حرب وتفجيرات مرعبة في دمشق لأجل ” شوق “

لم يكن ينقص أهل الشام إلا الاستيقــاظ على تفجير سيارة مفخخـــة لدوافع فنية- درامية. حدث ذلك قبل أيام في ساعات الصباح الأولى في ساحة عرنوس– حي المزرعة، حين استيقظ قاطنو الحي على دويّ انفجــــار ضخم، فدبّ الرعب فــي قلوبهم، قبل أن يكتشفوا أن الامر ليس غير مشهد في مسلسل سوري جديد بعنوان «شوق»، ما جعل من ذلك الصباح مناسبة لتذكر «حفلات» القذائف والمفخخات التي تروّع دمشق في سنوات الحرب المشتعلة منذ أكثر من ست سنوات.

ليس هنا مجال تحليل الدوافع النفسية التي قد تؤدي بمجموعة من منتجي مسلسل إلى النزول بفعل اللامبالاة إلى هذا المستوى.

الحرب تفعل فعلها بالتأكيد وتصنع «أخلاقيات» خاصة بها، وليس نشوء خطوط التماس التي يتفرع عنها تحصينات مناطق في مقابل أخرى حتى لا تقع مثل تلك التفجيرات في مكان ما، سوى علامة على تشققات في الـ «أنا» وسلوك القطيع في محاولة حماية الجزء الخاص به من أذى الجماعات «العدوة»، مثلها مثل العلامات التي صارت تتيحها مواقع التواصل الاجتماعي أمام روادها للإعلان عن وجودهم في أمكنة آمنة حال وقوع انفجار، أو عملية دهس كتلك التي شاعت في بعض الدول الأوروبية مفقدة بذلك «فعل الإخاء الإنساني»، بضرورة التعاطف مع الضحايا على الأقل قبل أن تنفجر هذه الـ «أنا» كرد فعل سلبي على عولمة الإرهاب وتشتيت عوامل التصدي له، وهو ما تقدمه – للأسف – مواقع التواصل الاجتماعي الكثيرة للجميع من دون استثناء.

حب في زمن الحرب

في دمشق، تمّ تصوير مسلسل «شوق» للمخرجة رشا شربتجي والكاتب حازم سليمان وإنتاج «إيمار الشام» في باكورة أعمالها الفنيّة، بمشاركة مجموعة من أبرز الممثلين السوريّين في البطولة، مثل باسم ياخور ونسرين طافش وسوزان نجم الدين وصباح الجزائري ومنى واصف وسمر سامي وأحمد الأحمد وعبدالهادي صبّاغ ووفاء موصللي، إضافة إلى ممثلين لبنانيين منهم: أليكو داود ونهلا داود والمطرب زياد برجي.

وتدور خطوط «شوق» في شكل رئيس، كما قالت المخرجة لـ «الحياة» في وقت سابق، حول «قصتي حب واقعيتين في زمن الحرب التي «تبتر كل شيء» لتضع الأمل في وجه اليأس والحياة في مقابل الموت، وتتفرع من خلالها إلى رصد «أثرها الوضعي» مثل القتل والخطف والتهجير والنزوح، والتعبير عن «شظايا الحرب النفسية» وتبعاتها على كل تفاصيل الحياة اليومية وتبدل الأولويات والأحلام، وحتى تغير الناس أنفسهم من داخلهم، وأيضاً بخارجهم بعدما خلطت الأزمة الطبقات الاجتماعية صعوداً ونزولاً من جديد».

وتتجه الأحداث إلى مواجهة الحرب مباشرة عبر دخول معتقلات تنظيم «داعش» الإرهابي الغاصّة بالسبايا اللواتي يحولن جدران المعتقل إلى سرد ومعايشة لهموم نسائية طارئة ودائمة ومعاصرة. وتعد شربتجي بعودة قوية للدراما السورية عبر عمليات الأكشن وطرائق تنفيذها، بعد أن «حوصرت هذه الدراما» في أمكنة عدة كما قالت في تصريحات سابقة. ليس الكشف هنا عن سبل تنفيذ هذه العمليات مهماً إلى هذه الدرجة.

كما أن الترويج لـ «عظمة» مسلسل تلفزيوني من خلال تنفيذ غير احترافي لكثير من التفجيرات كما ظهرت على الأقل في البروموشن الخاص بـ «شوق» قد تدفع إلى محاولة قراءة الصورة – مقلوبة – هنا، إذ يبدو أن تفجير سيارة مفخخة في وسط مأهول في هذه الظروف من دون تنبيه القاطنين المحليين وأخذ الاحتياطات اللازمة التي تمنع نشر الرعب وترويع الآمنين، لا لسبب إلا لأنهم يعانون في هذه الحرب من كل أشكال التهميش التي لا تليق بالبشر، وبالتالي تصبح عمليات الحصول على ردود فعل أولية منهم مسألة خاضعة للنقاش في سوق الدراما، وقبل كل شيء في إخضاعها للأنانية المطلقة، وهذه مسألة يعاقب عليها القانون في أمكنة كثيرة من العالم.

في عملية الدهس الأخيرة التي طاولت شارعاً رئيساً في العاصمة السويدية عرض التلفزيون السويدي صورة واحدة من مكان الحادثة، وغطى الوجوه التي ظهرت في مقدمة الكادر، وهذه مسألة ينبغي التدرب عليها، فليست الحرب التي تنهش سورية والسوريين ديكوراً وخلفيات من أي نوع لأي مسلسل بغض النظر عن طاقمه ومخرجه والشركة المنتجة التي تقف خلفه.

صورة مبهرة

في حفل التعريف الضخم بالمسلسل الذي أقامته شركة «ايمار الشام» في فندق «شيراتون دمشق»، قال مديرها باسم زيتون وهو يعلن انطلاقة شركته من خلال هذا الـ «شوق» ما معناه أن البحث عن الصورة المبهرة شكل مهم لعودة هذه الدراما إلى المكان الذي تستحقه لتعكس هموم المواطن السوري والعربي عموماً. قد يبدو التدرب على الانفصال عن مكونات الواقع هنا شيء مهم جداً، إذ لا يمكن عكس هذه الهموم من خلال تحويل آلام الناس إلى مشاريع كاميرا خفية ضخــــمة بهذا الحجم. أما مسألة الالتـــصاق بهذه الهموم، فعادة يخــونها التلفزيون في أمكنة كثيرة، حتى حين يسبق الجميع في تغطية الخبر والتلاعب به.

المصدر : الحياة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى