منوعات

آلاف السوريين والعرب ينعون عصام العطار: قامة فكرية علميّة 

نعى آلاف السوريين والعرب المفكّر عصام العطار، الذي توفي في مدينة آخن بألمانيا عن عمر ناهز سبعة وتسعين عاماً قضى الراحل أغلبها في مغتربه القسري عقب مغادرته دمشق جراء ملاحقة نظام البعث له منذ عام أربعة وستين.

 

ونشرت صفحة العطار على فيسبوك بيان نعي من عائلته ورسالة منه، في حين تفاعل علماء وناشطون على منصات التواصل الاجتماعي مع إعلان وفاته.

 

وقال بيان نشره عامر البو سلامة المراقب العام لجماعة الإخوان المسلين في سوريا -عبر حسابه على منصة إكس- إن العطار “قامة إسلامية كبيرة، وقائد قوي دؤوب، قاد الجماعة في ظروف صعبة كانت تعيشها البلاد”.

 

وقال السياسي والرئيس السابق للائتلاف السوري المعارض أحمد معاذ الخطيب، إن العطار “أحد القادة التاريخيين للحركة الإسلامية”، قائلاً إنه قضى في الاغتراب “أكثر من ستين عاماً. واستشهدت زوجته بنان ابنة الشيخ علي الطنطاوي اغتيالاً من قبل نظام الأسد في عام ألف وتسعمئة وواحد وثمانين وفشلت عدة محاولات لاغتياله.

 

بدوره، وصف الكاتب والسياسي السوري محمد ياسين نجار، الراحل عصام العطار  بـ “القائد الوطني الكبير الذي ناضل ضد الاستبداد والفساد، ورفض الانقلابات، ثم هُجِّر في زمن البعث.

 

من هو العطار؟

ولد العطار في العاصمة السورية دمشق عام 1927، وسط أسرة عريقة لها باع طويل في العلم الشرعي -وكان أجدادها من أئمة الشافعية- عملت في علوم الحديث وعرفت بثقلها الاجتماعي.

 

وهناك في دمشق نشأ العطار وتلقى علومه الأساسية وسط بيئة أسرية اهتمت بالعلم وتعليمه وتعلمه، وفق “الجزيرة”.

 

ووفق المصدر ذاته، بدأ العطار طريقة في الدعوة والعمل الإسلامي مع جمعية “شباب سيدنا محمد” وكانت أول صلة له مع جماعة الإخوان المسلمين، فقد كانت من الجمعيات التي أسست للجماعة لاحقا إلى جانب “دار الأرقم” في حلب، و”الأنصار” في دير الزور، و”الإخوان المسلمين” في حماة، التي أسست جميعها جماعة الإخوان المسلمين عام 1945 على يد مصطفى السباعي.

 

وكان للعطار مكانته في الجماعة، وأصلح مرة فيما بينهم لما اختلفت الجماعة مع السباعي حول قضية ما، وبنى علاقة مع رابطة علماء سوريا، فضموه إليهم وشارك في أنشطتهم وحاور عنهم في بعض اللقاءات المهمة.

 

عام 1954 انتخب العطار في المكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين، وقاد المظاهرات التي احتجت على إعدام الدعاة عامها.

 

وفي العام التالي اختير أمينا عاما لهيئة المؤتمر الإسلامي الذي ضم كبار شيوخ سوريا، وكان حينها أيضا في الهيئة التشريعية والمكتب التنفيذي لجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك عضوا في مكتب دمشق للجماعة، قبل أن يختار ممثلا ومتحدثا باسم الجماعة، ليتولى مسؤولية المراقب العام والمكتب التنفيذي في وقت واحد.

 

قدّر العطار عام 1957 أن عدم مشاركة الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية أفضل، لأنه رأى أن الظروف والوقائع التي سادت في البلاد حينها ستحول بينهم وبين نجاح الجماعة وتوقع تزوير نتائج الانتخابات وتدخل قوى اليسار، وهو ما حصل فقد قررت الجماعة خوض الانتخابات ورشحت مصطفى السباعي لكنهم خسروها.

 

كان العطار من مؤيدي الوحدة بين سوريا ومصر لكنه خالف جمال عبد الناصر في أساليب الوحدة التي نادى إليها، فقد رأى في حكمه دكتاتورية وانتقاصا من حقوق الإنسان، خاصة أن عبد الناصر اشترط حل الأحزاب، فقرر حينها السباعي حل جماعة الإخوان المسلمين.

 

رفض العطار الانفصال وحل الجماعة، ودعا إلى الوحدة على أساس ديمقراطي برلماني وعلى الصعيد العسكري والخارجي، فقد كان يرى أن “طريق الوحدة يتناقض مع الدكتاتورية” ورفض التوقيع على وثيقة الانفصال، وكذا رفض الإخوان معه، وأعلنوا الانفصال عن الوحدة مع مصر، وندد العطار بحملات القمع التي مارسها عبد الناصر ضد مخالفيه.

 

وكان العطار يجيب عندما يسأل عن سبب رفضه التوقيع على وثيقة الانفصال: “كيف تريدونني أن أبارك حركة هدمت حلما يسكن أبناء الأمة منذ قرون، إنّ خلافنا مع نظام الوحدة شيء، وتمسكنا بالوحدة شيء آخر”.

 

انفصلت جماعة الإخوان وعاد الإسلاميون للعمل الحزبي، وعُين العطار قائدا لها، وأجمعت الجماعة على ترشيحه عام 1961 للانتخابات البرلمانية، ففاز بالنيابة عن دمشق في الانتخابات النيابية بالأغلبية، متغلبا على كبار السياسيين في البلاد، وهو ما أثار حفيظة غير الإسلاميين ومخالفي الجماعة الذين بدؤوا بالتحذير من “نهضة إسلامية شعبية”.

 

ولما صار العطار أمينا عاما للكتلة التعاونية الإسلامية في البرلمان السوري، قدم كتابا إلى رئيس الجمهورية حينها ناظم القدسي، ورئيس الوزراء معروف الدواليبي فيه مطالب من بينها ما يتعلق بـ”المؤامرة الصهيونية والاستعمارية” لتحويل مجرى نهر الأردن، وطرح على الحكومة فكرة تعبئة الأمة لتحرير نهر الأردن بدلا من التحويل، بحسب “الجزيرة”.

 

وفي الثامن من مارس/آذار 1963 دبر البعثيون السوريون انقلابا عسكريا وتم تعيين مجلس وطني لقيادة الثورة بقيادة اللواء لؤي الأتاسي كما بدأت قوة البعث ونفوذه داخل مؤسسات الدولة ولا سيما الجيش. اعتقل حينها رئيس الدولة ورئيس وزرائه، ودعي العطار مع 12 شخصا للمشاركة في استلام الحكم.

 

ووفق “الجزيرة”: رفض العطار المشاركة في الحكومة وقال: “لا يمكنني القبول بالمشاركة في حياة تقول إنها ديمقراطية ولكنها جاءت بانقلاب عسكري، وهذه الانتخابات لن تعيش طويلا حتى يتم الانقلاب عليها من جديد”.

 

طالب العطار بحكومة ائتلافية يشارك فيها الجميع، ورأى في الانقلاب جانبا طائفيا فأعلن ذلك في خطبه، وبقي على عمله الإسلامي ودعوته، وحمته شعبيته من الاعتقال حينها. فما كان من سلطة الانقلاب إلا الرضوخ والإفراج عن الرئيس ناظم القدسي وإعادته إلى رئاسة الجمهورية.

 

وبعدها بعام قرر الذهاب لأداء الحج، وكانت رحلته تلك ذهاب بلا عودة، فقد منع من دخول البلاد، متعللين بتأثيره في الحياة السياسية، فسافر إلى لبنان، ومن هناك إلى بروكسل حيث أصيب بالشلل عام 1968، حتى انتقل إلى ألمانيا لاجئا سياسيا.

 

ولاحقاً، أعلن العطار ترك جماعة الإخوان المسلمين لما بدأت الخلافات بين قياداتها، وتفرغ للعمل الدعوي في ألمانيا، وأسس هناك مراكز دعوية من بينها “المنتدى الإسلامي الأوروبي للتربية والثقافة والتواصل الإنساني والحضاري”، وكان خطيبا في المركز الإسلامي في مدينة “آخن”.

 

وفي عام 1981 قيدت الحكومة الألمانية حركته، وجمّدت أنشطته السياسية باعتباره لاجئا سياسيا، مع ذلك كان له أثر في بداية الثورة السورية عام 2011، فقد خاطب الناشطين السوريين ونصحهم وأيدهم، وأعلن رفضه الانخراط في أي تشكيلات سياسية ثورية. وشارك في مؤتمر المعارضة السورية في إسطنبول، وفق “الجزيرة”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى