مقالات

خليل عيسى : وقائع تطهير عرقي كُردي للعرب في سورية

نشرت صحيفة التايمز اللندنية، في الرابع من يونيو/حزيران الجاري، تحقيقاً بعنوان “عشرة آلاف عربي يطردهم تطهير الأكراد الإثني”. ويروي شهادات من السكان العرب الذين يتعرّضون لحملات تطهير عرقي منذ عام 2012، مشابهة لما اعتمده الاستعمار الصهيوني ضدّ السكان العرب في فلسطين، أو ذاك الذي اعتمده المستعمرون البيض ضد سكان أميركا الشمالية الأصليين: حرق قرى عربية. نهب منازل.

حرق المحاصيل للمزارعين. مجازر جماعيّة مروّعة بحقّ السكان لدفعهم للرحيل. قال مسلحو (وحدات حماية الشعب) لنا “سنطلق النار على أطفالكم وستموتون إن بقيتم هنا”، يروي محمد صالح الكاطع من قرية تل ذياب القريبة من مدينة رأس العين. كانت “وحدات الحماية الشعبيّة الكرديّة” أيضاً قد هجّرت “نحو أربعين ألفاً في ريف تل حميس وجزعة جنوب القامشلي العام الماضي”، في مناطق الريف الغربي من الحسكة قرب تل أبيض. وتمت “سرقة المنازل ومصادرة الأراضي وتوزيعها على عناصر هذه الوحدات، خصوصاً في قريتي تل مجدل والرزاوة، والأخيرة يقدّر عدد سكانها بنحو ستة آلاف نسمة، كما صودرت كميات كبيرة من المحاصيل الزراعيّة” (“الجزيرة نت”، 26 مايو/أيار 2015). وكما العصابات الصهيونية التي اعتمدت، يوماً ما عرف بخطة ” دالِت”، حين ارتكبت ميليشيات الأرغون و”الهاغانا” جرائم تطهير عرقي ممنهج للسكان الأصليين العرب في فلسطين، من خلال لوائح كاملة، وزّعت فيها أسماء القرى التي سوف تتمّ فيها عمليات التهجير والمجازر في المناطق الريفيّة والحضرية على حدّ سواء/ وهو ما كشفه المؤرّخ الإسرائيلي، إيلان بابيه، في كتاب (التطهير العرقي في فلسطين، 2006).

“هجّرت ميلشيات وحدات حماية الشعب “Y P G” في سبتمبر/أيلول من العام 2014، عشرات القرى في منطقة الحويجة، جنوب منطقة الردّ، حيث دمرت بلدة جزعة وقرى القادسيّة وعكرشة وسفانة والحنوة والمنتثرة والزرقاء والبشو” تستهدف مليشيات حزب العمال الكردستاني (P K K)، بالطريقة الممهنجة نفسها، القرى العربيّة في الريف، المحيطة بالمدن المتنوعة إثنياً من كرد وعرب، وهي مدن يصعب فيها عليهم، حتى الآن، أن يقوموا فيها بعمليات التهجير، خصوصاً أنّ قوات النظام السوري ما تزال فيها. في هذا السياق، هجّرت ميلشيات وحدات حماية الشعب “Y P G” في سبتمبر/أيلول من العام 2014، عشرات القرى في منطقة الحويجة، جنوب منطقة الردّ، حيث دمرت بلدة جزعة وقرى القادسيّة وعكرشة وسفانة والحنوة والمنتثرة والزرقاء والبشو، فجعلتها دَكاء كأن لم تكن”. وخلال ديسمبر/كانون الأول من العالم نفسه، حدثت خلال فترة ثلاثة أسابيع “عمليّات تهجير لسكّان قرى همدان، كنانة، المستريحة، قضاعة، طويرش، ذراية، الحريشية، الثامرية، القادسية، القادسية الصغيرة، جزعة تل حميد، كنهو، رام الله (العيّاد)، رام الله (العليان)، قريش، عدنان، خراب حسن، خراب حسن (المتعب)، الهويرة، الركابية، عرجا (الولغة) (“أورينت نيوز”، 14 ديسمبر/كانون الأول 2014). واقتحم مقاتلو “الأبوجية” القرى العربية في تل خليل وتلّ الحاجية، وقتلوا “كلّ من صادفوه” (“زمان الوصل”، 15 سبتمبر/أيلول 2014)، فقتلوا 42 شخصاً منهم، نساء وأطفال في قرية المتينية قرب مدينة القامشلي، دفنوا في مقابر جماعية، منهم 13 فرداً من العائلة نفسها (“زمان الوصل”، 19 سبتمبر/أيلول 2014). وتظهر الفيديوهات جثث النساء والأطفال المقتولة والمقابر الجماعية (موقع “لايف ليك”، 16 سبتمبر/أيلول 2014).

ولا تزال هذه العصابات ماضية في حربها على العرب المدنيين، وكان من جديد جرائمها حصدها محاصيل المزارعين العرب ونهبها (تقرير تلفزيون أورينت، 7 يونيو/حزيران 2015)! ويبقى أن ّ ما ذكر غيض من فيض مما يرتكب كلّ يوم من جرائم بحقّ السكان العرب، طبعاً بحجّة “الحرب على داعش”. وقد أصدرت منظمّة “هيومن رايتس واتش” تقريراً لها في 19يونيو/حزيران 2014، جاء في 107 صفحات، بعنوان “سورية – انتهاكات في المناطق الخاضعة لإدارة حزب الاتحاد الديمقراطي”، يظهر فيه أنّ هذه الممارسات الفاشية لا تستهدف فقط العرب، بل كذلك الكرد المعارضين للحزب المذكور “ليوثّق عمليات الاعتقال التعسفي لمعارضي الحزب السياسيين، وانتهاكات اثناء الاحتجاز، وحالات اختطاف، كما يوثّق استخدام الأطفال في قوّة الشرطة التابعة للحزب وجناحه المسلح، وحدات حماية الشعب (أو الأبوجية)”.

أجندات متشابكة
ما يحصل الآن في منطقة الجزيرة السورية وثيق الصلّة بتسلسل الأحداث التي بدأت مع الثورة السورية عام 2011. منذ البداية، سلّح النظام السوري حزب “الاتحاد الديمقراطي” بالسلاح والصواريخ (“ورلد بالِّتِن”، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013) ودفع رواتب عناصره (زمان الوصل، 6 إبريل/نيسان 2015، تمّ ذلك كله في مقابل أن يستلم الأخير الأمن والمؤسسات هناك. وهذا ما حصل. أخلى النظام كلّ المفاصل الإدارية والعسكرية في المدن هناك لحزب العمال الكردستاني، بفرعه السوري، والذي يطلق الأكراد المعارضين للنظام بصراحة (مثل “تيار المستقبل” الكردي، وزعيمه مشعل تمّو الذي اغتيل) على عناصره تسمية “الشبّيحة”. وقد وفّر ميزتين ثمينتين للنظام: الأولى أنه عصا غليظة “كردية”، بدل أن تكون دمشقيّة، لضرب الأحزاب والجماهير الكردية الأخرى التي قد تتخلى عن موقفها المترقّب تجاه الثورة، فتعارض النظام علناً، كما حدث يوم 27 يونيو/حزيران 2013 عندما فتح عناصر “الأبوجية” النار على مظاهرة في عامودا، تطالب بإطلاق سراح ناشطين، فقتل ثمانية من المتظاهرين، منهم طفل في الثامنة، تمّ دهسه بعربة للحزب. الميزة الثانيّة، أنّ تقسيم العمل سمح للنظام بتوفير موارد القوّة لديه من أجل محاولة السيطرة على باقي البلاد.
وليس الأمر مستغرباً أن يكون “الـبكك” (أو “الأبوجية” أو “البيدا”) كما يسمى، أداة طيعة في يد النظام من 2011-2013، حيث كان في بداياته مدعوماً بالكامل من النظام السوري، بغرض شن العمليات العسكرية على تركيا بين فترتي 1980 و1988، لكنّ ذلك تغيّر تماماً مع التقارب الأمني والسياسي السوري – التركي الحثيث فترة 2003-2010، حيث تمّ التنكيل بأفراد الحزب المذكور، إلا أنه، ومنذ 2011، عاد حزب العمال الكردستاني إلى شهر العسل القديم مع النظام السوري، بكوادره العسكرية المدرّبة والمنظّمة، والتي تقدّر ما بين 10 آلاف و20 ألفاً من المقاتلين. وقد صرّح بشار الأسد، أخيراً، بشأن ذلك بأنّه “قبل قضية كوباني (عين العرب) كنا نقدّم الدعم للأكراد، لأنّ الأمر لم يبدأ عندها. كنا نقدّم الدعم، قبل أن يبدأ التحالف تقديم الدعم للأكراد. كنا نرسل لهم الأسلحة. بالطبع، سيقولون إنّ ذلك كله لم يحدث، لأنّ الاميركيين قالوا لهم: “قولوا لا وسنساعدكم”. إذا قالوا نعم، فإنّ الأميركيين سيغضبون منهم. أقول هذا احتياطاً لأي تصريح منهم بأننا لم نكن ندعمهم. لدينا كلّ الوثائق حول الأسلحة التي كنا نرسلها لهم، إضافة الى الضربات الجوية وعمليات القصف وغير ذلك”. (مقابلة مع التلفزيون البرتغالي، 5 مارس/آذار 2015). وتمّ ذلك أيضاً في تنسيق وتسليح كامل مع إيران كذلك. (جريدة زمان التركية، 18 أغسطس/آب 2013).

زواج مصلحة ثمّ هجر
كان هذا الزواج الذي فرضته الثورة بين الطرفين، النظام السوري وحزب الـ “بيدا”، زواج مصلحة، فلكلّ منهما أجندته التي يعمل على تحقيقها، فإذا كان كل ما يريده النظام الإجهاز على الثوار السوريين، فما يريده كذلك الإبقاء على سيطرته الكاملة في كلّ أنحاء سورية قدر الإمكان، بما فيها في الحسكة والجزيرة التي هي مناطق وجود المليشيات الكردية. لكن، ليس على حساب مواجهته الثورة، في حين أنّ ما يريده حزب العمال الكردستاني في العمق هو إطاعة توجّهات عبد الله أوجلان، عبر تحقيق ما يسمى “كردستان سورية”، أي إقامة حكم ذاتي على كانتون كردي صافٍ قدر الإمكان. وتهيمن الانتهازية المطلقة على الخيارات السياسية لحزب البكك، حيث مرّت فترات كثيرة، حاولوا فيها إيهام أطراف متعادية فيما بينها بأنهم ليسوا أعداءها، بينما يبقى الهدف المركزي دائماً إقامة كانتون كردي، وحكمهم له بشكل أحادي. وقد وفّر الجنوح العسكري الثوري منذ عام 2012 في سورية فرصة تاريخيّة “للـبيدا” للبدء في تحقيق مشروعهم: فهم يعلمون أنّ النظام السوري الذي كان قوياً في بداية 2011، والمدعوم منذ البداية وما زال، من الولايات المتحدة الأميركية في السرّ، ومن إيران وروسيا علناً، سيوفّر لهم كل الدعم العسكري واللوجستي الممكن، ما سيحولهم عمليّاً إلى جيشٍ كردي، يسيطر على منطقة الجزيرة والحسكة، وبأن ذلك الأمر سيوفر لهم الحظوظ الأوفر لفرض تغييرات من الطرف الشمالي الكردي المسلح ضد إرادة المركز في دمشق.

وقد راهن “البيدا”، مصيبين، على أن داعمهم السوري سيزداد ضعفًا مع الوقت، وأنّ هناك إمكانيّة حقيقية لتحقيق قلب في علاقة التبعية العسكرية بين الطرفين، حين سيصبح النظام السوري منهكاً. حينها فقط سيأملون بالحصول على إمكانية فرض “تغييرات” ديمغرافية، ولن يترددوا، حينها، في الاشتباك مع النظام. وهذه كانت ستكون بداية لحظة الافتراق بين كل الطرفين. وكانت معارك “البيدا” تجري كل الوقت ضدّ كتائب الجيش السوري الحرّ، وضدّ الفصائل الإسلامية المناوئة للنظام (“إندبندنت”، 1أكتوبر/تشرين الأول 2012)، كما ساندت قوات الحماية الكردية النظام السوري والمليشيات الشيعية التابعة له في معاركه ضد الجيش الحرّ، كما في نبّل والزهراء (أ ف ب، 27 مارس/آذار 2013). في هذه الأثناء، كان التعاون بين إيران وحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي يزداد باضطراد، حتى أصبح هذا الخط متوازياً مع الدعم الذي كان يأتي من النظام السوري، إلى درجة أصبح فيها حزب الله يدرب أفراد “البيدا” في الحسكة، ويتبادل المعلومات الاستخبارية معه، من دون رضى النظام السوري الذي “لا يستطيع إيقاف ذلك” (وكالة آكي الإيطالية للأنباء، 12 ديسمبر/كانون الأول 2014).
ما حصل أيضًا أنه في وقت من عام 2012، والأرجح بعد مايو/أيار منه، تواصل الأميركيون مع رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي، صالح مسلم، وحزبه، من خلال وسيط، كما كشف تقرير إخباري موثّق بملفات من وزارة الخارجية الأميركية، نشرتها مجلة “فورين بوليسي” في 7 أكتوبر/تشرين أول من عام 2014. حسب هذه المعلومات، فإن الأميركيين عبر سفيرهم، روبرت فورد، كانوا يتصلون مع “البيدا” قبل بدء معركة كوباني بستنين، وطلبوا منهم أن “يبعدوا أنفسهم عن نظام الأسد”. نتيجة ذلك، أن “البيدا” طلبت السلاح الغربي من التحالف التي تقوده الولايات المتحدة الأميركية (رويترز، 30 سبتمبر/أيلول 2014)، والذي تمّ تزويدهم به. وعنت كلّ هذه العوامل أنّ حزب “البيدا” لم يعد مرتبطًا بشكل عضوي بالنظام السوري، كما في السابق، بل بإيران والولايات المتحدة الأميركية، بشكل أكثر مباشرة، فلم يتوان حينذاك عن الاشتباك العسكري مع النظام السوري، عندما اطمأن لذلك. وهذا ما حدث، أخيراً، في الحسكة (رويتزر، 17 يناير/كانون ثاني 2015)، ما يتقاطع مع تصريحات الأسد، في مقابلته مع التلفزيون البرتغالي. وكانت تلك لحظة الانفصال بين الطرفين، لكنه لم يكن طلاقًا.

صحوات سوريّة تشارك في التطهير
كانت معركة عين العرب المكان والزمان الذي تمّ فيهما توثيق العلاقة الأميركية بحزب العمال الكردستاني في سورية، والتي تمّ فيها تحقيق “مصالحة”، بتدبير أميركي-تركي، بين ألوية من الجيش الحرّ و”البيدا” لمحاربة “داعش”. لكن تحرير كوباني لم يتحقق إلا بعد تدمير المدينة الحدودية عن بكرة أبيها بالقصف من الأميركيين، ما يشير، بالمناسبة، إلى ضعف القدرات القتالية الكردية، فهؤلاء لا ينتصرون بشكل حاسم وبيّن، إلا على المدنيين العرب، لا على مقاتلي “داعش”، تماما كما يفعل الصهاينة مع الفلسطينيين. بعد ذلك، أعطى الأميركيون الضوء الأخضر لربط عين العرب بالحسكة (صحيفة الأخبار اللبنانية، 25 مايو/أيار 2015). ثم سيطرت “البيدا” على بلدة تلّ أبيض، وهرب المزارعون العرب والتركمان، وتمّ طرد 23 ألف شخص، وحرقت قراهم ومحاصيلهم، حتى رموا أنفسهم باتجاه السياج الشائك، للهروب عبر الحدود التركية المغلقة، كما شاهد الجميع على شبكات التلفاز العالمية.
لكن، يبقى السؤال: ماذا يفعل مقاتلو من يسمي نفسه جزءاً من “الجيش الحر” بالقتال مع مليشيات “الـبيدا”؟ ولماذا لم تنف قيادة الجيش الحرّ علاقتها بهم؟ فإذا كان أمثال الشيخ حميدي دهام الهادي الجربا من قبيلة “شمّر” ومليشيا مرتزقة “الصناديد” التي أنشأها، أخيراً، في تحالف تاريخي مع النظام السوري، قد نقل ولاءه، أخيراً، إلى “البيدا” وإيران فهذا غير مستغرب (صحيفة الأخبار البيروتية، 27 يونيو/حزيران 2014). لكن، ماذا يفعل أمثال “لواء ثوار الرقّة” و”لواء التحرير” الذي انضم لـ “P K K”، من أجل “تحرير” رأس العين، كما غيرهم في غرفة عمليات “بركان الفرات”، ليقاتلوا بكل فخر إلى جانب من يطردون العرب والتركمان، ويهجرون أولادهم؟ لقد أصدر الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة بياناً، اتهم فيه “قوات الحماية الكردية” بالتطهير العرقي للعرب، فردت عليه غرفة عمليات “بركان الفرات” باتهامه بالتعاطف العلني مع تنظيم الدولة الإسلامية (زمان الوصل،1 يونيو/حزيران 2015). الأهم هو كيف يستغرب أي عاقل أن نرى سكان هذه المناطق يكرهون كل ما له علاقة بـ “الجيش الحرّ”، ويرون في “داعش” الطرف الوحيد الذي يدافع عنهم، إذا كانت هذه الصحوات السوريّة تقاتل تحت راية الجيش الحرّ، بدعم وتسليح أميركي في تقليدٍ فجٍ لتجربة الصحوات في العراق، وهم يشاركون إلى جانب قوات “الحماية الكردية” في التطهير العرقي للعرب والتركمان القاطنين بين تل أبيض وعفرين (شمالي حلب)، وذلك كله بمساعدة القصف العنيف للتحالف الدولي. لا بل يستمر ذلك حتى بعد انتهاء معركة تل أبيض، في قرى مثل الشيوخ الفوقاني إلى الشرق من تل أبيض التي تمّ تهجير أهلها وحرقها، بمشاركة مباشرة من صحوات “بركان الفرات”، أو قرية زحلة التي تمّ تهجير أهلها جنوبي تل أبيض وقرية قره الشرف شمال عين عيسى، ونهبها، وقتل المهندس الشاب خليل العياف من قرية الضبعة، وجرائم كثيرة حسب ناشطي “الرقة تذبح بصمت” المعارضين لداعش، فالاختلاف مع التطهير العرقي للعرب الذي قام به الصهاينة أنه لم يكن هناك حينها مقاتلون عرب يشاركونهم ذلك.

صرح زعيم “البيدا”، صالح مسلم، أنه “يوماً ما، المستوطنون العرب الذين جلبوا إلى المناطق الكردية يتحتم عليهم أن يذهبوا”، وأن “كل القرى التي يعيش فيها العرب للأكراد” (رووداو، 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2013) وهذا يتحقق فعليّاً الآن في شمال سورية، بمباركة أميركية – إيرانيّة، مع كل ما يستتبعه ذلك طبعاً من خطر قطع الطريق على أية إمدادات تصل إلى الثوار من تركيا إلى حلب وغيرها.

لا يعارض النظام السوري ذلك في هذه المرحلة، لا بل إنّ أبواقه العربية والإيرانية تهلل للأمر، لأنّه، أولاً، لا يستطيع منع ذلك، وثانيّاً، سيرضى بأن يكون الأمر طريقاً إلى السيطرة على الحكم في ما تبقى من سورية. ولأنّ هذا الكيان، وإن تمّ، سيظلّ، بشكل أو بآخر، معرضاً للتهديد من تركيا، ما سيجعله تابعاً لإيران أكثر. والمفارقة المذهلة كانت أن طائرات النظام غطّت جوياً صحوات “بركان الفرات” في قتالها ضد “داعش”، أي أنّ هؤلاء الصحوات السورية يشاركون بتهجير للسكان العرب والتركمان، وأصبحوا رفاق سلاح للنظام السوري الذين يعتقدون أنهم ثاروا ضده في الأصل. وذلك كله بينما يبدي ناشطون ومعارضون سوريون، بكرم مجاني، استعدادهم للتهليل لمجازر البيدا، ولانفصال كردي يتميز بعنصرية شديدة إزاء العرب، في بلد لا تبلغ نسبة الأكراد فيه سوى 7% فقط.

العربي الجديد _ وطن اف ام

 

زر الذهاب إلى الأعلى