مقالات

معن البياري : جنبلاط ومذكّراته… وأدونيس

نودّها “فشة خلق” عابرةً من وليد جنبلاط تغريدتُه أنه لن يكتب مذكّراته، لأن ما من شيء بات مطلوباً منه قدر إنجازه مذكّراته التي يُضاعف من أهميتها قوله، في التغريدة نفسها، إنه أجرى، في حياته السياسية، عمليات مراجعةٍ ونقد ذاتي، مرّات كثيرة.

وإذ يقول إن هذا لا يبرّر ما قام به، ولا يعفيه من المسؤولية، فهذا مما يستثير إلحاحاً عليه بأن يباشر في تدوين مذكّراته، والتي عندما يُنجزها، صدوراً من هذا الوعي، فإن قيمتها تصير ثمينة، وتصبح شهادةً شجاعةً على وقائع وملفات وحروبٍ لبنانية وسورية وعربية عديدة، كان وليد جنبلاط، وهو نجل الزعيم الكبير كمال جنبلاط، واحداً من ناسها وشهودها.

وإذا صحَّ أن رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في لبنان يعمل، حالياً، على تهيئة نجله تيمور لوراثة هذه الرئاسة، ولتسلم الزعامة الجنبلاطية للطائفة الدرزية، فإن المأمول أن يتيح له هذا الأمر الوقت، والمزاج والأريحية، للشروع في تدوين شهادته للتاريخ، أطال الله في عمره، والمؤكد أننا سنطالع فيها المثير، والمفيد في جلاء حقائق عن أوضاعٍ عويصة، عبرت في لبنان، وما زالت تأثيراتها مستمرة.

جاءت إشارة وليد جنبلاط إلى عدم نيته كتابة مذكراته، وترك تجربته للتاريخ والمؤرخين، في معرض جهره بـ (قرفه) من آراءَ للشاعر أدونيس أشهرَها (مجدداً)، في مقابلةٍ معه في الزميلة (السفير)، نُشرت أخيراً، من دون صلةٍ ظاهرة بين الأمرين، إلا إذا كان الاسترسال العفوي في تغريدات في “تويتر” يوحي بأن على أدونيس أن يقوم بمراجعة نفسه وتصوراته وماضيه وحاضره، بدل أن يعيد ويزيد في مطالبته المجتمعات العربية بأن تتغيّر، وبدل أن يسهب في تعليل كل مشكلات الحالة العربية، منذ قرون، إلى الدين، إلى الإسلام بشكل واضح.
وقد أصاب وليد جنبلاط، إلى حد ما، في اعتباره الانشغال بمناقشة أدونيس “مضيعة للوقت”، ولا سيما وأن الجديد في المقابلة المذكورة قليل، حيث الإطناب إيّاه عن عدم إنجاز العرب شيئاً في الثقافة والتعليم والسياسة، وذلك كله بسبب الدين الذي يحكم مجتمعاتهم المطالَبة بأن تغيّرها ثورات ومظاهرات، لا أن تتغير الأنظمة وحدها. كل هذا الإطناب، مع الصمت المطبق إيّاه، والتقليدي في محاضرات أدونيس وتصريحاته، عن جرائم نظام آل الأسد وبراميله وعمليات القتل والقمع والتنكيل والخطف التي لا يتوقف عن ارتكابها.

لسنا مطالبين بمطاردة كل ما يبثه أدونيس في كل عاصمة عربية يزورها، وفي غير مطبوعةٍ تحاوره، غير أن غضبة وليد جنبلاط منه، والتي بلغت مرتبة التسخيف والسخرية (والمرمغة، بتعبير موقع سوري معارض)، ساعدت في إحداث انتباهٍ خاص إلى هذه النوبة الجديدة من المخاتلة لدى الشاعر والمثقف السوري الكبير، والذي يقع، مجدداً، في تناقضاتٍ مريعة، بشأن المدنية والعلمانية، ولا سيما حين تحتل مداركه كل هذه الفوبيا العجيبة من الإسلام، ديناً وشريعة، ما يجيز المساءلات غير القليلة له عن مقاس المجتمعات العربية الذي يريده بالضبط، حتى يصير لثوراتها معنىً يرضيه.

كل الحق مع وليد جنبلاط في تذكير صاحب (الثابت والمتحول) بالمظاهرات السلمية في المدن السورية التي قابلها النظام الحاكم في دمشق بالرصاص والاعتقال والتعذيب. وكل الحق مع مثقفين عرب غير قليلين، بادروا إلى تذكير الشاعر الشهير بما ينبغي أن يتذكّره، وبما يلزم أن يراه من مخازٍ لنظام الفتك وغاز السارين، ما لا يمكن أن يعني صمتاً عن جرائم الجماعات الإرهابية المتشددة، وهذه ما طرأت على سورية إلا بعد أن أمعن النظام المذكور في فظاعاته المنظورة والمستمرة. ونحسب، هنا، أن اعتبار أدونيس، مرة، بشار الأسد رئيساً منتخباً كانت مؤشراً لما تلاها من أسباب (قرف) وليد جنبلاط، ومن أسباب أرطال الاستهجان الغزيرة مما يفعله هذا المثقف العربي الكبير بنفسه، الأوْلى من ملاحقة أقواله، مطالبة جنبلاط بإنجاز مذكراته فوراً.

العربي الجديد _ وطن اف ام

زر الذهاب إلى الأعلى