مقالات

نهاد اسماعيل – توثيق الجرائم في الساحة السورية

كشفت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً النقاب عن تحرك دولي برئاسة هيئة العدالة والمحاسبة الدولية لتوثيق جرائم النظام السوري وتنظيم داعش بهدف عقد محاكمات دولية للمتورطين بجرائم ضد الإنسانية.

نذكر جيداً أنه عشية انعقاد «جنيف 2» بتاريخ 22 يناير 2014 نشرت وسائل إعلام غربية تقريراً تضمّن 55 ألف صورة لـ 11 ألف معتقل «توثّق جرائم حرب يرتكبها النظام السوري. وفيما أدانت أنقرة «الصمت العالمي»، شككت موسكو بالأدلة وطالبت بالتحقق لأن الأزمة السورية تشهد حرباً إعلامية أكثر منها ديبلوماسية حسب التقييم الروسي. رغم التحفظ الروسي أكدت «سي أن أن» أنها «قد تدين الأسد بالقتل الممنهج»، ونشرت مع صحيفة «غارديان» البريطانية، حصرياً، «تقرير الأدلة المتعلق بتعذيب وإعدام الأشخاص المسجونين من قبل النظام السوري الحالي». 

يتألف التقرير من 31 صفحة، وقد أعدّه ثلاثة محامين وأُرفق بالصور التي أظهرت جثثاً لأشخاص «قتلوا جراء الجوع والتعذيب»، وهم أشبه بهياكل عظمية، غالبيتهم عراة، وتحمل أجسادهم آثار تعذيب شديد. ويؤكّد التقرير أنه لم يجر التلاعب بالصور، بحسب «مختبر بريطاني».

الموقف الروسي معروف وأجندته معروفة، وهو استمرار النظام لأطول فترة ممكنة بغض النظر عن الجرائم والاخطاء الكارثية التي ارتكبها منذ ربيع عام 2011.

وأكد قانونيون وجود الكثير من الوثائق التي تؤكد انتهاكات النظام السوري، جرى رصدها وتوثيقها بشكل مهني لاستخدامها في أي تحرك قادم لمحاكمة الرئيس السوري بشار الأسد وكل من تلطخت يداه بدماء السوريين.

كما تولى ناشطون سوريون وشخصيات في النظام السوري متضامنة مع الثورة توثيق كل انتهاكات وجرائم نظام بشار الأسد، تحضيرًا لملف محاكمة من تلطخت يداه بدم الشعب.

وفي تطور منفصل نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية 7 أكتوبر الماضي تقريراً كان غير قابل للنشر قبل شهور لأسباب تتعلق بحماية جمعيات وأفراد من انتقام السلطات. مهمة تلك الجماعات والافراد جمع ما تسميه الصحيفة بالغنائم وهي الأدلة التي تحتوي أسماء المتورطين بجرائم النظام. أسماء العسكريين الذين يصدرون الأوامر بقصف المدنيين وتعذيبهم واستهدافهم بالبراميل المتفجرة. الهدف في النهاية هو مثولهم أمام محكمة الجنايات الدولية بتهمة جرائم ضد الإنسانية. وفي هذا السياق صرح السيد وليام وايلي الخبير القانوني الكندي المخضرم ذو الباع الطويل في ملفات راوندا ويوغسلافيا ويترأس الهيئة الدولية للعدالة والمحاسبة: “إنه من المهم جداً تأمين الوثائق ونقلها الى مكان آمن قبل أن يتم تخبئتها أو العبث بها أو حتى حرقها. عملية جمع المعلومات والوثائق تتم بهدوء وبدون ضجة لعدم جلب انتباه السلطات. التجارب السابقة تشير إلى أهمية جمع الوثائق والسجلات سواء من السجون أو المراكز العسكرية التي أخليت أو مكاتب حكومية قبل أن يتم إتلافها وحرقها”.

جمع الأدلة والوثائق يتم بالتعاون مع ناشطين في الداخل، ومسؤولين في النظام متعاونين مع الثورة السورية واستطاعوا جمع مئات الأدلة بشكل مهني.

الفريق المسؤول كان يعمل منذ عام 2011 وبسرعة ومرونة واستقلالية وبالتعاون مع حقوقيين وطلاب يدرسون القانون من بلدان مجاورة.

تمكن المحققون الدوليون من تحضير بيانات مفصلة دقيقة تحتوي أسماء وتواريخ وجرائم موثقة. ساهمت الولايات المتحدة وبريطانيا وسويسرا والنرويج والدنمارك في تمويل عملية جمع الأدلة. ولم يتم ذكر أسماء النشطاء أو الحقوقيين لأسباب أمنية.

وفي الوقت ذاته، وموازياً لعمليات جمع الأدلة عن جرائم النظام يعمل فريق آخر على جمع المعلومات عن انتهاكات تنظيم داعش.

يريد المحققون معرفة من هم القياديون في داعش الذي يصدرون الأوامر وكيف ومن يقوم بالتنفيذ ومراحل تمرير القرار من القيادة العليا للأفراد والكوادر.

وأساليب جمع المعلومات ليست جديدة حيث هناك تجارب الخمير الحمر في كمبوديا ويوغسلافيا وراوندا والنازية الألمانية.

عملية البحث عن آلاف الوثائق عملية طويلة ومضنية وتحتاج إلى صبر وعمل دؤوب. وبما يتعلق بالنظام السوري تم جمع أطنان من الوثائق وأكثر من نصف مليون صفحة تم نقلها لأوروبا عبر الأردن وتركيا وتخضع الآن للفحص والتمحيص من قبل مختصين قانونيين ثم يتم تصنيفها حاسوبياً وإعطاؤها رموز ومفاتيح رقمية، وحفظها بطريقة علمية من خلال الترميز الشريطي.

يتألف الفريق الذي يتابع جرائم داعش من 12 شخصاً، وتمكنوا من الحصول على وثائق تحتوي توجيهات وتوصيات وأوامر وجوازات سفر لمقاتلين وأسماء القادة الميدانيين والعسكريين. وتم العثور على كمية من الوثائق العالقة في نوفمبر 2013.

من الجدير بالذكر أنه في أغسطس آب 2014 أفاد محققون تابعون للأمم المتحدة أن الحكومة السورية وتنظيم الدولة الإسلامية يرتكبان جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الصراع القائم في سوريا منذ أكثر من ثلاث سنوات.

التقرير ذكر أيضاً أن القوات الحكومية السورية، ألقت براميل متفجرة على مناطق مدنية، بينها براميل يعتقد أنها كانت تحوي غاز الكلورين.

كما أشار التقرير إلى أن “عدد الوفيات في السجون السورية يشهد ارتفاعاً، وهذا يدعم تحليل الخبراء لنحو 26948 صورة، يقال أنها التقطت داخل مراكز الاحتجاز الحكومية بين عامي 2011 و 2013، وتؤكد النتائج التي تم التوصل إليها قبل فترة، حول عمليات التعذيب الممنهجة، ومقتل المعتقلين تحت التعذيب”.

يأتي تقرير المحققين الأمميين، ليكون الثامن من نوعه، للجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة، منذ تأسيسها قبل نحو أربع سنوات، ويستند إلى مئات المقابلات وأدلة موثقة جمعها فريق اللجنة، الذي يحاول بناء قضية بهدف الملاحقة الجنائية للنظام في المحاكم الدولية.

وحسب هيئة العدالة والمحاسبة الدولية “المشكلة الكبرى التي يواجهها المحققون التابعون للهيئة هي غياب التنسيق بين اطياف المعارضة المقاتلة حيث أن هناك اكثر من 10 جماعات تقاتل وبدون تنسيق أو تخطيط وبعضها يغير ولاءته وتحركاته”.

المصدر : هافينغتون بوست عربي 

زر الذهاب إلى الأعلى