إنصافًا لصفحات التاريخ، وبعيدًا عن زخرفة المسلسلات وعمليات تجميل الواقع بإيعازات سياسية صرفة لها ما لها من أهداف قريبة وبعيدة، لم ولن تخرج خارج نطاق المخططات المقيتة للشعوب العربية، عمل عليها ثلة من الكاتبين والمخرجين والممثلين كجنود احتلال فكري وأخلاقي وقيمي.
سنكتب هنا دون مكياج، متسلحين بوجه الحقيقة، عن موضوع قلّ ما تم تداوله في صفحاتنا أو كتبنا أو دراساتنا من الزاوية التي ينبغي تداولها، وليست الزاوية ذاتها التي تخرج منها مسلسلات الدراما المسيسة.
شكل اليهود منذ القديم مكونًا ضمن المكونات المختلفة التي عاشت على الأرض العربية، وهذا طبيعي، تبعًا للنسيج المتلون الذي يشكل ديموغرافية هذه الأرض. ولكن لنسأل هنا، هل كان اليهود المستعربون فعلًا أولاد بلد بما تحمله الكلمة من معنى؟
هل تعلق اليهودي المستعرب بهذه الأرض وعشقها كعشق أولادها لترابها، أم كانت محطة “ترانزيت” للعبور من اليهودية إلى الصهيونية؟ هل كان لليهود المستعربين يد في تشكيل الحركة الصهيونية العالمية؟ وهل كانوا يشاطرون باقي يهود العالم في أمريكا وأوروبا وإفريقيا الحلم ذاته؟
ماذا عن شعائرهم التلمودية وبغضهم للمسلمين والمسيحيين الذين يشاركونهم الأرض والوطن آنذاك؟ نعم، أسئلة يحق للمتابع العربي، عندما يشاهد بطولة وشرف ووطنية اليهود، أن يتساءلها مما يجول بخاطره حول هذه الفئة وتاريخها.
خلال الأعوام الخمسة التي مضت من حاضر الشعوب العربية، سقط القناع عن القناع كما يقول محمود درويش، وباتت الحقائق أكثر حرية، والمستور أكثر تعرية، لم يبقَ قناع على وجه زائف إلا وتسابق للسقوط، حتى بتنا نعيش في عالم أسود حقًا إلا أنه مكشوف بلا عباءة أو غطاء، حتى الأحلام التي عاشت الشعوب العربية عليها “القضية الفلسطينية” اكتشفت أنها أفيونًا تعاطت منه ستون عامًا وانتهت صلاحيته.
لنأت أولًا على وصف حارة اليهود الدمشقية التي ورد وصفها في كتاب لنصر الدين البحرة بعنوان نفسية اليهودي عبر التاريخ فقال:
“بُني الحي اليهودي في دمشق على شكل سراديب محاطة بعدد لا يحصى من الأقبية التي تلقى فيها الأوساخ، وفي الحي المذكور عدد من الشوارع الصغيرة المتعرجة والضيقة، بحيث لا يمكن أن يمر فيها أكثر من شخصين متقابلين. ولا يقتصر الحي اليهودي على عدد من البيوت ذات الأقبية المبنية فوق بعضها ولكن هناك إلى جانب هذا النموذج من البناء وفي جدران الطوابق السفلية خزائن مصنوعة لا يظهر فيها أي أثر للحياة، وليست هي في الحقيقة سوى أبواب صغيرة مشتركة مع غرف السكن ومع مخابئ مظلمة غالبًا”.
كما أكد الوصف ما ورد في كتاب د. نجيب الكيلاني تحت عنوان حارة اليهود – دم لفطير صهيون بقوله:
“بيوتهم المتلاصقة المزدوجة الأبواب تبدو صغيرة قليلة الارتفاع لا يكاد المرء يدخلها إلا منحنيًا ولا تتسع لأكثر من واحد وكأنها أبواب الدهاليز الغامضة والباب يقودك إلى ممر ملتو كالأفعى، يفضي إلى باحة واسعة”.
ومن خلال ما ورد من توصيفات لهذه الحارة الدمشقية التي لا تشبه في وصفها الحارات الأخرى التي تجاورها، والتي من الواضح أنها بنيت خصيصًا لتتناسب مع عالم اليهود السري نقتحم ما وراء هذه الأبواب المزدوجة وننزل معًا إلى أحد المخابئ المظلمة التي شهدت أبشع جريمة في القرن التاسع عشر، كان ضحيتها توما الكبوشي، أحد باباوات الطائفة المسيحية في دمشق والتي أكلت حارة اليهود بأكملها من دمائه المعجونة بالفطير المقدس.
تقول روايات هذه الجريمة البشعة، التي وثقتها وثائق تاريخية تتعلق بتاريخ سوريا في زمن إبراهيم باشا وتم نقلها عن سجلات المحكمة الشرعية بحلب وأنطاكية وحماة ودمشق في سنة 1927م عن المؤرخ اللبناني أسد رستم. وقعت الجريمة في الحي اليهودي في دمشق مساء الأربعاء 2 ذي الحجة 1255هجرية الموافق 5 شباط 1840 ميلادية، بعد خروج الأب توما الكبوشي من ديره متوجهًا إلى حارة اليهود واختفائه هناك، حيث تم استدراجه إلى ما يقال عنه دار داوود وذبحه هناك، لتعبأ دماؤه في زجاجات وترسل إلى الحاخام الأكبر في ذلك الحين ويسمى موسى أبو العافية.
يذكر أيضًا بأنه قد حُكم بالإعدام على مرتكبي الجريمة من أهل حارة اليهود والحاخامات الذين أوعزوا بارتكابها، عدا الحاخام موسى أبو العافية الذي أعلن اعتناقه للدين الإسلامي ليتم العفو عنه، ليتدخل بعدئذ كبار أثرياء يهود أوروبا بالتحديد (فرنسا) عند محمد علي باشا بواسطة مندوبين اثنين قدما من فرنسا إلى مصر ويتم إصدار فرمان بالعفو عن المجرمين، بالرغم من اعترافهم بارتكابهم للجريمة، مما يؤكد الارتباط الوثيق بين يهود سوريا وأوروبا في ذلك الحين.
يذكر أن إضبارة التحقيق في الجريمة قد حفظت في وزارة الخارجية الفرنسية ليتم إتلافها لاحقًا في عهد الوزير اليهودي كريميوكس، لإخفاء معالم الجريمة من صفحات التاريخ. إن هذه العقلية الإجرامية هي عقلية راسخة عند كافة معتنقي الديانة اليهودية، وليست حالات فردية لا نستطيع أن نعمم ونشمل عليها، لاستقاء اليهود عقيدتهم وأفعالهم من التلمود المقدس الذي هو عبارة عن تشريعات وتعاليم دينية من أبرزها أن اليهود لهم إنسانيتهم وغير اليهود هم كلاب وخنازير، كما أن كل بيت لا يوجد به يهودي هو بيت نجس، وأن الله وهب لليهود حرية التصرف بدماء الآخرين من غير اليهود، واستباحة أرواحهم، وأعراضهم، ووجوب خيانتهم، والغدر بهم، وغشهم واجتناب إغاثة أحد منهم، أو إنقاذه، أو مداواته إلا للتجربة أو للاضطرار أو سترًا للمقاصد والعقائد اليهودية السرية، لهذا فإن سفك اليهود لدماء غير اليهود هو من باب التقرب والتعبد للتلمود الذي يبيح لهم ذلك.
أما فيما يخص اليهود والقضية الفلسطينية وبناء دولة إسرائيل الصهيونية، فلقد انقسم اليهود في سوريا بين قسمين، شملت المجموعة الأولى يهود حلب المنادين بضرورة الهجرة إلى فلسطين لبناء دولة إسرائيل، أما المجموعة الثانية فشملت يهود دمشق الذين كانوا أقرب لفكرة التاج البريطاني بإقامة دولة يهودية في أوغندا.
ويعيش اليوم في إسرائيل أكثر من 150000 يهودي سوري، من أصل 250000 يهودي ليتبقى في سوريا اليوم 22 يهوديًا فقط، هاجر بعضهم بوثائق هجرة رسمية إلى فلسطين منحتهم إياها سلطة الانتداب الفرنسي على سوريا، وبعضهم الآخر هرب عن طريق لبنان، أما المجموعة الأخيرة وهي القلة القليلة فقد هاجرت بشكل رسمي بعد انعقاد مؤتمر مدريد عام 1991 وسماح حافظ الأسد لليهود بالسفر خارج البلاد.
ومع بحار الدماء الزكية التي تراق على جنبات العالم الإسلامي اليوم، كم من فطير مقدس عجن بتلك الدماء ليقدم إلى ناهشي لحوم البشر وشاربي دمائهم كوجبة خفيفة وهم يشاهدون أعمالنا الدرامية الوطنية، تتحدث بكل عاطفة وحب عنهم، وابتسامة ذئب شره متعطش للدماء ترتسم على محياهم الشيطاني.
إن الدماء التي تسال اليوم على أرضنا بيدٍ صهيونية ماكرة خبيثة، أو بأدواتها العديدة من أنظمة وحكام وعملاء وتنظيمات، كفيلة بأن تتخمهم دمًا، لكن البعوضة مهما امتصت من دم ضحيتها تدفعها طبيعتها الحَشرية إلى المزيد، فهل من بعد الله وآياته في قتلة الأنبياء من قول:
{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة: 82].
المصدر: ساسة بوست