يتفاءل الرؤساء اللبنانيون بالصيغة التي يُنتظر أن ينتهوا إليها الأسبوع المقبل لينأوا بلبنان عن أزمة كبيرة مع المملكة العربية السعودية، إذا أفضت إلى ابتعاد «حزب الله» عن التدخل في الحرب الدائرة في اليمن، فتكون مخرجاً لعودة رئيس الحكومة سعد الحريري عن استقالته.
ومع أن كُثُراً يشكّون في أن ينأى الحزب بنفسه عن تلك الحرب، ويخشون من أن يكون أي إعلان بهذا المعنى شكلياً، ويقتصر على وعد بتحويل الحملات الإعلامية العنيفة للسيد حسن نصرالله إلى «انتقادات»، فإن المتفائلين بتلك الصيغة يستندون إلى جهود دول كبرى في هذا المجال، لا سيما روسيا وفرنسا مع إيران، لإنجاح انكفاء الحزب عن اليمن. لدى المشككين بإمكان ابتعاد الحزب الكثير من الحجج: نصرالله سبق أن افتخر قبل زهاء سنة بأن «أعظم ما قمتُ به» هو هجومه على السعودية في اليمن، وأنه «أعظم من حرب تموز» ضد العدو الإسرائيلي. فطهران أوكلت إلى نصرالله منذ زهاء عقدين من الزمن، بناء الجسم الحوثي على الصعد كافة، العقائدية والدينية والسياسية والتنظيمية والتدريبية والعسكرية… كجسر تدخل في اليمن السعيد. وحين قررت الرياض مواجهة التمدّد الإيراني على حدودها في 26 آذار (مارس) 2015، لم يكن من تفسير لعنف حملة نصرالله غير المسبوقة ضد السعودية عند العارفين، سوى أنه صُدِم بفعل المسّ بـ «طفله» الحوثي. ويتساءل المشككون بإمكان انتزاع تنازل انكفاء الحزب في اليمن، عن مدى واقعية ذلك إذا لم تحصل طهران على الثمن المقابل.
أما المتفائلون بانكفاء الحزب فلا يعيرون أهمية للجهود المحلية، ويراهنون على العواصم الكبرى التي حرّكتها صدمة استقالة الحريري من الرياض، لأن الأخيرة طفح الكيل معها من استخدام طهران التنظيم اللبناني لاستهدافها. لهذه الدول مصالح كبرى مع السعودية، في المدى الإقليمي الأوسع، سواء في المجال النفطي، أو في التعاون معها لإدارة أزمات سورية والعراق وليبيا، وهي مصالح تعلو على مصالحها مع طهران واضطرارها إلى مراعاة سلوكها في لبنان وغيره. وإذا كانت الكلمة السحرية وراء الإخراج الذي أدى إلى عودة الحريري إلى بيروت كي يتريث في تقديم الاستقالة كانت «الحفاظ على الاستقرار في لبنان»، فلأن هذه الدول لا تريد اهتزاز «ستاتيكو» البلد الصغير في وقت تسعى إلى معادلة جديدة في إدارة الأزمة السورية بكل تعقيداتها. خلفيات الاستقالة أكبر من لبنان، ومعالجتها أكبر منه أيضاً، والأرنب الذي سيخرج من قبعة لبنانية دولي الهوية، وتمرير الوقت ربما يسمح بعدم ظهور الفريق المعني خاضعاً للضغوط.
في انتظار معرفة ما إذا كان الأرنب الذي سيظهر الأسبوع المقبل متلائماً مع المطالب العربية من لبنان، والتأكد من أن البلد لن يتعرض لمزيد من الضغوط لأن فريقاً فيه ينفذ أجندة إيرانية ضد دول الخليج والسعودية، يبقى السؤال عما إذا كان النأي بالنفس عن اليمن سيحمي لبنان من تداعيات تدخل الحزب في ساحات أخرى، وتحديداً في سورية. بين المسؤولين اللبنانيين من يأمل بانكفاء الحزب من سورية لأن الحرب على «داعش» شارفت على نهايتها، فيعيد نشر مقاتليه داخلها على الحدود مع لبنان.
إلا أن النأي بالنفس عن بلاد الشام مستحيل وفق قول الرئيس نبيه بري، وحتى المتفائلين يتركون معالجة انخراط الحزب في المحرقة السورية للترتيبات الدولية التي نشهد بعض فصولها في جنيف-8، والمرشحة لأن تفشل لمصلحة دورة جديدة من العنف، كالقصف الإجرامي الذي شهدته الغوطة الشرقية قبل أيام. والوقائع تخالف التمنيات. ومقابل اتهامات موسكو واشنطن بأن تعاونها معها غير بنّاء على المسرح السوري، تتهم الأخيرة الجانب الروسي بأنه لم يفِ بوعده إبعاد الميليشيات الإيرانية و «حزب الله» عن المنطقة الجنوبية في إطار اتفاق خفض التصعيد فيها، بينما لا تأخذ إسرائيل بتطمينات فلاديمير بوتين وسيرغي لافروف حيال ضمان أمنها، لأن «الحرس الثوري» يبني قواعد عسكرية في منطقة الكسوة (ريف دمشق) المؤدية إلى القنيطرة ودرعا، ويتجول مقاتلوه وعناصر «حزب الله» بلباس الجيش السوري، كما يقول الإسرائيليون. والأردن لم يفتح معبر نصيب (الذي يستفيد منه لبنان في تصدير منتجاته) على رغم وعده بذلك، طالما أن الإيرانيين ما زالوا في مناطق قريبة. والمعارضة في الجنوب وحّدت فصائلها تحسّباً لاندلاع القتال مجدداً.
والإنذارات الإسرائيلية بتوجيه ضربات عسكرية حيال تزويد الحزب أسلحة من مصانع صواريخ إيرانية في سورية تتوالى. فما الضمانة بأن عملاً عسكرياً إسرائيلياً لن يُقحم لبنان في المواجهة إذا لم يكن هناك نأي بالنفس عن سورية؟
المصدر : الحياة