عندما أدرجت الولايات المتحدة حمزة نجل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة الراحل، على لائحتها السوداء للإرهاب، بداية كانون ثاني/ يناير 2017، استندت في تصنيفها بأنه “إرهابي دولي” إلا أن تنظيم القاعدة قد استدخله في هياكله القيادية منذ آب/ أغسطس 2015.
وتكاثرت التحليلات البحثية والصحفية والتقارير الأمنية الاستخبارية حول مكانة حمزة بن لادن الجهادية، وطبيعة الدور الذي يمكن أن يقوم به في تجديد وإحياء تنظيم القاعدة، والجهادية العالمية.
على مدى السنوات الثلاث الأخيرة، تواتر ظهور حمزة بن لادن في أشرطة صوتية صادرة عن مؤسسة السحاب الإعلامية التابعة للقاعدة، وذلك عقب تعرض قيادة القاعدة بزعامة أيمن الظواهري لأزمات عدة وهزات عنيفة أفضت إلى التشكيك بشرعيته وقدرته على قيادة القاعدة.
فتنظيم القاعدة تحت قيادة الظواهري حسب جهاديي تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يرتبط بصلة بقاعدة أسامة بن لادن، ففي الوقت الذي كانت قاعدة بن لادن أيقونة للجهاديين ونموذج إرشادي للجهادية العالمية تسعى الحركات والجماعات الجهادية كافة لنيل مباركته والحصول على شرف الانضمام لبنيته والانضواء تحت قيادته، فإن قاعدة الظواهري تفتقر إلى شرعية تمثيل الجهاد العالمي.
وعلى خلاف بن لادن الذي تمكن بشخصيته الكاريزمية المحببة من الحفاظ على منظمة بيروقراطية متماسكة وخطاب إيديولوجي صلب، فإن الظواهري فشل في الحفاظ على وحدة التنظيم، وكثرت في عهده الانشقاقات، وتنامت ديناميكية التمرد والعصيان، وشهدت خطاباته تناقضات وتحولات واضطرابات.
في سياق زخم التشكيك بشرعية وكفاءة الظواهري بإدارة تنظيم القاعدة وقدرته والتزامه بالحفاظ على نهج ورسالة أسامة بن لادن، ظهرت رسالة صوتية منسوبة إلى حمزة بن لادن بعنوان “تحية سلام لأهل الإسلام” في 14 آب/ أغسطس 2015.
وقام الظواهري حينها بتقديمه لجمهور الجهاديين، ووصف الظواهري نجل أسامة بن لادن بأنه أحد ليوث “مأسدة الجهاد” التي أسسها والده.
وبارك في الوقت ذاته ما تقوم به فروع القاعدة، وخص بالذكر عملية “شارلي إيبدو” التي تبناها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب.
وواصل الظواهري مديحه لحمزة بن لادن، قائلا: “أترككم مع الأسد ابن الأسد، المجاهد ابن المجاهد، المرابط ابن المرابط، الحبيب ابن الحبيب، ابن الشهيد وأخو الشهداء كما نحسبهم ولا نزكيهم على الله، ولدنا الحبيب حمزة بن أسامة بن لادن”.
في كلمته الصوتية، دعا حمزة بن لادن إلى شن هجمات ضد أمريكا وإسرائيل، مبايعا الملا عمر زعيم حركة طالبان حينها، ومشيدا بجهود زعيم “القاعدة في جزيرة العرب” أبو بصير ناصر الوحيشي.
ووجه حمزة الذي أطلقت عليه الشبكة الإعلامية للقاعدة مؤسسة السحاب لقب “الأمير”، التحية إلى زعيم تنظيم “القاعدة” الحالي أيمن الظواهري، حيث وصفه بـ”رفيق الجهاد مع الوالد”، مشيدا بفروع وأتباع “القاعدة” في الجزيرة العربية وسوريا وفلسطين والعراق والمغرب والصومال والهند والشيشان وإندونيسيا.
وتضمنت كلمة حمزة بن لادن الثيمات الأساسية لقاعدة أسامة بن لادن، حيث قال إن السبيل الأوحد لهزيمة أمريكا وحلفائها، هو توحد الجماعات الإسلامية على كلمة واحدة، ووضعهم نصب أعينهم “تحكيم الشريعة”.
ولخص الوضع الدولي والإقليمي والمحلي القائم بوصفه طائر “رأسه التحالف الصهيو صليبي بقيادة أمريكا، وجناحاه دولة اليهود والناتو، أما الأرجل فهم حكام الدول العربية”.
وأضاف: “تركيزنا على الرأس يقضي على الجميع، أما بالنسبة للروافض فبحمد الله أننا منتبهون لخطرهم، ولم تنفع تحذيراتنا لهم أن اتركونا وشأننا في مقارعتنا للصليبيين”.
وبعد دعوته للفصائل الجهادية بنقل المعارك من العراق وسوريا وأفغانستان إلى قلب أمريكا، اقتبس مقولة والده الشهيرة “لا تشاور أحدا في قتل الأمريكان”.
لا شك أن الظواهري أراد القول من خلال حمزة بن لادن إن القاعدة لا تزال ملتزمة بنهج بن لادن، وإن الادعاء بتحولها تحت قيادته ليس صحيحا.
وفي الحقيقة أن القاعدة عقب مقتل بن لادن 2011 تعرضت لتحولات عدة نظرا لتسارع التغيرات التي طرأت عقب ثورات الربيع العربي.
ولم يكن للظواهري قدرة على مواكبة التحولات التي كانت تفاجئه دوما دون القدرة على الابتكار والاستشراف، بينما كانت القاعدة في عهد بن لادن تتوافر على أهداف واضحة.
فأجندة قاعدة بن لادن تهدف منذ الإعلان عن تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين” عام 1998 إلى قتال “العدو البعيد” ممثلا بالغرب عموما، والولايات المتحدة خصوصا، باعتبارها حامية للأنظمة العربية الاستبدادية، وراعية لحليفتها الاستراتيجية إسرائيل، المغتصبة لفلسطين من جهة، والسعي إلى تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة من جهة أخرى.
فمواجهة الغرب ورفع الهيمنة الخارجية، والتصدي للاستبداد وتمكين الشريعة داخليا هما ركنا القاعدة الأساسيين، وهي الأهداف التي أعاد التأكيد عليها حمزة بن لادن.
يمثل حمزة بن لادن أحد الخيارات المحتملة لقيادة تنظيم القاعدة عقب الانتكاسات التي طالتها عقب مقتل والده أسامة بن لادن في 2 أيار/ مايو 2011.
فقد نضجت تجربته وبات شابا يتمتع باحترام وتقدير الجهاديين كافة، ويصعب التشكيك في شرعيته وقدراته وتاريخه، فهو من مواليد عام 1991، وأمه خيرية صابر ثالث زوجات أسامة بن لادن.
وهي حاصلة على شهادة الدكتوراه في علم نفس الأطفال، وأكاديمية سابقة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، رافقت أسامة بن لادن منذ تواجده في جدة وحتى إقامته في السودان، لم تنجب من زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن سوى ابنها “حمزة”.
كان حمزة بن لادن ملازما لوالده أسامة في محطاته من السعودية إلى السودان، ثم إلى جبال تورا بورا، وبعدها إلى قندهار حتى هجمات 11 سبتمبر 2001.
وفارقه بعد غزو الولايات المتحدة أفغانستان، حيث انتقل حمزة إلى إيران التي احتجزته إلى جانب والدته وبعض أفراد أسرة بن لادن، وفي مقدمتهم سعد بن لادن، الذي كان يفترض أن يتبع خطى والده، لكنه قتل بغارة أمريكية في باكستان بعد خروجه من إيران بوقت قصير.
ولجأ لإيران عدد كبير من أعضاء القاعدة وعدد من قياداتها أمثال سيف العدل وسليمان أبو غيث وأبو الخير المصري وأبو محمد المصري، وغيرهم.
على الرغم من احتجازه في إيران، ظهر حمزة بن لادن في أشرطة دعائية من إصدار القاعدة.
ففي عام 2005، ظهر في أول مقطع مرئي له ضمن قوة من مقاتلي طالبان استهدفت جنودا باكستانيين في وزيرستان الجنوبية، وكان قد ظهر في رسالة صوتية منسوبة إليه عام 2003 يحض فيها أتباع تنظيم القاعدة في كابول وبغداد وغزة على “إعلان الجهاد ضد الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا”.
وفي عام 2008، ظهر شريط صوتي لحمزة بن لادن يدعو فيه إلى إزالة بريطانيا وحلفائها من الوجود، مهاجما كذلك الولايات المتحدة والدنمارك وفرنسا.
وأطلقت السلطات الإيرانية سراح حمزة ووالدته خيرية في نهاية عام 2010، وتوجها إلى باكستان للالتحاق بأسامة بن لادن.
والتحقت خيرية بزوجها أسامة، وكانت برفقته عند اغتياله في 2011، أما حمزة فكان قد اضطر لمفارقة والده، وذلك من خلال ما كشفت عنه وثائق “أبود آبات”، ولم يتمكن أسامة من رؤية ابنه قبيل مقتله في باكستان، جراء عدم تعاون الوسطاء الذين أقام لديهم حمزة في إرساله إلى والده برفقة أمه خيرية كما طالبهم أسامة بصورة متكررة.
وتعرف حمزة على أبرز قيادات القاعدة آنذاك، أمثال أبو يحيى الليبي، وعطية الله الليبي، وغيرهم، وشبكة حقاني وطالبان.
في سياق استعادة صورة قاعدة أسامة بن لادن، ظهر حمزة بن لادن في 10 تموز/ يوليو 2016، عبر شريط صوتي بعنوان “كلنا أسامة”، توعد فيه الولايات المتحدة بهجمات داخل أراضيها وخارجها، وهدد بالانتقام لوالده الذي قتلته قوات خاصة أمريكية في باكستان.
وقال حمزة، إن تنظيم القاعدة سيواصل ضرباته ردا على ما وصفه بالظلم الواقع على شعوب عدد من الدول العربية والمسلمة.
وأضاف: “سنواصل التمسك بالجهاد في سبيل الله, وسنمضي على هذا الطريق، وسنستمر في ضربكم واستهدافكم في بلادكم وخارجها، ردا على ظلمكم لأهل فلسطين وأفغانستان والشام والعراق واليمن والصومال وسائر بقاع الإسلام، التي لم تسلم من ظلمكم”.
مع حلول الذكرى السادسة لاغتيال والده، ظهرت كلمة صوتية لحمزة بن لادن في شريط صادر عن مؤسسة السحاب التابعة للقاعدة، بعنوان “وصايا للفدائيين في الغرب” في 12 مايو/ أيار 2017.
وجاء الشريط قبل أسبوعين فقط من الهجوم الذي استهدف مانشستر في بريطانيا.
وقد حمزة في كلمته إلى مهاجمة اليهود والأمريكيين والغربيين وحتى الروسيين، باستخدام أسلوب الذئاب المنفردة، وتضمن الشريط مقاطع وصور لهجمات سابقة.
إن الظهور المتكرر لحمزة بن لادن عبر مؤسسة السحاب الإعلامية التابعة للقاعدة يشير إلى انخراطه في التنظيم وتسلمه مراكز قيادية رفيعة، تمهيدا لاعتلائه هرم القيادة.
ويشير بيتر بيرغن إلى أن حمزة يسير في اتجاه أن يكون وجها جديدا لتنظيم القاعدة.
وبحسب بروس ريدل الذي عمل لسنوات عديدة في وكالة الاستخبارات الأمريكية، ويعمل حاليا مديرا لمشروع معهد بروكنغز للدراسات، فإن “حمزة يعد أكثر الشخصيات التي تتحلى بالكاريزما في الجيل الجديد، بسبب تاريخه وميوله”.
يبدو أن تنظيم القاعدة بحاجة إلى حمزة بن لادن لتجديد شرعية التنظيم لدى الجهاديين المنقسمين، بعد فقدان معظم القيادات التاريخية.
كما أن حمزة بن لادن يتمتع بدعم واسع لدى فروع القاعدة وما تبقى من القيادات التاريخية كسيف العدل، فضلا عن مساندة الظواهري وحاجته الملحة لشخصية حمزة الكارزمية.
فعقب اغتيال أسامة بن لادن، وتولي الظواهري لزعامة التنظيم، تعرضت القاعدة في باكستان لاختراقات كبرى، وتم تصفية معظم قياداتها بدءا من أبو يحيى الليبي وعطبة الله الليبي 2012، وصولا إلى قاري عبيد الله منصور (القاري عمران) مسؤول القاعدة في أفغانستان.
وتم ذلك في قصف للطائرات الأمريكية في 5 كانون ثاني/ يناير 2015، ثم تم قتل مسؤول العمليات بالتنظيم، عدنان شكري جمعة، خلال عملية للجيش الباكستاني في كانون أول/ ديسمبر 2015، وبعدها مقتل المتحدث باسم تنظيم القاعدة آدم غدن المعروف بلقب “عزام الأميركي في نيسان/ إبريل 2015، من خلال طائرة من دون طيار على الحدود الباكستانية الأفغانية.
وفقدت الفروع الإقليمية زعامات تاريخية أمثال مختار عبد الرحمن أبو الزبير زعيم حركة الشباب في الصومال، التي بايعت القاعدة في عهد الظواهري، الذي قتل في بداية أيلول/ سبتمير 2014، بطائرة أمريكية.
وكانت الخسارة الأهم للقاعدة مقتل أبو بصير ناصر الوحيشي بطائرة أمريكية بدون طيار في مدينة المكلا في محافظة حضرموت في 9 حزيران/ يونيو 201، وأعلن تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عن مقتله في 16 حزيران/ يونيو 2015.
وكان الظواهري قد عينه نائبا له عام 2013، وكذلك مقتل أبو الخير المصري أحمد حسن أبو الخير في سوريا في 26 شباط/ فبراير 2017، الذي تولى منصب نائب الظواهري بعد مقتل الوحيشي.
يسعى الظواهري إلى إعادة ترميم صورة قاعدة أسامة بن لادن من خلال تقديم حمزة بن لادن.
فقد كشفت التطورات خلال السنوات الأخيرة عن خلل كبير أصاب تنظيم القاعدة بزعامة الظواهري، لا بسبب فقدان شرعيته عند تنظيم الدولة الإسلامية فحسب، وإنما بسبب تناقص شرعيته لدى تنظيم القاعدة وفروعه في المقام الأول حيث تعالت الأصوات بين أتباعه وأنصاره باتهامه بعدم القدرة على مواجهة تنظيم الدولة، والتردد في تعامله وعدم الحسم في مواقفه وعجزه عن الحفاظ على جاذبية القاعدة والقدرة على الاستقطاب وفقدانه السيطرة على فروع التنظيم.
كما أن الظواهري لم يتمكن من المحافظة على التوازنات الدقيقة بين مختلف أطياف التنظيم الذي كان يتوافر على تمثيل مناطقي متوازن للبلدان العربية والإسلامية، بحيث سيطرت القيادات المصرية على الهياكل القيادية العليا، وبدا أن التنظيم يعود إلى سيرة تنظيم الجهاد المصري.
وكشفت خطوة فك ارتباط النصرة بالقاعدة عن مدى الضعف والهشاشة داخل قاعدة الظواهري وأظهرت صراع الأجنحة والقيادات والأصول والجنسيات، الأمر الذي جعل من وجود حمزة بن لادن وجها جديدا لتنظيم القاعدة ضرورة ملحة.
فخطاباته الأخيرة تستعيد صورة والده، وكلماته متطابقة مع كلمات أبيه.
في هذا السياق، يمكن لحمزة بن لادن أن يقود القاعدة بعد إزالة سوء الفهم والاتباس في فهم تنظيم القاعدة، ذلك أن المنظمة التي أطلقت على نفسها تسمية “قاعدة الجهاد” منذ 2002 تختلف عن تنظيم القاعدة الذي تشكل عام 1988، ويختلف عن “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين” التي ظهرت عام 1998.
ففي بداية التأسيس كان التنظيم مركزيا ونخبويا، وفي مرحلة الجبهة كان ائتلافا جهاديا من حركات تناهض العولمة وفي حقبة ما بعد سبتمبر 2001، تحول إلى مزيج من مركزية القرار والإيديولوجيا ولا مركزية الفروع بدمج الأبعاد المحلية والعالمية ومناهضة العدة القريب والبعيد.
تحول تنظيم القاعدة بعد ثورات الربيع العربي إلى “رسالة إيديولوجية” كناد للجهاديين يمكن أن يأخذ أشكالا تنظيمية متعددة دون الخروج عن نسق القاعدة التي تقدم نفسها طليعة مقاتلة عن الأمة الإسلامية تتكيف مع المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية، لكنها تتوافر على سلطة مرجعية إيديولوجية تستند إلى تراث السلفية بنسختها الوهبية وترسيمتها القطبية بمفاهيمها الأساسية المؤسسة كالحاكمية والجاهلية والجهاد والطاغوت التي تستلزم ضرورة الكفر بما يناقضها من مبادئ الديمقراطية والتعددية والحقوق والحريات والمواطنة.
خلاصة القول، إن حمزة بن لادن يمثل استمرارية لوالده أسامة بن لادن، وهو يتوافر على قدر كاف من كاريزما والده، ويتمتع برضا وقبول معظم الجهاديين، ولا مجال إلى التشكيك في إخلاصه وتفانيه وقدرته وكفاءته داخل الفضاء الجهادي العالمي.
فقد واكب تحولات الجهادية في محطاتها المعولمة، ورافق والده في سائر تقلباته، وتعرض لتحديات جمة، كما أنه تلقى خبراته النظرية والعملية على أيدي معلمي القاعدة الكبار.
وبهذا، فإن حمزة بن لادن يؤشر على أزمنة جهادية جديدة ستبدأ معالمها بالتبلور في محطات قادمة أدهى وأمر.
المصدر : العرب