لم تستسلم الأردنية صباح السيلاوي ذات الـ 55 عاما لواقعها الصعب، بعد وفاة زوجها بجلطة قلبية مفاجئة تاركا وراءه عائلة كبيرة تضم خمسة أفراد أيتام (أربع بنات وفتى)، وشمرت صباح عن ساعدها، وعملت سائقة سيارة أجرة بين مدينتي عمان والرمثا على بعد نحو مئة كيلومتر شمال العاصمة.
واخترقت صباح بذلك عالما جديدا كان حتى عهد قريب مقصورا على الرجال، الذين تتوزع رؤيتهم للمرأة التي تقتحم بين النظرة السلبية والنظرة العقلانية في احترام وتقدير، لأنها دخلت جميع ميادين العمل، ولم يعد هناك ميدان حكر على الرجال وحدهم.
وتمتلك صباح السيلاوي خبرة كافية في قيادة سيارة أجرة، حيث سبق لها أن عملت بين الرمثا ودمشق، لكن إغلاق الحدود بسبب الأزمة السورية، جعلها تحول عملها بين الرمثا وعمان.
تعمل صباح 12 ساعة في اليوم تبدأ في الخامسة صباحا، وقالت للجزيرة نت إنها لجأت لهذا العمل من أجل لقمة العيش في “حياة صعبة ولا ترحم”، وحماية لأولادها من الضياع.
وتتحمل تعب ست رحلات تقريبا حتى تفي باحتياجات عائلتها وسداد ديونها والتزاماتها، ولا تمد يديها للغير لإصرارها على العيش بكرامة رغم الدخل غير الكافي، وناشدت كبار المسؤولين الأردنيين إعطاءها ما يسمى “خط حافلة” أو سيارة أجرة ثانية لمساعدتها في تلبية احتياجات عائلتها.
لا معارضة
وأكدت صباح أن أهلها وجيرانها تقبلوا عملها سائقة سيارة أجرة، وشجعوها ودعموها، ولم تواجه أية معارضة. وقالت إن عددا كبيرا من نساء وفتيات الحي الذي تسكن فيه طلبن منها فتح مكتب لسيارات الأجرة للسيدات، كي يجدن فرصة عمل لمساعدة أسرهن على الوفاء باحتياجات الحياة التي تزداد صعوبة.
أما زملاؤها السواقون فيعدّونها “أخت الرجال” يتعاملون معها باحترام ودون أية مضايقات -حسب قولها- لأنهم يعرفون ظروفها وكدها لأجل أسرتها لسد الفراغ الذي تركه زوجها الراحل.
ويرى مختص الطب النفسي أحمد الربابعة أن عمل صباح منوط عادة بالرجل حسب العرف الاجتماعي، لكن هناك قدرات خاصة أو فريدة تظهر لبعض الأشخاص في ظروف أو مواقف معينة، حيث يستجمعون قواهم وتظهر لديهم طاقات غير مألوفة عند جنسهم، وهذا ما حصل لصباح السيلاوي.
وقال الربابعة “هناك طاقة كامنة تثار في المواقف الضاغطة أو الحرجة، يمكن أن تشكل قوة دفاعية للشخصية لحمايتها وجعلها مستمرة بشكل أفضل في الحياة”، وأضاف أن السيلاوي تجاوزت ثقافة العيب بامتهانها مهنة كانت مقصورة على الرجال، داعيا للنظر للدافع أو المحرك وهو ظروفها الأسرية. وزاد أنها خرجت من صراع “إقدام .. إحجام “، وطغى الإقدام على نقيضه حتى تتكيف مع واقعها الجديد.
نموذج نسوي
من جهتها، ترى الإعلامية لينا العساف أن المرأة الأردنية اقتحمت بجدارة عالم الرجال ليس حبا أو خروجا على موروث اجتماعي، ولكن ظروف الحياة الصعبة وحاجة أسرتها، كما هي الحال بالنسبة للسيلاوي. وقالت نها نموذج حي ورائع للمرأة التي تواجه الصعاب من أجل لقمة عيش شريفة ونقية وكريمة لأبنائها، ونحن كسيدات أردنيات نفخر بهذا النموذج الذي سطّر صورا رائعة من التفاني والعمل الشريف”.
وأضافت أن صباح السيلاوي لم تطرق بابا، ولم تجلس في البيت تنتظر مساعدة الآخرين، ولم تذهب لأية جهة حكومية أو خاصة تستجدي العطف والمساعدة، بل اعتمدت على ساعدها في إعالة أبنائها الأيتام، وهذا موضع تقدير.
المصدر : الجزيرة نت