لم ينتظر مسلسل «العرّاب» السوري جرس العرض كي يقع تحت الضغط. أولاً عبر المقارنة الحتمية بسلسلة «العراب» السينمائية المقتبسة عن الرواية صاحبة الاسم نفسه لماريو بوزو، ومن ثم المقارنة المنتظرة بـ «العراب – نادي الشرق» المستند بدايةً إلى الأصل ذاته، إلى جانب صولد صنّاع العمل باستخدام «كارت الجوكر»، عبر ضمّ المطرب عاصي الحلّاني، بما يعني من نجومية، إلى اللعبة ممثلاً درامياً للمرة الأولى، بخاصة بعد خسارة توقيع النجوم باسم ياخور وقصي خولي وعابد فهد.
يحاول الكاتب حازم سليمان خلط الأوراق، فيختار مشهداً افتتاحياً مختلفاً عن الفيلم. يقتل الابن الأصغر للعرّاب والبعيد عن جرائم العائلة، «آدم المختار» (سامر إسماعيل) رجلين من أعداء العائلة، بينهما «أبو سالم» ابن عائلة «الأفندي»، فيتجدد الثأر مع عائلة «المختار»، علّ العمل ينسي الناس مقاربته بعين الفيلم الشهير. لكنّ الموسيقى التصويرية تأبى عليه ذلك من المشاهد الأولى، بحيث يستند الملحن رضوان نصري في شكل أساسي إلى إعادة توزيع جمل نينو نورتا، فيربط المشاهد أيضاً بفيلم فرانسيس فورد كوبولا. ويأتي توزيع بقية الأوراق مطابقاً للرواية الأصلية، من ناحية عدد شخصيات العائلة وملامحها، أساس البنية الدرامية في العمل، مع فارق أن جبروت عائلة «العرّاب» ونفوذها، لم يُبررا بالشكل الكافي درامياً، إلا بعد مضي ثلثي العمل. ولا يوجد دلائل لهذه السلطة الاستثنائية، ما خلا مظاهر الحراس الأمنيين وجريمة «آدم»، وكأن النص اتكأ على وجود الفيلم الهولييودي في وعي المشاهد لإدراك هذا الواقع.
وفي حين لم يوفر العمل الكثير من الإسقاطات المحلية في الأحداث، كوجود رجال دين مسخرين لخدمة رجال السلطة، وادعاء الغيرة على الدين في خلافات لا علاقة للدين بها، إلّا أنه استمر بالاقتباس، معتمداً على حقبتين زمنيتين أساسيتين، تسيران في الحاضر وفي الماضي في شكل متوازٍ، منذ منتصف القرن الحالي إلى عام 2010. لكنّ التوزيع الزمني بينهما في السيناريو تمّ بأسلوب متفاوت شتّت المشاهد، بسبب استمرار كل حقبة حلقات عدة قبل العودة إلى الحقبة الأخرى، إضافة إلى تفوّق واضح لتدفق الأحداث وتصاعدها في حقبة الماضي. وفي هذا الإطار، يُحسب للعمل اختيار أزياء من تلك الحقبة على يد المصممة تولين قات في شكل دقيق ومتنوع لم يقتصر على «قضاء دواعي الراكورد»، ما زاد الواقعية الدرامية، مثل تضمين السيناريو والحوار أغاني للسيدة أم كلثوم في الخمسينات والستينات في شكل مدروس.
ولكن من جهة أخرى، وقع العمل في بعض الأخطاء، كظهور سيارة من إنتاج يتخطى عام 2005 في الحلقة 22 في مشهد من حقبة الثمانينات. وكذلك في أخطاء بين الحقبتين، كتحدث «ورد» الابن الأكبر للعرّاب باللهجة اللبنانية في عائلة تتكلم بالسورية، بينما الطفل الذي أدّى دور «ورد» في طفولته استخدم اللهجة السورّية. أما الحقبة المعاصرة، فتعاني حتى الآن من البطء وعدم تصاعد الأحداث. مثلاً انتظر «مختار المختار» (سلوم حدّاد) 21 حلقة ليخرج من إصابته، في وقت جمدت عائلته أيضاً بعد جريمة المشهد الأول بانتظار سلامة «العرّاب».
وعلى عكس الزمن المحدد، ظل الفضاء الجغرافي للعمل «أبيض» ومبهماً. فلا يوجد ذكر لمدينة أو بلد محدد. وفي هذا الجانب موّهت أرقام السيارات برموز لا تمت لأي بلد بصلة، إلّا أنه يقع أيضاً في الخطأ. في الحلقة 9 ترقص «تالا» (سلافة معمار) في أحد الملاهي الليلية، فيظهر رقم لبناني على الشاشة في الخلفية، كما تظهر سيارة أجرة لبنانية بلوحة حمراء في حلقة أخرى.
أما من ناحية آداء الممثلين الذي قدمه المخرج المثنى صبح بلقطات متعددة الزاوية والبعد غالباً، تُضيف جمالية مشهدية، فحافظ النجوم السوريون على ثبات مستواهم، لا سيما الممثل صفوح ميماس بدور «رفيق» الثانوي، إضافة إلى الفنان اللبناني القدير رفيق علي أحمد. كما أمتعنا النص بثنائيات غير مباشرة، مثل التي جرّت بين «تالا» و «ريم» (نسرين طافش) حبيبتي «آدم»، وبين رشاقة «أديب» (فايز قزق) و «جبل» (فايق عرقسوسي). لكنه صدمنا بثنائيات أخرى كالمشاهد بين «حازم» (عبدالمنعم عمايري) و «ورد» (عاصي الحلاني) بسبب التفاوت الكبير في المستوى بينهما لمصلحة العمايري. خلال أكثر من ثلثي العمل لم يقم الحلاني بأي رد فعل معبر بوجهه أو بنظراته مثلاً، كما لم يقنع بنبرته أن «ورد» هو ذلك الرجل العنيف والمخيف، بل بدا غضبه طفولياً فلم يحمل من رجال المافيا إلّا «السيجار»، على رغم تأكيد مصادر من العمل لـ «الحياة»، اجتهاد النجم اللبناني في موقع التصوير وحرصه على تعلم أدوات التمثيل قدر الإمكان في الوقت المتاح، لكنّ الغناء شيء والتمثيل شيء آخر. ولعلّ أكثر ما أوقع الحلاني في هذا المطب، تقديمه إعلامياً قبل العرض كـ «ملك» في التمثيل من الشركة المنتجة «سما الفن» التي حولت «الجوكر» إلى كارت خاسر، في عمل مشطور إلى مرحلتين، ماضية مشوقة ومعاصرة باهتة ضربت كامل الخلطة الدرامية.
المصدر : الحياة