على الرغم من مرور قرابة خمسة أعوام على كتاب رواية/ مذكرات “يوماً ما كنتُ إسلامياً” للشاب المصري، أحمد أبو خليل، وظهور الطبعة الثامنة منها، إلاّ أنّ هذا الكتاب لم يأخذ حقّه من الاهتمام البحثي أو الإعلامي العربي، كما حصل مع كتبٍ أخرى، لمنشقّين عن الإخوان المسلمين ذاع صيتها، وأصبحت بسبب الإعلام من الأكثر مبيعاً، مثل كتب ثروت الخرباوي.
السبب أنّ أبو خليل لم يكن “تجارياً” من زاوية عرض روايته مع الإسلاميين، بل كان موضوعياً معتدلاً في التوصيف والتعريف، لذلك لم تأت روايته بما يلبّي حاجة الإعلام المتحمّس ضد الإسلاميين، والغارق في منطق البروباغاندا، لا البحث العلمي والحافز المعرفي!
أزعم أنّ رواية “كنتُ إسلامياً” على درجة من الأهمية، تتفوّق كثيراً على تلك الكتب، لأنّها تحكي قصة جيل من أجيال عربية، نشأت في رحاب الحراك الإسلامي، منذ صعود المدّ الإسلامي في السبعينيات، وإن كان أبو خليل ربما ينتمي إلى أصغر هذه الأجيال أو أحدثها، فهو ابن الجيل الإسلامي الحالي، وإن كان ينتهي بالكتاب إلى القول إنّه كان، ولم يعد، إسلامياً، وربما العنوان يوحي بخلاف النتيجة.
المهم أنّ الرواية تحكي قصة مئات الآلاف من الشباب العربي والمسلم، ممن نشأوا سواء مع السلفيين أو الإخوان أو حركة أخرى، أو التبليغ، وغيرهم، وتعلموا أدبياتهم، ولعل المفارقة أنّ الروائي انتقل بين أكبر تيارين إسلاميين في مصر، السلفيين والتبليغ، وأبدع في تظهير (وإبراز) الجانب السيكولوجي للشاب السلفي أو الإخواني، كيف يفكّر؟ كيف ينظر إلى نفسه ومجتمعه والعالم وما هي الكتب والأدبيات والخطب والمشاعر والأفكار والهواجس والأهداف، وصولاً إلى لحظات الربيع العربي، وما أدت إليه من تحولات سياسية في حالة الإسلاميين.
يرصد أبو خليل بدقّة كبيرة حجم التحولات في أفكار الإسلاميين ومشاعرهم وثقافتهم، وكيف نظروا إلى ثورات الربيع العربي وكيف تحرّكوا، وقبل ذلك مجتمع الإسلاميين في المدرسة والجامع والجامعة والرحلات، وأهميتها في عمليات التجنيد، وموقفهم من دعاة ومفكرين ومثقفين معروفين في مصر والعالم العربي، وعلاقتهم بعائلاتهم وبأصدقائهم.
ما أهميّة ذلك؟ يلتقط هذا الكتاب الصورة أو الفيلم عن قرب شديد، من الداخل، ويتعامل مع الظاهرة الإسلامية بمنطقها الموضوعي، كما هي، ما لها، وما عليها، يتيح للباحث الاجتماعي والنفسي والسياسي الذي يدرس الحركات الإسلامية أو الاجتماعية في العالم العربي إطلالةً أدق وأعمق على ما يحدث داخل هذه الحركات، وتحديداً لدى جيل الشباب. وهو (المؤلف) أيضاً لا يشيطن الحالة الإسلامية، ولا يسخّفها، على الرغم من أنّه يمارس نقداً عميقاً ذكياً لها، من خلال تجربته الشخصية، الروحية والفكرية، وتطوّرها، وهذا مهم لأنّ كثيراً من الأدبيات والكتب التي تناولت الإسلاميين إمّا درستهم من الخارج، من دون عمق حقيقي في فهم الأبعاد السيكولوجية والسوسيولوجية، أو أنّها جنحت نحو المبالغات والأوهام وعقلية المؤامرة في استنطاق داخل تلك الحركات، ومحاولة إضفاء طابع بوليسي أو تهويلي، كما في كتب الخرباوي ذائعة الصيت.
أعجبني ردّ من شابّة على صديقة لنا كانت مناضلةً سياسيةً يسارية، في مؤتمر عن الشباب في جامعة الحسين التقنية الجديدة في الأردن، إذ كانت تلوم جيل الشباب الجديد بأنّه يتأفف دوماً، على الرغم من أنّه لم يعش مرحلة الأحكام العرفية والنضال الحقيقي الذي خاضه الشباب قبلهم في تبني قضايا النضال والديمقراطية، فأجابتها الطالبة بأنّنا نسمع هذا الكلام كثيراً، وهو بالنسبة لنا أقرب إلى النكتة، لأنّ جيلنا رأى وعايش أخطر بكثير من كل ما تذكرين، كما تصف الفتاة وتضيف: لقد فتحنا أعيننا على أحداث “11 سبتمبر” في 2001، ثم الحرب العراقية، ثم إعدام صدام حسين، ولاحقاً على الربيع العربي وطموحاته الكبيرة، ثم انتكاساته، وصولاً إلى المجازر في سورية والحروب الأهلية العربية الحديثة، وتحدثني عن معاناتكم، فما هي نفسية شاب منذ سنين المراهقة، وهو يشهد هذه الأهوال تحيط به، وتضغط على أعصابه وتقلّب وعيه وثقافته!
بالضبط، نجد مثل هذه الصورة مسرودة، من زوايا مختلفة، عبر التجربة الإسلامية في كتاب أبو خليل، الذي يفاجئنا، في النهاية، بأن العنوان معاكس تماماً، بمعنى أن الشكوك تحوم حول حالة شريحة واسعة من الجيل الجديد كان إسلامياً، وانتهى إلى مجال آخر، أو الحالة الإسلامية نفسها التي ابتعدت عمّا نشأ عليه جيل أحمد أبو خليل.
المصدر : العربي الجديد