من أقزام الماموث إلى السحالي المصغّرة، تطورت أنواع كثيرة من الحيوانات لتصبح أصغر حجما. اليكم أدناه بعضاً من أكثر الأمثلة المثيرة للدهشة.
حرباء دقيقة الحجم يبلغ طولها 29 ميلليمتراً فقط (1.1 بوصة) وضفدع بالغ الصغر بحجم قياسي يبلغ 7.7 ميلليمتراً (0.3 بوصة)، وكلاهما من بين الأنواع التي تتصدر عناوين الصحف نظراً لأحجامها المتناهية في الصغر. لم يمر على اكتشافها سوى بضع سنين فقط.
لا عجب في أن هذه المخلوقات ظلت بعيدة عن نظر العلماء كل هذا الزمن الطويل، فالإنسان يحتاج إلى نظر حاد جدا ليكشف وجود حيوان برمائي مموه لا يتجاوز حجمه ظفر الإبهام يكون مختبئاً بين أوراق متناثرة على أرض غابة.
تنتشر في مملكة الحيوان، إلى حد ما، أنواع بأحجام أصغر من أسلافها وأفراد فصيلتها. لكن الأمثلة الأكثر وضوحا على ذلك مثيرة للدهشة.يصعب تماماً فهم فوائد الحجم الدقيق جدا للحيوانات.
يعني الحجم المصغر للجسم عادةً وجود بنية مبسطة، مثل أصابع أقل في اليدين والقدمين وعظام أقل في الجمجمة. كما إن بعض الأنواع تنتج ذرية أقل من أقربائها الأكبر حجماً (مع أنه في حالة الضفادع، تميل الذرية لأن تكون أكبر حجماً، كما إن أنواعاً أخرى دقيقة الحجم تشهد فعلياً ارتفاعاً في معدلات الولادة).
متى يصبح مفيداً للحيوان أن يكون دقيق الحجم؟
لا يزال العلماء يناقشون مزايا تطور الحيوانات لتصبح أقل حجما بكثير من غيرها. تقول فيليسا سميث من جامعة نيومكسيكو الواقعة بمدينة البكركي بالولايات المتحدة: “يؤدي الحجم الصغير حقاً إلى وجود العديد من القيود، من ناحية النشاط الحيوي والوظائفي والبيئي. ولذا، لا بد من وجود مزايا مفيدة من ناحية النشوء والتطور للمخلوقات ذات الأحجام الصغيرة. في كثير من الحالات، قد يكون الهدف من ذلك هو تجنب وطأة المنافسة في البيئة المحيطة أو للاستفادة من مكانة بيئية مميزة.” درست “فيليسا” أحجام الحيوانات على نطاق واسع.
وتتضمن فوائد البنية الصغيرة، بحسب سميث، ما يلي: “زيادة في تبدد حرارة الجسم نظرا لصغر الحجم، والتناسل المبكر خلال فترة حياة النوع، بالإضافة إلى إمكانية تعزيز القدرة على مقاومة الانقراض، إذ أن هناك فرصة لوجود وفرة في الحيوانات الأصغر حجما.
يوجد اعتقاد شائع بأنه عندما تكون الموارد محدودة في بيئة ما، فإن بعض الأنواع تصبح اصغر حجما لكي تقلل من احتياجاتها الكلية للطاقة. ما يثير الاهتمام أنه يبدو أن تطور المخلوقات ذات الأحجام الأصغر يحدث في الأغلب في مواطن معزولة، أبرزها في الجزر، والتي تعرف بظاهرة “تقزّم الجزر”. أشهر الأمثلة على هذه الظاهرة تتضح في الثدييات التي كانت ضخمة في عصور ما قبل التاريخ
وصل طول أصغر الأنواع المعروفة من الماموث، واسمها العلمي هو “ماموثوس كريتيكوس”، إلى متر واحد فقط (3.2 قدم) عند مستوى الكتفين، وهو حجم فيل رضيع في زمننا الحالي.
ويُعتقد بأن ذلك النوع من الماموث كان يجوب جزيرة كريت قبل ما يقرب من 3.5 مليون سنة مضت. عاشت حيوانات ماموث بأحجام مماثلة في جزر القناة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، بينما كانت أقرباؤها التي عاشت على البر الرئيسي بطول يذهل من ينظر إليها إذ وصل طولها إلى 4 أمتار (13.1 قدماً).
في آخر فترة بين عصرين جليديين (ما بين 132 ألف سنة و116 ألف سنة مضت)، عاش نوع من الأيل الأحمر في جزيرة “جيرسي”. قدمت لنا بقايا هذه الأيل رؤى ثاقبة عن ظاهرة “تقزم الجزر” على هذه الجزيرة: انكمش الأيل إلى سُدس وزنه في أقل من 6 آلاف سنة، حسبما أفادت دراسة نُشرت في ثمانينيات القرن الماضي والتي قارنت بقايا الأيل القزم مع تلك العائدة للأيل الأحمر ذي الحجم الطبيعي والتي عاشت على الجزيرة.
وفي مدغشقر، وُجدت بقايا شبه متحجرة لنوع قزم من فرس النهر من العهود الغابرة، والتي تشير إلى أن حجم الحيوان المنقرض لهذا النوع كان فقط ثلث حجم النوع الذي لا يزال حياً.
وتقول “سميث”: “يُلاحظ نمط شائع لتقزم الحيوانات ذات الأحجام الكبيرة في البيئات المنعزلة. يُعرف هذا بـ”قاعدة فوستر” ، أو “قاعدة الجزيرة”.
الغريب في الأمر، أنه في الوقت الذي ينكمش فيه بعض الحيوانات الضخمة (ظاهرة التقزّم) في الجزر، فإن الثدييات الصغيرة قد تتطور لتصبح أكبر حجما (ظاهرة العملقة)، بسبب وطأة وضغوط الانتقاء الطبيعي.
وتضيف سميث: “بمرور فترة زمنية من النشوء والتطور، أدت “قاعدة الجزيرة” إلى تطور حيوانات ضئيلة الحجم من أنواع الديناصورات ووحيد القرن والفيلة والماموث وغيرها”.
تشير الأبحاث إلى أن ظاهرة التقزّم في الجزر ربما تكون قد حدثت لأنواع بدائية من الجنس البشري أيضاً.
كان إنسان فلوريس المعروف باسم”الهوبيت” نوعاً من الجنس البشري بدماغ صغير. وكان طول يبلغ متر واحد فقط (3.2 قدم) واستوطن في زمن ما جزر “فلوريس” الإندونيسية. ورغم الجدل الكبير حول أصل هذا النوع، فإن بعض العلماء يعتقدون أنه ربما ينحدر من نوع أقدم وأكبر من الجنس البشري (الانسان المنتصب) المسمى علمياً “هومو إريكتوس”. ويقولون إن ذلك النوع قد انكمش على مر الأزمنة ليتكيّف مع بيئته المحيطة.
يمثل انكماش الحيوانات الثديية الضخمة، والتي تعيش على الجزر، بعضاً من أكثر الحالات المثيرة التي نعرفها عن انكماش أحجام الحيوانات.
لكن المتحجرات توضح لنا أن “الانتقاء الطبيعي لأجسام أقل حجما” قد حدث في “الكثير” من الأصناف، بحسب فيليسا سميث، التي تضيف بأنه “غالباً ما يرتبط ذلك بالتغيرات في درجات حرارة البيئة المحيطة.”
ضئيلة الحجم وقوية
يطلق أحياناً على ظاهرة التطور التي ينكمش فيها حجم الجسم كلمة “التضاؤل”. رغم ذلك، فإن هذه الظاهرة بمعناها الحقيقي، والتي تتطور الحيوانات فيها الحيوانات بالفعل لتصبح بحجم أصغر، هو أمر استثنائي.
وتقول سميث: “أعتبر ذلك شكلاً مفرطاً من أشكال الانتقاء لأنواع أصغر حجما، لأن المصطلح يوحي ضمناً بأنك أمام حدود أدنى محتملة للحجم الخاص بصنف معين.”
وتضيف بأن مثالاً تقليدياً على ظاهرة التضاؤل هو الخفافيش الطنّانة. تعيش هذه الحيوانات الثديية الذكية في تايلاند وميانمار (بورما)، ويُعتقد أنها أصغر الخفافيش على وجه الأرض حيث تزن الواحدة منها غرامين فقط. وكما يُستدل من إسمها، فحجمها يقرب من حجم النحل الطنان.وتعادل قطعة النقود المعدنية البريطانية بقيمة واحد بنس تقريباً ضعف وزن هذا الحيوان الثديي المتناهي الصغر.
وتوضح سميث: “يجب على هذه الثدييات الدقيقة الحجم جدا أن تتغذى طول الوقت، وهي تعيش في العادة على أطعمة عالية الطاقة (مثل) رحيق الأزهار والحشرات”.
يقول الدكتور “دوغلاس كيلت” من جامعة كاليفورنيا الأمريكية وهو خبير في الثدييات الصغيرة: “في الوقت الذي يؤدي فيه الحجم الصغير إلى خفض الطاقة الكلية المطلوبة، فإنه يزيد في نفس الوقت من الطاقة المطلوبة الخاصة بكتلة الجسم.”
ويضيف: “لكون الثدييات والطيور من الكائنات التي تولد الحرارة داخل أجسامها، فإن حجماً أصغر يعني نسبياً مساحة سطحية أكبر يجري من خلالها فقدان الحرارة. لذا، فإن لدى الأنواع الأصغر معدلات أعلى من التمثيل الغذائي لكي تعوض عن خسارة الجسم للحرارة.”
وللمحافظة على درجة حرارة الجسم، تحتاج الثدييات الأصغر إلى غذاء أغنى نسبياً بمصادر الطاقة.
يقول “كيلت”: “وبالتالي، فإن ظاهرة التضاؤل هي رائعة من بعض النواحي، ولكنها في العادة تعتبر نهجا سيئا بالنسبة للأنواع الأصغر.”
من بين الحيوانات المصغّرة في عالم الكائنات الضئيلة الحجم حقاً أربعة أنواع من حرباء أوراق الشجر والتي وجدت في شمال مدغشقر عام 2012، ومثلت هذه الأنواع “حالات لافتة للنظر لظاهرتي التضاؤل وتوطن الأحجام المصغرة”، بحسب تعبير العلماء الذين وصفوا هذا النوع من السحالي متناهية الحجم.
أصغر هذه الحرابي هو المسمى علمياً “برووكيسيا مايكرا”، والذي لا يتجاوز طوله الكلي 30 ميلليمتراً (1.2 بوصة)، وكان قد اكتُشف في جزيرة “نوزي هارا”. يعتقد الباحثون أن هذا النوع قد يمثل حالة من التقزم “المضاعف” للجزر:
لعل جزيرة مدغشقر أدت إلى تطور مجموعة من حرباء أوراق الأشجار “برووكيسيا مينيما” لتصبح صغيرة الحجم. وربما كان لجزيرة “نوزي هارا” دور في التضاؤل المفرط الموجود في أنواع “بي. مايكرا”.
يشير القائمون على دراسة هذه الحرباء إلى أن مدغشقر معروفة ببعض حالات ظاهرة العملقة، مثل حيوان الليمور (الهبّار) وطيور الفيل المنقرضة، ولكن ليس للجزيرة نفس الشهرة فيما يخص أنواع الحيوانات القزمة بصورة استثنائية.
لكن الأصغر من ذلك هو ضفدع “بيدوفرين أماوينسيس” ـ الذي يبلغ معدل طول الحيوان البالغ منه 7.7 ميلليمتر (0.3 بوصة). يُعتقد أنه قد يلقب بأصغر الحيوانات الفقرية في العالم.
سجل اكتشاف هذا النوع من الضفادع في جزيرة غينيا الجديدة في عام 2012 من قبل علماء يتمتعون بنظر حاد، والذين وجدوا هذا الحيوان البرمائي الدقيق المراوغ على ركام أوراق الأشجار. تتبّع فريق العلماء أصواتها غير الغريبة التي كانت أشبه بالأصوات الصادرة عن حشرات منها إلى أصوات حيوانات برمائية.
جرى خلال نفس تلك الرحلة العلمية اكتشاف نوع آخر أكبر بقليل، وهو “بي. سويفتورام”. أثبت اكتشاف هذين النوعين أن ضفادع “بيدوفرين” هي أكثر الأجناس ضآلة في الحجم من بين الضفادع والعلاجيم (مفردها علجوم) في العالم.
وبحسب الباحثين، يبدو أن ظاهرة التضاؤل المفرط قد نشأت وتطورت بشكل مستقل لـ 11 مرة على الأقل في الضفادع البرية، وأفضل الأمثلة على ذلك وجدت في مناطق الغابات الاستوائية الرطبة حيث يكثر فيها بقايا أوراق الأشجار المببلة في الغابات. وقد يكون السبب في ذلك هو تعرض هذه الضفادع بوجه خاص إلى فقدان الماء نتيجة لكبر نسبة مساحتها السطحية مقارنة بحجمها، علماً بأن على الضفادع أن تبقى مبللة.
لفت العلماء الانتباه إلى أنه يمكن للأنواع المكتشفة حديثاً أن تلعب دوراً مهماً في النظام البيئي للغابات الرطبة في غينيا الجديدة. فهذه الضفادع تصطاد اللافقريات التي تصغرها حجماً، كما تشكل فرائس لحيوانات أكبر منها.
تشير سميث إلى أمرٍ مثير للانتباه وهو أن الحدود الدنيا لحجم الجسم في الثدييات على الأقل تظل ثابتة نسبياً على مر الزمن.
وبالرغم من أننا نجد في معظم الأحيان أن الحيوانات الأكبر حجما والتي سارت أو سبحت على الأرض تتصدر عناوين الأخبار وتثير خيال الكثيرين، فإنه في الوقت ذاته، يبدو أننا قادرون على تعلم أمور كثيرة بنفس الأهمية عن نشوء وتطور عالمنا المذهل من خلال دراسة واستكشاف “المخلوقات المصغّرة” عن كثب.
المصدر : BBC