إن مقترح روسيا بإعداد مشروع دستور سوري، يعد «وقاحة سياسية»، وتقزيما للسوريين واعتداء على حقوقهم السياسية والسيادية والفكرية. واعتداء على تاريخهم الحافل بإدارة الدول مذ آلاف السنين وقبل ان يكون للروس اسم مذكور، وتشكل هذه الخطة سابقة جديدة وخطيرة في العلاقات الدولية، تعيد للأذهان ما فعله الجنرال الأمريكي الذي وضع للعراقيين دستورهم الذي مازالوا مختلفين عليه حتى اليوم ولم ينتج عنه الا مزيد من الشقاق العرقي والطائفي والجغرافي.
وعلى الرغم من الظروف المأساوية التي تعيشها سوريا إلا أن ذلك ليس مسوغا لأي دولة مهما كان شأنها أن تضع دستور لدولة أخرى والتصرف بأمور هي من اعمال السيادة ومن حق الشعب وحده.
من حيث المبدأ والموضوع القضية مرفوضة تماما على الأقل من قبل الثوار السوريين، ولست اعرف على وجه الحقيقة إن كان لدى تنظيم دمشق رفاهية أن يقبل أو يرفض أو له حق أبداء الرأي بعد أن اسلم زمام أمره كله للروسي والإيراني أما نحن لا نقبل الاملاءات الروسية، قولاً وثقافةً وممارسة.
وتستمر روسيا في منهجها السقيم المفرط بالخبث السياسي، بهدف تجريد سوريا من «هويتها» التاريخية والإسلامية والحضارية، وتهدف من وراء ستار أن توجد شرخا بين مكونات المجتمع السوري التي تعايشت مع بعضها عبر القرون، وتحول سوريا من بلد موحد اجتماعيا وثقافياً إلى مجموعة من العرقيات والقوميات والإثنيات المختلفة المتناحرة المتربص بعضها بالآخر ينتظر الفرصة حتى ينقض عليه، بذلك تبتعد دمشق عن دورها الحضاري والريادي في عالمها العربي ومحيطها الإسلامي وتتفرغ كياناتها المصطنعة لمعالجة قضاياها وصراعاتها الداخلية وهذا لا يقبله عاقل.
حيث تكرس مسودة الدستور الذي صنع في روسيا ، للمحاصصات الطائفية بالنص على التمثيل النسبي لجميع الأطياف الطائفية والقومية لسكان سوريا في التعيينات الحكومية، مع حجز بعض المناصب للأقليات القومية والطائفية.
قد يقول قائل هذا يخدم السنة والعرب كونهم في كلا الحالتين هم الأساس في سوريا، ليست المشكلة هنا ، المصيبة تكمن في تعزيز الشرخ المجتمعي وبناء الوطن لا يمكن بناء وطن على أساس المحاصصة الطائفية والعرقية ومصير هذا التوافق غير المتوافق إلى الهاوية طال الزمن او قصر وما مثل العراق عنا ببعيد.
وأن من أخبث الخبث في دستور صنع في موسكو، تجريد سوريا من هويتها العربية الإسلامية وجعلها دون هوية، ولا نعتقد ان هناك سوريا يؤمن بوطنيته وتاريخه وانتمائه لهذه الأرض قد يوافق على هذا الطرح النتن.
ومن الصفاقة والإسفاف أن تصر موسكو في دستورها الموجه للشعب السوري على تأكيد ما أراده بعض الشعوبيين الانفصاليين «الفدرالية» وليتهم ارادوها فدرالية بالمفهوم السياسي المتعارف عليه في العلوم السياسية ،بل الفدرالية التي ارادها الروسي هي انتزاع اعتراف دستوري بإقليم كردي لم تسعف حائق التاريخ والجغرافية ادعياءه في اثبات وجوده وارتباطه جغرافيا وتاريخياً بهذه الأرض.
وزيادة في الوقاحة والهرطقة يضعون في الدستور مادة تتيح بتغيير الحدود، بعبارة أخرى واكثر وضوحاً السماح للكُرد الاستقلال والانسلاخ عن سوريا بعد ان ثبتوا لهم في نفس الدستور بمادة أخرى حقوقهم التاريخية المزعومة التي لم يستطيعوا ان يأتوا «بحصوة» تدلل عليها. وهذه نقطة في غاية الخطورة لا يمكنني ان اتخيل انها ستكون يوماً موضعاً للنقاش ولست اعتقد أنها تمرر مهما كانت التضحيات.
واستمراراً في نهجها السقيم في الغاء أي ارتباط او تواصل للجغرافية السورية والانسان السوري مع تاريخه ومسحاً لهويته الثقافية والإسلامية ، قرار معدي دستور صنع في موسكو إلغاء دين الدولة يعني سلخ سوريا من هويتها العربية والإسلامية.
إذا ما هو انتماء سوريا وما هي هوية الشعب والجغرافية السورية فهي حسب دستور موسكو ،لا شرقية ولا غربية لا عربية ولا إسلامية.
قد يقول قائل ولكن في مشروع الدستور أشياء قد تبدو للبعض مهمة يجب ان توضع على بساط النقاش على سبيل المثال «تحديد صلاحيات الرئيس ومهام مجلس الشعب واشياء…، نقول في مثل هذه الحالة أن القضية بالأساس قضية مبدأ أن تقوم دولة بوضع دستور لدولتك انت. السؤال هنا كم هي تلك الدولة تستحقرك وكم انت صغير قاصر بعينها.
وعموما لا غضاضة في ان نقبل نصح الناصحين الحقيقيين ومن ليس لهم مآرب أخرى من خلف نصحهم واقتراحاتهم فحري بنا أن نستعين بخبرات الآخرين من اجل انتاج افضل دستور لبلادنا، هناك أمور عامة يمكن مناقشتها بين السوريين أنفسهم من خلال جمعية تأسيسية ينتخبها أو يتوافق عليها السوريون.
بالنسبة لي ومن خلال متابعاتي أفضل نظام الحكم المختلط بين الرئاسي والبرلماني حتى لا ينفرد أحد بالسلطة. وتكون السلطة مقيدة ومراقبة من قبل البرلمان المنتخب من قبل الشعب، وبالحديث عن انتخاب مجلس الشعب علينا أن نتوقف هنا لنقول كيف لنا ان ننتخب مجلس شعب وكيف للأحزاب ان تنظم نفسها على فرض انتهت الحرب ،أي مراقب عارف بالأمور يقول علينا أولا ان نضع قانون تنظيم الأحزاب ومن ثم ترك مساحة واسعة للأحزاب كي تعرف بنفسها وتطرح برامجها على الناس وهذا يحتاج على الأقل سنة، كي نتجنب ان تنفرد بعض المنظمات العميقة والقديمة بالانتخابات دون ترك فرصة لبقية الأحزاب لتعرف بنفسها.
وقبل هذا كله هل وضع دستور هو الأساس اليوم ام الانتقال السياسي اولاً وهل ننتخب الرئيس اولاً ام مجلس الشعب؟
ويمنح دستور موسكو صلاحية عزل الرئيس، للبرلمان. هل هذا امر جيد أم انها ستصبح مدعاة للتعسف. لو كان الامر بيدي لفضلت انتخاب الرئيس من قبل الشعب بشكل مباشر ولمدة أربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة فقط، وإن كانت ولاية الرئيس سبعة سنين فهي برأي كافية لا يجب ان تمدد.
وبالعودة لما جاء في مسودة موسكو، مساواة اللغة العربية بالكًردية نتساءل، هل هناك بالأصل لغة كردية موحدة وبأي حروف ستكتب؟
وبرغم هذا نحن مع امتلاك الاخوة الكًرد حقوقهم الكاملة في «المواطنة» وحقوقهم الثقافية. لكن موضوع إقليم كردستان مرفوض رفضا قاطعاً وغير مطروح للنقاش، بكل شفافية الكون لا كردستان، في سوريا ولا بيشمركة، لا لسيطرة على الحدود ولا للتحكم في منابع النفط. قد تعلمنا جيدا الدرس العراقي.
مسودة موسكو، تشكل انقلابا على بيان استانة وقرارات مجلس الامن ذات الصلة والتي جميعها دعت إلى «وحدة وسلامة الأراضي السورية واستقلالها «وما أقرته موسكو في بيان «استانة» التأكيد على وحدة وسلامة وسيادة أراضي سوريا. نشير لبند مسودة الدستور الروسي «الذي يتيح إجراء استفتاء على التنازل عن اراض سورية. وهذا لم تعرفه دساتير العالم اجمع مذ ان صيغ اول دستور في الدنيا.
ولا يفوتنا أن نلفت عنايتكم على الظلم الكبير الذي وقع على اللغة العربية في مسودة دستور موسكو بمساواتها باللغة الكردية التي لا يعرف اصلها ولا يستطع بعض الكًرد من دول أخرى ان يتواصلوا عبرها ولا يعرف لها حروف بالمقابل اصالة وعراقة اللغة العربية.
والظلم الأكبر يقع ايضاً على العرب حيث اعتبروا مجرد مكون في سوريا بما يجافي واقع الحال، فالعرب بمختلف مشاربهم ومرجعياتهم يشكلون على اقل تقدير 87% من الشعب السوري فمن الوقاحة بمكان اعتبارهم مجرد مكون.
وفي الحديث عن اللامركزية الإدارية ابشركم.أن دساتير تنظيم الأسد، الحالية والسابقة نظام الحكم فيها غير مركزي. وتمارس السلطة التي لا «يمتلكها الا الأسد» من خلال مجالس الإدارات المحلية «البلديات « ومجالس المدن والمحافظات واعطيت مزيدا من الصلاحيات لهم وللمدراء العامين وفض الوزراء صلاحياتهم لمعاونيهم ومدراء المؤسسات.
بلسان عربي مبين، نحن نرفض وبشكل نهائي فدرالية الدولة «التقسيم المقنع « ونرفض اعتبار سوريا مجموعة من العرقيات والإثنيات. ونرفض إنشاء أي أقاليم، ونصر على أن سوريا عربية الهوى سنية المذهب، رغم انوفهم. ونشدد على أن عدم تحديد دين رئيس الدولة سيقودنا إلى مشاكل في المستقبل واحداث عام سبعين من القرن الماضي يوضح قولي.
المصدر : القدس العربي