صدر، قبل أيام، كتاب “سرّ الجاذبية: داعش، الدعاية والتجنيد”، عن مؤسسة فريدريش إيبرت، ويتضمن مجموعة من أوراق العمل التي قدّمها متخصصون وباحثون في الحركات الإسلامية، من العديد من الدول العربية والغربية، عن الأسباب والشروط التي تخلق جاذبية تنظيم “داعش” وتدفع بالشباب في هذه الدول إلى أحضانه.
يتحدث الخبراء في الكتاب عن النظريات والفرضيات أولا، التي تحاول التعرّف على هذه الأسباب، ثم الحالات الخاصة بكل دولة؛ سوريا والعراق ولبنان. وهي دول وإن اختلفت في الحيثيات والشروط المحلية والإقليمية، إلاّ أنّ هناك عاملا مشتركا بينها، هو ما أطلقنا عليه (أنا وزميلي حسن أبو هنية في كتاب “الدولة الإسلامية”) مصطلح “الأزمة السُنّية”. والمقصود هنا الشعور بالقلق والخوف لدى شريحة سُنّية واسعة وعريضة على الهوية، والشعور بالظلم والاضطهاد من قبل النظامين الحليفين لإيران في كل من العراق وسوريا. وبالنسبة للبنان، فمن المعروف أنّ الواقع هناك امتداد لهذه الأزمة، ولتداعياتها الطائفية والدينية.
تتناول فصول الكتاب، أيضا، الحالات الأردنية والسعودية والتونسية، والأسباب التي تدفع الشباب هناك إلى أحضان هذا التنظيم. ونجد في الحالة الأردنية تشريحا لنماذج متعددة من الشباب الذين اندمجوا في “داعش”، وخلفياتهم الفكرية والاجتماعية، ومن ثم خلاصة يقدمها الزميل وائل بتيري لتلك النتائج. وفي الحالة السعودية، يقدّم عبدالله المالكي خلاصات مهمة حول مناطق التشابه بين السلفية الوهابية الأولى وخطاب “داعش”. فيما في الحالة التونسية يقدّم سامي إبراهيم تحليلا للأسباب والشروط التي تدفع بالشباب للالتحاق بالتنظيم، والمرتبطة بحالة الفوضى وانهيار مؤسسات الدولة وضعف مشروع التحديث.
ثم تقدم لنا الفصول التالية قراءة في استراتيجية “داعش” الإعلامية، ودراسة خاصة بالحالة الألمانية عن الأسباب التي تدفع بالشباب هناك إلى الانضمام إلى التنظيم. وأخيرا، يلخّص الدكتور عمرو حمزاوي وقائع المؤتمر وخلاصاته واستنتاجاته في الفصل الأخير من الكتاب.
هذا الكتاب هو الثالث ضمن سلسلة كتب تصدرها مؤسسة فريدريش إيبرت، في عمان، لأوراق عمل وخلاصة مؤتمرات عقدت في الأردن؛ الأول حول صعود التيار السلفي وتحولاته، والثاني حول الراديكالية وخريطتها في العالم العربي، والثالث هو الحالي، بالإضافة إلى مجموعة الكتب التي تولّت المؤسسة إصدارها عن الإسلام السياسي في الأردن: الحل الإسلامي في الأردن، أنا سلفي، تنظيم الدولة الإسلامية، وقد طبعت باللغتين العربية والإنجليزية، ثم قامت دار نشر ألمانية بترجمة كتابي؛ “أنا سلفي” و”تنظيم الدولة الإسلامية” إلى اللغة الألمانية. فيما تجهّز مؤسسة فريدريش أيبرت لعقد مؤتمرها الإقليمي الرابع بعد أيام عن “استراتيجيات مكافحة الإرهاب والتطرف”، وسيحضر عدد من الخبراء العرب والغربيين لمناقشة الموضوع المهم.
بالرغم من كل هذه الجهود العلمية والأكاديمية المهمة والنوعية، وبالرغم كذلك من شعورنا بالرضى أنّ الأردن كان محلا لهذه الأدبيات التي تضيف إلى المكتبة جهدا علميا وبحثيا؛ مع ذلك فمن الواضح أنّ هناك مساحة واسعة ما تزال مطلوبة ومهمة لاستكشاف أسرار وألغاز جاذبية وقدرات هذا التنظيم، أو بعبارة أدق، هذا التيار العريض الرايكالي-العدمي الذي نما وصعد في العالم العربي، واستقطب آلاف الشباب من أوروبا وآسيا.
من السهولة أن نلجأ إلى “الصورة النمطية” (Stereotype) لنقول إنّها أسباب مادية؛ هم فقراء، غير متعلمين، لديهم ميول إجرامية، أو نريح أنفسنا من عناء البحث لنرمي الجمل بما حمل على كاهل المؤامرة الكونية التي تستهدفنا، ولا نعرف من يتآمر على من!
لكن الجهد العلمي هو الأقدر في نهاية المطاف على تفسير وتحليل الظواهر وربط المتغيرات ببعضها. إذ حتى لو انتهى “داعش” عسكريا، فإن السؤال الأخطر هو: ما بعد “داعش”، إذا ظلت الأسباب والشروط المنتجة قائمة!
المصدر : الغد الأردنية