لم تمثل مجزرة الكيماوي وصمة عار في جبين الأسد ونظامه فحسب، بل وصمة عار لا تمحى في جبين النظامين الإقليمي والدولي بقيادة الإمبريالية الأميركية.
مثلما لم تُجْدِ السوريين أيٌّ من اللقاءات الدولية، ولم تنفعهم جهود “أصدقاء الشعب السوري” المزعومة، كذلك فإنه لم تنقذهم الخطوط الحمراء التي رسمها للنظام الدموي كبار دهاقنة العالم. فكانت مجزرة الغوطة التي استخدم فيها نظام الأسد الغازات السامة المحرمة دوليا في حضرة اللجنة الدولية الخاصة بالتحقق من احتمالات استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين والمنتدبة من المنظمة الدولية إلى سوريا.
وكان مجلس الأمن الدولي أصدر قرارا بتشكيل هذه اللجنة للتحقق من استخدام السلاح الكيماوي بعد الاشتباه باستخدامه في هجوم على خان العسل في ريف حلب في مارس 2013، بالتنسيق مع المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية.
كما سبق للرئيس الأميركي باراك أوباما أن حذر الأسد من مغبة استخدامه للسلاح الكيماوي ضد شعبه، معتبرا أن ذلك يشكل تجاوزا لخط أحمر لا يمكن التهاون معه. ولكن كل ذلك لم يردع النظام. فقام بمجزرته مستخدما هذا السلاح بحق أبناء الغوطة في زملكا وعربين وعين ترما والمعضمية، فبهتت الخطوط الحمر ولم ينفع الشعب السوري لا قلق بان كي مون، ولا تقارير لجنة التحقيق.
وبعد حدوث هذه المجزرة، والتقارير التي نشرت عنها، وبعد تحرك بعض القطع البحرية الأميركية في البحر المتوسط، رسم الكتاب والمحللون الواهمون العديد من السيناريوهات التي حاولت توقع الضربة الأميركية للنظام في دمشق، من حيث حجمها وتأثيرها، رغم أن الرئيس الأميركي لم يقل مرة إنه بصدد إسقاط الأسد أو نظامه.
ولكن من شهد ارتباك قوات النظام في دمشق، وإخلاءها للعديد من المواقع، ولجوءها إلى مراكز مدنية كالمشافي والمدارس، تأكد له أن أي ضربة لهذا النظام مهما كانت محدودة، كان بإمكانها إسقاطه نهائيا. ربما هذا كان عاملا جوهريا في الامتناع عن توجيه أي ضربة والاكتفاء بالحل الروسي القاضي بخطة عملية لتسليم النظام الأسدي لترسانته الكيماوية في غضون أشهر، بغض النظر عن الجهات التي اقترحت تلك المبادرة (يؤكد مراقبون انها إسرائيل) وبالتأكيد حرصا على استمرار هذا النظام ومواصلته لارتكاب المزيد من المجازر بحق الشعب السوري والتي تواصلت فصول منها حتى الآن.
وهكذا تم تجريد النظام من ترسانته الكيماوية التي امتلكها بحجة خلق توازن إستراتيجي مع العدو الصهيوني، والتي لم يستخدمها قط إلا في حربه على الشعب السوري، وكأن هذا التسليم بمقابل استمرار المجزرة السورية وإبقاء المجرمين خارج أي مساءلة أو محاسبة.
لم تمثل مجزرة الكيماوي وصمة عار في جبين الأسد ونظامه فحسب، بل وصمة عار لا تمحى في جبين النظامين الإقليمي والدولي بقيادة الإمبريالية الأميركية. كما أن مفاعيل هذه المجزرة، واستمرار هذا النظام بارتكاب جرائمه حتى الآن، مستخدما كل وسائل القتل والتدمير ومنها الطيران الحربي والبراميل المتفجرة، وكذلك قتل آلاف من المعتقلين تحت التعذيب، والتي لم تحرك الشارع في مدن العالم للضغط على الحكومات من أجل وقف كل ذلك، تؤكد فشل وتواطؤ الأحزاب السياسية في العالم مهما كانت تصنيفاتها في الانتصار لقضايا الشعوب المضطهدة وفي مقدمها الشعب السوري، كما تؤكد تخاذل المعارضة السورية، المدعومة خارجيا، في العمل على استنهاض تلك القوى والأحزاب حيث تواجدت، لهذا الغرض.
لقد شهدنا تحرك الملايين من البشر في مدن وعواصم العالم اعتراضا على الحرب الأميركية على العراق، وكذلك تضامنا مع غزة في مواجهة الحروب الصهيونية المتتالية عليها. لكن للأسف، لم نشهد مثل هذه الحركات التضامنية مع الشعب السوري الذي عانى في السنوات الأخيرة من الأهوال ما يفوق أضعاف ما عاناه الشعب الفلسطيني على يد الصهاينة. وكان تخاذل المعارضة السورية وارتهاناتها الخارجية لقوى الهيمنة سببا في ذلك. مرور الذكرى الثانية على مجزرة الكيماوي في الغوطة، وبقاء المجرمين طلقاء يرتكبون المجازر بحق المدنيين دليل على مدى همجية النظام الرأسمالي العالمي.
المصدر : العرب