تبادر إلى أذهان سوريين كثيرين ثلاث قضايا ملحة، وهم يتابعون جدلية وسائط التواصل الاجتماعي بشأن المشاركة في مؤتمر المعارضة السورية في العاصمة السعودية، الرياض 2، والمقرر عقده اليوم وغدًا (22 و23/ 11)، أو عدمها. وتبتعد هذه الجدلية عن جوهر القضية السورية، وسبل التعامل مع الواقع المحيط بالثورة وعليها، وتحديد نقاط قوة من يقود عمليتها السياسية، وكذلك نقاط ضعفها، ومراحل تطورها ونضوجها، لتشكيل علامة فارقة في لحظةٍ حاسمة، لتأخذنا إلى حلٍّ لا يفرّط بحقوق السوريين الرافضين استمرار واقع الظلم والاستبداد، والذين قدموا مئات آلاف الشهداء ومثلهم من معتقلين ومغيبين ومشرّدين في أصقاع العالم. وهنا أتوجه إلى زملائي المشاركين في المؤتمر، وقد أكون منهم، وقد لا أكون، وإلى الزملاء الذين لن يتسنى لهم المشاركة لأسباب مختلفة، منها عدم توجيه دعوة إليهم أو اعتذارهم عن تلبيتها، وإلى المتخوفين من منتجات هذا المؤتمر، والذي لم يعقد بعد، أتوجه لهم جميعا بطلب أن نتصارح بشأن هذه المسائل، ونحدد بشجاعة دورنا فيها، ومسؤوليتنا عنها.
إجرائياً: على الرغم من أن عقد مؤتمر وطني للمعارضة السورية لجمع شتاتها كان مطلباً وطنياً، منذ ما يزيد عن ثلاثة أعوام، وكان ذلك مسؤولية الكيان المعترف فيه دولياً، أي الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، إلا أن هذا الكيان تخلى عن مسؤولياته، واعتبر نفسه نادياً مغلقاً، لا يحق للسوريين جميعهم المشاركة بأعماله، واستمر في ذلك حتى لحظة اختيار ممثليه إلى مؤتمر الرياض 2، حيث لم يفكر لحظةً بإدراج أسماء لشخصيات وطنية غيبت عنها الدعوة إلى المؤتمر، على الرغم من علم “الائتلاف” بأهمية وجود هذه الدعوة، لتدعيم موقفه، ولإطلاق مبادرته التي تعبر عن كل السوريين الذين يدّعي تمثيلهم. ويقود هذا الأمر إلى حقيقة أن كيانات الثورة تمثل المنتسبين لها (الكيانات) فقط، بغض النظر عن كيف تمت آلية الانتساب، والتي تفقدها مشروعية الحديث عن التمثيل الواسع للسوريين. والمعنى هنا أن إرادتنا أيضاً بالاجتماع مع بعضنا ليست حرّة، وإنما مقيدة بطلب الآخرين ودعمهم، وهذا ما أثبتته التجربة خلال السنوات السبع، وهو ينطبق على جميع الكيانات المدعوة إلى مؤتمر “الرياض 2″، لكن تحميلي “الائتلاف” المسؤولية نابع من حجم الاعتراف الدولي به، ومن نظامه الداخلي الذي بات يعدّل حسب المزاج لمن يحكمه.
أيضاً، وفي إطار مناقشة الإجراءات التنظيمية، ما مغزى دعوة أكثر من مئة عضو إلى هذا المؤتمر؟ ولماذا يمثّل “الائتلاف” الذي هو كيان واحد، وهيئة التنسيق ومنصتا القاهرة وموسكو، حتى ولو وجدت فيها كياناتٌ متعددة، بأعداد كبيرة، ألا يكفي وجود شخص (أو اثنين) يعبر عن إرادات هذه الكيانات؟ ثم أين هي الكيانات السياسية في الثورة السورية التي من أهم ثغراتها الافتقار إلى كيانات سياسية ذات تمثيل شعبي حقيقي؟ لا تُطرح هذه المسألة هنا اعتراضاً على العدد فقط، وإنما لإيضاح أن العقلية السائدة هي عقلية انتخابات، أي أننا نأتي إلى هنا فقط من أجل انتخاب هيئة معيّنة، حتى ولو كانت هذه الهيئة شكلية، ومجرد صورة لا أكثر، من أجل مجرد صورة في مفاوضاتٍ لا تجري فيها مفاوضات، كما بيّنت التجربة.
وبشأن البيان المفترض صدوره عن الاجتماع في الرياض: هل يعول فعلياً السوريون على البيانات؟ هذا سؤال مطروح، فقد أصدرت المعارضة مئات البيانات التي بقيت مجرد حبر على ورق، لكن هذا لا يعني التراخي في مسؤوليتنا عن استصدار بيان ختامي، ليس من أجل أن نقول إن المجتمعين توافقوا عليه فقط، بل من أجل أن نعمل على تنفيذه، ولأن هذا البيان وثيقة هي ملكٌ لكل السوريين. ولهذا لابد أن تجمع بين المتوافقات بينهم، إذا كنا نتحدث عن اجتماع للمعارضة السورية ولقوى ثورتها، ومنها مثلا:
التأكيد على الأهداف الأساسية التي انطلقت من أجلها الثورة: إسقاط نظام الاستبداد، وإقامة دولة مؤسسات وقانون، ترتكز على مبادئ دستورية عليا تتمثل بقيم الحرية والكرامة والمواطنة والديمقراطية، وعلى السيادة للشعب وتداول السلطة. اعتبار أن وحدة شعب سورية، بكل تلاوينه، هي الأساس لوحدة الأرض السورية. تأكيد أن الحقوق الفردية، في دولة مواطنين أحرار ومتساوين، لا تلغي وليست بديلا للحقوق الجماعية، لكل الجماعات القومية، ولاسيما الكرد، الذين ينتمون لأمة أكبر، مثلما ينتمي العرب السوريون لأمة أكبر، وهذا يشمل الحق في اللغة والثقافة والتعبير والتنظيم وانشاء الروابط القومية. التأكيد على النظام البرلماني، أو المختلط، بديلا عن النظام الرئاسي، للتخلص من هذه العقبة، وللحؤول دون إعادة إنتاج الدكتاتورية. إن قيام دولة سورية على أساس اللامركزية، أو الفيدرالية، على أساس جغرافي، وليس على أساس إثني أو طائفي، هو أحد كوابح إعادة إنتاج الاستبداد، وهو الذي يضمن استعادة الثقة وتعزيزها بين السوريين، بكل أطيافهم، كما يضمن وحدة أرض سورية، والإنماء المتوازن والعادل بين المناطق. التأكيد على التمسك ببيان جنيف 1، بكل مضامينه، وبقراري مجلس الأمن 2118 و2254، رزمة واحدة، ورفض أي محاولة لاختزال الأمر في القرار 2254.
وبالنسبة للمفاوضات: بعيدًا عن الأوهام، لابد من أن نتصارح مع السوريين بأن لا تفاوض جرى في السنوات الماضية بين طرفين سوريين، أو على الأقل لا يمكن القول إن النظام اعترف بأنه يفاوض معارضةً، على أساس أنها خصمه السياسي، ما يعني أن المفاوضات الفعلية تجري بين الدول الفاعلة في الصراع، بعد أن تم تهميش الثورة، بسبب ضعف كياناتها وارتهاناتها، وبسبب تشرّد السوريين، وضمور البعد الشعبي لثورتنا، وأن النظام لن يقدم لنا شيئا على طاولة المفاوضات، لاسيما مع ضعف كياناتنا السياسية والعسكرية والمدنية أو انحسارها. وفي هذا الوضع، لا نستطيع شيئا لإجباره عليه بقوانا الخاصة.
ومع كل ما تقدم، نحن معنيون بالمفاوضات، لكن على أساس استثمارها، جزءا من الصراع السياسي وفقط، فهذه هي المعركة السياسية حالياً، ويجب أن نعرف كيف نديرها، ومتى وأين نشد الحبال أو نرخيها، فالمفاوضات مجال لتعزيز التقاطعات بيننا وبين الدول الفاعلة في الصراع السوري، وهي منبر للتعريف بأنفسنا أمام العالم، فهذا ما نحن بحاجة إليه، ولكن بخطابات وقيم يفهمها العالم، مثل قيم الحرية والمواطنة والديمقراطية.
وأخيراً، ونحن نناقش في المصير السوري، من داخل القاعة أو خارجها، أتوجه بتحية لأهالي الشهداء والأسرى المعتقلين في سجون النظام المجرم. وأود أن أطالب بالإفراج عن المعتقلين في سجون بعض الفصائل المحسوبة على الثورة، مع إدانتنا هذه الأعمال التي شوهت ثورتنا، وفي مقدمة من أتحدث عنهم رزان زيتونة وسميرة الخليل وناظم حمادي ووائل حمادة، الذين اختطفوا في الغوطة قبل سنوات، وما زالت الجهة المسيطرة هناك، والتي تتحمل المسؤولية عن مصيرهم، تنكر أي مسؤولية عنهم. وفي الختام، أعتذر لكثيرين ممن يستحقون أن يكونوا في قاعة المؤتمر في الرياض اليوم، ولم يتح لهم ذلك، مؤكّدة تقديري للجميع، وتحية لشعبنا السوري الصامد.
المصدر : العربي الجديد