابنائي في هذا الحر كي لا تقع أعينهم على مثل هذه المشاهد»، وتومئ بطرف عينها – مخالفة التوقعات – ليس إلى البطيخة الحمراء المتوهجة تحت أشعة الشمس وإنما لفتاة شابة سبقتها إلى صندوق المحاسبة بلباس صيفي.

الحاج الفلسطيني أبو عمر صاحب بقالة في برلين، لا يتفهم سبب تذمر البعض من الحرارة أو طول فترة الصيام. فهو يعترف بتعب وإرهاق شديدين يلازمان يومه لكنه يحتسب أجره عند الله انطلاقاً من مبدأ الثواب على قدر المشقة.

ويشير الحاج بأسلوب لا يخلو من التهكم بإصبعه إلى جاره في الحي شارحاً أنه أغلق مطعمه السريع لبيع المأكولات العربية، وشد رحاله جنوباً إلى لبنان فاراً من موجات الحر التي تهب على برلين خلال هذه الفترة من العام وقاصداً الاستمتاع بالأجواء الروحانية والرمضانية بين الأهل والأحباب.

لكن ماذا عن الفئة التي لا تمتلك المرونة أو التحكم بأوقات الخروج من المنزل، وهي الغالبية من أبناء الجالية المسلمة المقيمة في برلين؟

بين هذه الفئة بطبيعة الحال من هم متمسكون بالصوم من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على رغم غياب المظاهر الرمضانية في محيطهم المهني والاجتماعي. وبين هذه الفئة ايضاً من تمسك بالصوم لكن على طريقته الخاصة أو بناء على فتوى او اجتهاد. ولعل الفتوى الأكثر شيوعاً هذه السنة هي الصادرة عن دار الافتاء المصرية والتي تبيح لأهل المدن التي يتجاوز فيها عدد ساعات الصوم أكثر من 18 ساعة، الصوم بعدد ساعات مكة المكرمة أي أن يبدأ الامساك بحسب توقيت بلده المحلي ويفطر بعد 15 ساعة حين تكون الشمس ما لا تزال تتوسط فضاء برلين.

يعلق أحمد من المغرب: «أعمل مقدماً لبرنامج تلفزيوني مدته ساعة كاملة واحتاج إلى تركيز شديد، خصوصاً أن وقت الإفطار يحل خلال هذه الساعة. ارتأيت العمل بهذه الفتوى وأصوم وفقاً لها على ذمة المفتي. من دونها كنت لربما اضطررت لأن أفطر لكي اتمكن من المحافظة على توازني وأدائي امام الشاشة».

آخرون «استصدروا» أو استحدثوا لأنفسهم صوماً خاصاً يتناسب مع نمط حياتهم. فمنهم من أمسك عن الطعام فحسب من دون الاستغناء عن شرب الماء لما في ذلك من ضرر على الجسم حسب تفسيرهم. وهناك من يستيقظ باكراً، ويعد فطوراً دسماً ليتمكن من التحمل بقية النهار ومن ثم يمسك حتى وقت الغروب. آداك الايرانية الأصل وزوجها المغربي الجراح يصومان وفقاً لهذه الطريقة، ولا يريان في ذلك حرجاً. فـ «الهدف من الصيام ليس جلد النفس وانما تطهيرها وغسل الجسم من السموم»، كما تقول.

حل آخر لجأت إليه ابنة جيل ثانٍ من المغتربين من الأردن، فهي تصوم منذ نحو عشرين عاماً شهراً واحداً في العام تاركة لنفسها حرية اختياره. وفيما يحتدم النقاش بين هذا وذاك حول صحة الصيام، يشارف الشهر نهايته ويستعد الجميع للاحتفال بحلول عيد الفطر، كل على طريقته الخاصة.

المصدر : الحياة

زر الذهاب إلى الأعلى