مقالات

محمد زاهد غول – ردود أمريكية وكردية على الحزم التركي في سوريا

ما أن اعلنت تركيا عن استيائها من التنسيق الأمريكي مع حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وقواته المسلحة، «وحدات حماية الشعب» في سوريا، وإعلان تركيا عن حزمها وحسمها ورفضها لأي مشروع كياني يمكن أن يهدد سوريا بالتقسيم السياسي، أو يحدث التغيير الديمغرافي في شمال سوريا لصالح القومية الكردية، أو يهدد الأمن القومي التركي، بأن ذلك مرفوض في نظر الأتراك، وأنهم سيمنعونه مهما كلفهم ذلك، وبدأوا بتحريك قوافل جيشهم باتجاه الحدود السورية، أخذت المواقف الأمريكية والكردية تتوالى بنفي أي نية لمشروع كيان كردي في شمال سوريا، فأمريكا نفت أن تكون لديها فكرة إنشاء دولة كردية شمال سوريا، وحزب الاتحاد الديمقراطي أصدر بياناً نفى فيه وجــــود خطط لدى حزب الاتحاد الديمقراطي، و«قوات حماية الشعب» إقــــامة مثل هــــذا الكيان في الشمال السوري، وأخذوا ينفون وقوع عمليات تطهير عرقي ضد المواطنين العرب والتركمان في مدينة تل أبيض وما حولها من قرى، تنوف عن ثلاثمئة قرية عربية وتركمانية رُفعت عليها إعلام حزب الاتحاد الديمقراطي عنوة، بعد طرد مقاتلي «تنظيم الدولة» (داعش) منها، وبعد طرد أهلها منها، ومنعهم من العودة إليها بالقوة أيضاً.

أولى المواقف الأمريكية إعلان المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية بعدم وجود ضرورة من وجهة نظر امريكية لمنطقة آمنة شمال سوريا، فقال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية جون كيربي: «إن البنتاغون والجيش الأمريكي وقوات التحالف الدولي، لا ترى ضرورة في فرض منطقة آمنة في سوريا حاليًا»، وبرّر هذه الموقف الأمريكي بأن: «هناك صعوبات كبيرة لفرض مثل هذه المنطقة، إضافة إلى أن التحالف الدولي لا يدعم الآن إقامة منطقة آمنة»، وأشـــار كيربي إلى «أنَّ تركيا لها موقف واضح منذ فترة طويلة بشأن إقامة المنطقة الآمنة».

فالموقف الأمريكي يبرر ذلك بعدم وجود ضرورة اولاً، وبأن الموضوع متعلق بموقف تركي فقط، وفي الوقت نفسه، نفى علم أمريكا بوجود مخطط تركي لفرض مثل هذه المنطقة الآمنة وحدها شمال سوريا، وتحدث عن المصاعب التي تواجهها تركيا والقلق الذي ينتابها، حاصراً إياه في مداه الإنساني، والكلفة التي تتحملها تركيا من وجود مليوني لاجئ سوري على أراضيها. فقال اولاً عن الموقف الأمريكي: «تفهم بلاده للقلق الذي تعيشه تركيا على حدودها»، وقال ثانياً:» إنَّ أنقرة تحملت عبء اللاجئين، ولا أحد يغض طرفه عن الصعوبات التي تواجهها»، وهذا موقف مخادع للصحافيين ومزور للمخاوف التركية من تطورات الأوضاع في شمال سوريا، بسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على أراض ومدن في شمال سوريا بحجة محاربة «داعش»، وأن القوات الكردية وبمساندة عسكرية جوية من امريكا وقوات التحالف على وشك السيطرة على الشريط الحدودي شمال سوريا بالكامل، مما يؤثر ويهدد الأمن القومي التركي، لمن يعرف ويدرك معنى الخطورة التي يمثلها تقسيم سوريا على هذا النحو القومي والديمغرافي وتأثيره على الجنوب التركي.

المخاوف التركية لم تكن من متعلقات المؤتمر الصحافي الذي عقده متحدث الخارجية الأمريكية، فلم يذكرها وذكر أعباء اللاجئين، وكأن تركيا جيشها من أجل أعباء اللاجئين، والسبب هو أن امريكا تريد أن ترى ما تفكر فيه وتخطط له فقط، وأرادت أن تخادع الرأي العام العالمي بعدم وجود ضرورة لما تقوم به تركيا من استعدادات عسكرية للتحرك شمال سوريا، لقطع الطريق على سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على كل الأراضي السورية المحاذية لجنوب تركيا، وكان طبيعياً أن يأتي موقف حزب الاتحاد الديمقراطي متناغما مع الموقف الأمريكي لطي صفحة المخاوف التركية، بعدم وجود تهديد من كيان كردي شمال سوريا لحين هدوء المواقف التركية، التي تناولت التهديدات الكردية بكل جدية وحزم.

لقد أصدر حزب الاتحاد الديمقراطي بياناً خاصاً لنفي المخاوف التركية حول مزاعم كيان كردي متوقع شمال سوريا، فقد أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) أنّه لا يسعى إلى تشكيل دولة مستقلة، في بيان له نُشِر على موقع الحزب على الإنترنت في 30 يونيو الماضي بتوقيع «الرئاسة المشتركة لحزب الاتحاد الديمقراطي»، وقال البيان:» إنّ أي تدخل عسكري في روجآفا، سيكون له تداعيات محلية وإقليمية ودولية، تساهم في تعقيد الوضع السياسي في سوريا والشرق الأوسط عموما، ويهدد الأمن والسلم العالميين»، وهو يقصد التحركات التركية نحو الحدود السورية.

وكان البيان صريحا في مطالبة الحكومة التركية: «الجارة إلى احترام القانون الدولي، والكف عن العمليات الاستفزازية، والتهديدات المتكررة بالتدخل العسكري المباشر»، كما دعا «القوى العظمى، خاصة التي تشارك مع تركيا في حلف شمال الأطلسي، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، أن تمنع أي تدخل تركي متهور في مناطق روجآفا التي تشكل جزءًا من أراضي الدولة السورية»، وهذه المطالبة للمجتمع الدولي بالتدخل لمنع التدخل التركي في سوريا سوف يؤثر جدا على مخططات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي التي يدعمه الأوروبيون والأمريكان.

وادعى حزب الاتحاد الديمقراطي أن تحركاته في شمال سوريا تسعى إلى، «إشادة وتوطيد الإدارة الديمقراطية التي نراها نموذجاً صالحاً لسوريا التي تمتاز بالتعددية القومية والدينية والمذهبية»، مؤكدًا أنّه لا يهدف إلى إثارة القلاقل في دول الجوار، مدعياً «بأنه ليس من حق دول الجوار التدخل في الشأن السوري الداخلي»، وقال: «نتمنى أن تلتزم الدول المجاورة بمبدأ عدم التدخل في شؤوننا الداخلية، والالتزام بعلاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل، كما هو منصوص في ميثاق الأمم المتحدة»، وأكّد بيان الحزب أنّه يتعاون مع التحالف الدولي في مكافحة الإرهاب، و»نلتزم بالقانون الدولي، ولنا حلفاء مشتركون مع الدولة التركية في محاربة الإرهاب. وإنّ أي اعتداء على وحدات حماية الشعب وحلفائها في روجآفا يصب في خدمة العصابات الإرهابية».

هذه المواقف السياسية لحزب الاتحاد الديمقراطي التي تدافع عن مواقفها العسكرية الأخيرة وتدافع عن وحدات حماية الشعب (YPG) التابعة له وحلفائها، يدعي البيان انها دافعت عن مناطق روجآفا ضد قوات الأسد الديكتاتوري وضد العصابات الإرهابية، وأنها «مستعدة لمقاومة أي اعتداء آخر من أي جهة كانت، هذه الادعاءات تتوافق مع التصريحات الأمريكية، مما يؤكد أن الموقف الأمريكي يخادع الموقف التركي ويستعين بالموقف الكردي لتهدئة الموقف التركي.

وهكذا عمدت أمريكا بالتنسيق السياسي مع حزب الاتحاد الديمقراطي إلى تغيير صورة المشهد، ونقلت الكرة إلى الملعب التركي لتغيير موقفه، الذي إن تم عسكريا فإنه قد يعطل فعلاً مشروع تقسيم سوريا، وإلا فإن أمريكا وحزب الاتحاد الديمقراطي وقواته العسكرية ستواصل جهدها لإقامة الكيان الكردي وفق الخطة الموضوعة بينها، بينما التحرك العسكري التركي سوف يعطل مشروع التغيير الديمغرافي القومي الكبير في شمال سوريا، الذي تبتغي المشاريع الدولية منه إعادة تقسيم المنطقة سياسياً أولاً، وإقامة كيانات سياسية تكون اكثر اعتماداً على الأمن الأمريكي، سياسياً وعسكريا ثانياً، ويمكن استخدامها لتعطيل أي مشاريع استقلالية ونهضوية لدول المنطقة في المستقبل ثالثا.

إن المواقف الأمريكية والكردية الجديدة هي تهدئة للمخاوف التركية، ولكنها غير مضمونة المصداقية، مما يستدعي من الحكومة التركية مواصلة جهودها السياسية بتهدئة الجبهة الجنوبية، كما جاء في تصريح رئيس الحكومة داود اغلو: «بأن تركيا تراقب الوضع عن كثب ويمكن ان تتحرك في أي لحظة إذا دعت الضرورة، ولكن لا يعني ذلك أنها ستقوم بذلك غدا او في الأيام المقبلة». ومواصلة جهودها السياسية مع الدول المتضررة من تقسيم سوريا وترفضه، وفي مقدمتها الدول العربية، التي من المفترض أن تقف ضد سرقة أراضي عربية خارج الوطن العربي، وكذلك ضد تقسيم سوريا، ولكن وفي الوقت نفسه ينبغي ان تتواصل الاستعدادات العسكرية التركية، وأن توجه قوات المعارضة السورية والجيش السوري الحر للقيام بواجبها الوطني بالوجود في المدن والقرى ذات الغالبية العربية، حتى تمنع تقسيم سوريا، لأن الثورة السورية قامت من أجل الحرية والعدالة والدولة الديمقراطية، وليس من اجل تقسيم سوريا ولا تدميرها.

المصدر : القدس العربي

زر الذهاب إلى الأعلى