قال الرئيس الأميركي، باراك أوباما، إن المعضلة السورية ستستمر فترة طويلة، والحل فيها صعب، في حين تتطلب معالجتها بنجاح إقامة تحالف دولي.
بعد الانتصارات المهمة التي أحرزتها قوات الثورة، والتصريح المضلل، أو المتسرع الذي أدلت به مسؤولة الخارجية الأميركية الكبيرة، سامنتا باور، حول أولوية الحل السوري في نظر أوباما بالنسبة للمعركة ضد إرهاب “داعش”، في العراق وسورية، ونالت عليه توبيخ البيت الأبيض، كما تناهى إلى أسماعنا، يأتي تصريح أوباما في لقائه مع تلفاز العربية حول صعوبة الحل السياسي في سورية، واستحالة الحل العسكري، ليعكس من جديد ما كان معروفاً منذ نشوب الثورة في بلادنا، وهو أن أميركا ليست في عجلة من أمرها، وتفضل ترك الصراع يأخذ كامل مداه، بغضّ النظر عما يكلفه من أرواح ودمار، لأنها ترى فيه فرصة نادرة وثمينة، لتحقيق مآرب ومصالح بعيدة إلى أبعد حد عن مطالب ومصالح الشعب السوري، الغارق أكثر فأكثر في دماء لا يهم سفكها البيت الأبيض.
بعد التلويح بتغير سيصيب الموقف الأميركي، وكلام سامنتا باور وأوباما عن ضرورة قيام بلدان الخليج العربي بتدخل نشط في سورية، تأتي اليوم حقائق السياسة الأميركية الصلبة لتخبرنا بأن واشنطن مستاءة من الهزائم، التي مني بها النظام، أخيراً، في منطقة إدلب وجسر الشغور، لأن من حقق الانتصارات هي منظمة القاعدة، ممثلة في “جبهة النصرة”، التي رفعتها أميركا فجأة إلى مرتبة خطر داهم على أمنها القومي، يلزمها تصاعده بالرد عليه، مباشرة وفي كل مكان. بعد يومين من هذا التصريح الأوبامي، شنت وحدات خاصة أميركية غارة على مقر أبي سياف، مستشار أبي بكر البغدادي ونائبه وأمير “داعش” الأمني في سورية، قتلته خلالها وأسرت زوجته، وشنت بعد أيام غارة على مواقع النصرة في جبل الزاوية، في انخراط بري وجوي مباشر في الحرب ضد “الإرهاب” داخل سورية، ستكون له نتائج بعيدة الأثر على سياسات واشنطن ومواقفها من الصراع الدائر في المشرق العربي عامة، وسورية والعراق خاصة.
تعبر عن هذه السياسة جملة تتحدث عن تعايش “الصيف والشتاء على سطح واحد”، تعتبر ممارساتها في لغتنا العامية “صبة تلج وصبة نار”، أي أنها تتسم بالتباين الشديد بين أقوالها وأفعالها، وتتمسك بمواقف تتنوع الأقوال حولها بتنوع الأحوال، غير أن توجهها العام هو ترك الحبل على غاربه للمتصارعين المحليين وللقوى الداعمة لهم، واستمرار الصراع المحلي والإقليمي والدولي، إلى أن يحقق أغراضاً لا يجوز لأحد من أطرافه العمل ضدها، لأسباب منها القبول العام الذي تخصها به النخبة الأميركية الحاكمة، المتعايشة فعلياً مع مأساة سورية، وإن استنكرتها من حين إلى آخر كلامياً.
تتحكم واشنطن بعموميات المعضلة السورية وتفاصيلها وتفرعاتها العربية والإقليمية والدولية، وتتدخل فيها بطرق انتقائية، تخدم مصالحها، وتصفي حساباتها مع خصومها المتنوعين، وتزيد قدرتها على التحكم بأوضاع العرب، بينما تعيد إنتاج هيمنتها عليها في ظروف تبدل هيكلي ومرحلة انتقالية معقدة جداً، تعيشهما المنطقة من أقصاها إلى أدناها، يتم خلالها تجريدها من أوراقها ومصادر حصانتها، وتعزيز احتمالات اختراقها ورسم علاقات أميركا معها في حاضنة سياسية ذات أبعاد تاريخية جديدة.
قال أوباما في حديثه مع “العربية” إن حل الأزمة السورية بعيد، ويحتاج إلى تحالف دولي. كلام لا يحتاج إلى شرح، يقول لنا: أيها السوريون، إن قتلكم سيستمر.
العربي الجديد _ وطن اف ام