الفرار من الحرب والقمع والفقر له علاقة وثيقة بالإنسان مثل وجوده في حد ذاته، لا يمكن لأمة أو جماعة عرقية أو حضارة أن تتنصل منها، ومع ذلك تصدمنا في جوهرها عندما نواجهها مع كل ماتحمله من عناصر مأساوية.
كثير من البشر الذين يصلون إلى أوروبا هذه الأيام، يأتون من دول عربية، بالإضافة إلى الرعاية الأولى والدعم.
في مجموعة محمود درويش الشعرية الصادرة عام 2002 بالألمانية بعنوان “لنا بلد من الكلام” والتي تضم قصائد كتبها بين عام 1986 و2002 نجد في البداية العنوان التالي “مقعد في القطار”. عند قراءة هذه السطور ينبغي الافتراض أن هذه القصيدة كُتبت قبل بضعة أيام أو حتى قبل ساعات.
بهذه الصورالماثلة أمام أعيننا لبشر يحاولون بكل مالديهم من قوى الصعود إلى قطارات مكتظة متجهة إلى ألمانيا يلتقي الشعرالعربي والحاضرالأوروبي بشكل مرعب.
الواقع أن النصوص الشعرية هذه كتبها رجل كانت حياته مصبوغة باللجوء والمنفى ويطغي عليها موضوع المأساة الفسلطنية حتى موته عام 2008
يصف محمود درويش بشكل لافت مشاعر الناس وهم في طريقهم إلى مستقبل مجهول، في كثير من الأحيان في قطارات غريبة.
بوضوح ودون ريب يصف كل محطة قطارعلى أنها مكان آخر للجوء، وأن كل لوحة محطة تعطي شعورا آخر بالمجهول.
” نسافر بحثًا عن الصِّفْر”. هكذا أصاب محمود درويش بتحديده لطبيعة اللجوء.
يحمل اللاجئ في جيوب سترته الحد الأدنى من الوطن، وغالبا ما يكون مفتاح البيت القديم وصورة الأسرة.
” كُلّ أهلِ القطارِ يعودون للأهلِ، لكننا لا نعودُ إلى أي بيتٍ.” يشكو الشاعر مرارة فقدان الوطن.
استطاع محمود درويش بطريقة فريدة من نوعها أن يربط قرائه بالقضية – بشكل مباشر أو غير مباشر- وإقناعهم بأن الإرادة هي دائما أعلى قيمة رغم كل شيء .
الشعر بالنسبة لمحمود درويش هو الوحيد القادر على تحمل الزهد عن الوطن.