كان الرئيس تمام سلام، العائد من نيويورك، أول من نبّه إلى أن الوضع اللبناني ليس في أولويات الدول “المعنية” عادة في البلد.
وليس مردّ هذا الواقع المرير إلى عدم الاهتمام بلبنان، بل إلى احتدام الصراعات الدولية والإقليمية بعد التدخّل الروسي المباشر في سوريا.
وحتى الآن استطاع توافق الدول الكبرى على إدامة الاستقرار وفرض نفسه، ولو دون ضمانات، على الأطراف المحلية، واستطرادا على السعودية وإيران، بصفتهما اللاعبين الرئيسيين.
وبما أن الدور الروسي غيّر المعادلة عسكريا وسياسيا لمصلحة النظام في سوريا، فهل يكون حافزا لطهران ودمشق كي تغيّرا أيضا سلوكهما في لبنان باتجاه الحسم أيضا، أم أن العلاقة “الجيّدة” المستجدة بين روسيا والسعودية تضمن على الأقل إبقاء الأزمة اللبنانية على ما هي الآن؟
عوامل عدة ستحدد هذا المسار الدولي – الإقليمي، وتتوقّف عمليا على إدارة روسيا دورها في سوريا، ومنها:
1) أنها لا تستطيع قيادة حسم عسكري ضد المعارضة دون أن تباشر بالتوازي والتزامن تفعيل حل سياسي كانت تسوّقه ونالت لقاءه تنازلات دولية بقبول مرحلة انتقالية بوجود الأسد لفترة محدودة.
2) أنها لا تستطيع أن تفرض على الأمريكيين والأوروبيين مقايضة “وحدة سوريا مقابل تقسيم أوكرانيا”، أو العكس، حتى لو لم يكونوا راغبين في التدخل في سوريا.
3) أن دورها العسكري المباشر يجازف باستدراج مواجهة لا يريدها “الناتو” لكنه سيؤدّي إلى نقلة نوعية في “الحرب بالوكالة” رغم نفي الرئيس الأمريكي.
4) لا يمكن روسيا بمفردها إنهاء الصراع في سوريا، ما لم تتوصّل إلى إيجاد بدائل تجتذب الآخرين إلى قبولها ودعمها، وتسهّل توافقا دوليا، تحديدا مع الولايات المتحدة، وأي حل تقسيمي ترعاه روسيا وإسرائيل وإيران سيعني حالا صراعية مستدامة.
يحدث أن يتبرّع إيرانيون أو “معارضون” سوريون ترعاهم طهران، وكذلك محللون غربيون بهذه الخلاصة: لن تستطيع حدود “سايكس – بيكو” الصمود في أي تسوية للصراع السوري، والحدود الجديدة ترسمها المعارك على الأرض، وإذا تبخّرت الحدود القديمة “فإن تركيا لن تبقى على ما هي، والعراق بالطبع، وحتى السعودية ودول الخليج، أما لبنان فلن يعود على الخريطة”..
هذه تمنيات إيرانية ربما تجد لها معالم على الأرض، ولا تكفي مخططات الملالي لتحقيقها ما لم يكن الدب الروسي شريكا فاعلا فيها، فهل أن موسكو معنية بها؟
الأكيد أنها تريد إحداث أكبر تخريب إقليمي ممكن، آملة بإرغام واشنطن على التفاوض على خلافاتهما الاستراتيجية.
في ضوء ذلك، عودة إلى الوضع اللبناني لاستنتاج أن الطرف الوحيد المرتبط بهذه المغامرات الإقليمية هو “حزب الله”، وهو مكلّف -في انتظار زوال لبنان من الخريطة- بتجميد الدولة والرئاسة والحكومة والبرلمان والمجتمع في انتظار ما سيكون.
وبالتالي، فإن ترئيس ميشال عون ليس سوى بيدق يحركه “الحزب”.
المصدر : النهار اللبنانية