منوعات

الرئيس الفيلسوف ” علي عزت بيجوفيتش ” ما تعرف عنه ؟!

“إن قيمة هذه الأفكار لا تكمن فيها ذاتها وإنما هي -قبلاً- في الظروف التي كتبت فيها”، هكذا تحدث الرئيس البوسني

علي عزت بيغوفيتش في كتابه “هروبي إلى الحرية” عن الفترة التي قضاها في السجن، وهي فترة كتب فيها أفكاراً شديدة التركيز عن شكل السياسة والمجتمع والحرية التي يتخيلها بيغوفيتش. على حد تعبيره، والذي حلت ذكرى وفاته في شهر أكتوبر/تشرين الأول، في هذا التقرير نتحدث عن أهم محطات حياته.

وخلال المضي أكثر فأكثر في مذكراته خلال السجن، يتبين لنا كيف أثرت فيه هذه التجربة القاسية، أو كما قال: “كان الأدب هو هروبي الثقافي إلى الحرية”.

واللافت هو حجم القراءات العميقة للفلاسفة المتقدمين والمتأخرين التي ألقاها بيغوفيتش في الكتاب.

بشكل عام، يعد هذا الكتاب نافذة مهمة –وبالتأكيد ليست الوحيدة- للاطلاع على روح وإنسانية بيغوفيتش في فترة مهمة من حياته، فترة حسمت في نفسه الكثير من الصراعات ومهدت له طريقاً لاتخاذ قرارت مصيرية.

نشأته

ولد بيغوفيتش عام 1925م. وكان الطفل الثالث من ضمن 5 أبناء، نشأ في أسرة ميسورة الحال لأب اشتغل بالمحاسبة، في سراييفو (عاصمة البوسنة)، ليلتحق بيغوفيتش بالمدرسة.

بيغوفيتش طفلاً يقف في المنتصف بين أبويه

ويتضح من كتاباته أنه كان يعاني ضغطاً ناتجاً عن معاملته كمسلم بعنصرية، وهو ما أدى فيما بعد لرغبته بتكوين جمعية الشبان المسلمين. التحق بيغوفيتش بكلية الزراعة؛ ولكنه تركها ليلتحق بكلية الحقوق، تخرج منها ليعمل مستشاراً قانونياً في إحدى الشركات.

نضاله السياسي

نتيجة لزيادة شعبية جمعية الشبان المسلمين، تعرض بيغوفيتش للسجن بين عامي 1946 و1949.

وبعد خروجه من السجن نشط بيغوفيتش في محاولة منه لإشهار ما دعاه “الإعلان الإسلامي”، ثم حكم عليه بالسجن المشدد عام 1983 لمدة 14 عاماً، ولكن أفرج عنه عام 1988؛ إثر تغير نظام الحكم عقب انتهاء الحرب الباردة.

وأنشأ عام 1990 “حزب العمل الديمقراطي” كممثل رسمي للبوشناق (مسلمو البوسنة) وكافح لأجل استقلال بلاده، وكان أول رئيس لجمهورية البوسنة والهرسك.

رئاسته للبوسنة والهرسك

في عام 1990 -وبعد سلسلة من الأحداث- فاز بيغوفيتش برئاسة جمهورية البوسنة والهرسك بأغلبية الأصوات وفقاً للنظام الدستوري.

وفي العام 1991 أعلنت كرواتيا وسلوفينيا استقلالهما عن الاتحاد اليوغسلافي؛ فكانت شرارة اندلاع الحرب بين كرواتيا ويوغوسلافيا متمثلة في صربيا.

الحرب البوسنية

دعا بيغوفيتش لإجراء استفتاء على استقلال جمهورية (البوسنة والهرسك) عن يوغوسلافيا في عام 1992؛ نتيجة للحرب الدائرة بين كرواتيا وصربيا.

وجاءت الغالبية العظمى من الأصوات مؤيدة لقرار الانفصال؛ الأمر الذي دعا صرب البوسنة برئاسة سلوبودان ميلوسوفيتش بدعم من الجيش الشعب اليوغوسلافي لشن الحرب على البوسنة والهرسك والتي كان يمثل البوشناق المسلمون غالبية جيشها.

ارتكبت المجازر الجماعية في البوسنة وتحرّرت الدعاوى القضائية في محكمة العدل الدولية لملاحقة رادوفان كراديتش، الذي كان على قمة قائمة المطلوبين لارتكابه مجازر حرب حتى تم القبض عليه في عام 2008م.

معاهدة دايتون

قبل البوشناق بالهدنة في عام 1995، وبدأ الشروع في اتفاقية السلام في الوقت الذي كانت قواتهم قد بدأت تتقدم فعلياً على الأرض، وتحصد انتصارات ملموسة.

توقيع معاهدة دايتون نوفمبر 1995: من اليسار: سلوبودان ميلوسوفيتش عن صربيا،علي عزت بيغوفيتش عن البوسنة والهرسك،فرانجو توجدمان عن كرواتيا.

نتج عن اتفاق دايتون وفقاً لتقرير الغارديان دولة بوسنية مستقلة، ولكن بأقاليم لها استقلال نسبي وحساسية شديدة.

نتج هذا الوضع الخانق للبوسنة من تقسيم رئاسة الجمهورية بين ثلاثة رؤساء: كرواتي وبوسني وصربي. وهذا ما أدى إلى صعوبة عملية اتخاذ قرار سياسي أو اجتماعي.

كذلك خلق اعتمادية على المعونات الخارجية؛ مما عزز الفساد وأضعف قدرات الدولة على النمو والتقدم الاقتصادي. بجانب أنها خلقت وضعاً اجتماعياً معقداً، وينذر بخطورة شديدة واحتمالية لانفجار الأوضاع.

مقتطفات من حياته

ونذكر بعض اقتباسات مهمة قالها

علي عزت بيغوفيتش بعد خروجه من السجن للمرة الثانيه 1988.. وأثناء قضائه بعض الوقت مع عائلته قبل اندلاع حرب البوسنة بثلاث سنوات.

قد نختلف أو نتفق مع القرارات التي اتخذها بيغوفيتش لإنهاء الحرب؛ ولكن قد تساعدنا هذه الاقتباسات من كتابه “هروبي إلى الحرية” على فهم دوافعها وأسبابها

∙ “القراءة المبالغ فيها لا تجعل منا أذكياء ، بعض الناس يبتلعون الكتب، وهم يفعلون ذلك بدون فاصل للتفكير الضروري، وهو ضروري لكي يهضم المقروء ويبنى ويتبنى ويُفهم”.

∙ “الإنسان الذي يعرض أفكاره، يمكنني أن أقول له برضا كبير: لا تهمني أفكارك وقناعاتك المذكورة، ولا نظرتك للعالم ولا كيف تسمي كل ذلك. الشيء الوحيد المهم بالنسبة لي والشيء المهم فعلاً هو كيف أنت، هل أنت إنسان جيد أم سيئ؟ في الحقيقة إن كل قصصك وكل تصرفاتك هي مهمة فقط بقدر ما تساعدني على إجابة السؤال عنك: من تكون؟”

∙ “الندم إذا كان صادقاً هو في نوعه من أعلى درجات الأخلاقية”

∙ “من الممتع أن بعض الناس يطالبون بإصرار بحق التفكير، وعندما يحصلون عليه ويمتلكونه لا يستعملونه”.

∙ “الظلم يمكن تصحيحه بالعدالة والعقوبة المثل بالمثل، لكن الطريقة الوحيدة للانتصار على الظلم هي التسامح؛ ولذلك يأمر القرآن بالعدالة وينصح بالتسامح، ولكن كيف يمكن أن نعرف بأن العدالة عادلة، وليست ظلماً جديداً؟ وهل هناك ما يشبه ذلك في الحياة الإنسانية، فهل كانت الجريمة والعقاب متساويين في أحد الأيام، أو أنهما يمكن أن يكونا كذلك بقياس الواحد للآخر؟ أليست كل عدالة مادام الناس يقومون بها هي دوماً ظلم جديد يضغط ثانية باحثاً عن العدالة وهكذا إلى ما لا نهاية”

وفاته

توفي علي عزت بيغوفيتش في 19 أكتوبر/تشرين الأول عام 2003م إثر مرض في القلب. تاركاً آلاف المشيعين وملايين المتشوقين لقراءة القصة الكاملة لهذا الرئيس “الفيلسوف”.

المصدر : هاف بوست عربي 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى