على الرغم من إقرار الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بفشل اجتماع فيينا لعدم الاتفاق على مصير الأسد، فإن الاجتماع، بحد ذاته، شكّل تطوراً مهماً على صعيد حل الأزمة السورية، فلأول مرة تُشارك قوى إقليمية متعارضة حول سورية على طاولة واحدة. ولأول مرة، يجري التوافق على شكل سياسي موحد للحل في سورية.
ولأول مرة، يتم استبعاد السوريين أنفسهم من اجتماع دولي موسع كهذا، ولأول مرة تبدأ الأطراف بتحديد هوية الفصائل والقوى التي تقع خارج دائرة الإرهاب.
وقد بدا واضحاً أن الاجتماع سيكون مختلفاً عن أية اجتماعات سابقة مخصصة لبحث الأزمة السورية، حيث ظهرت مؤشرات إيجابية عدة قبيل عقده، منها أولاً، تلميح إيران إلى تفضيلها مرحلة انتقالية مدتها ستة أشهر، تعقبها انتخابات لتحديد مصير الرئيس بشار الأسد، على الرغم من نفي أمير عبد اللهيان، نائب وزير الخارجية الإيراني وعضو الوفد الإيراني في المحادثات، هذا الكلام الذي نسب إليه.
ومنها ثانيا، إعلان مندوب روسيا في مجلس الأمن، فيتالي تشوركين، من أن النظام السوري أوقف القصف بالبراميل المتفجرة، إثر دعوات متكررة من موسكو بشكل خاص لوقف استخدامها لتجنب سقوط ضحايا مدنيين. ومنها ثالثا، تصريح ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي، بأن موسكو والرياض تبادلتا قوائم بشأن الشخصيات المعارضة التي يمكن أن تشارك في مفاوضات مع الحكومة السورية، بما فيها “الجيش الحر” والأكراد.
انتهى الاجتماع باتفاق 17 دولة، إضافة إلى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، على نقاط تسع شكلت مبادئ عامة للحل السياسي في سورية: وحدة سورية واستقلالها وهويتها العلمانية، بقاء مؤسسات الدولة، تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة، وضع دستور جديد، إجراء انتخابات جديدة، تنفيذ وقف إطلاق النار في كل أنحاء البلاد.
تشكل هذه النقاط تطوراً إيجابياً من حيث المبدأ، وإن لم تصل إلى المستوى الذي تنشده المعارضة السورية وداعموها الإقليميون. لكن، ثمة جديد هنا، فقد انتقل التفاهم من المبادئ العامة الفضفاضة إلى المضامين السياسية والآليات التي يجب اتباعها، والتي ستكون مثار نقاش الاجتماعات المقبلة.
اعتمد البيان الختامي لاجتماع فيينا على بيان مجموعة العمل الدولية (بيان جنيف)، وتجاوزه في آن معا، فالفقرة السابعة من بيان فيينا تؤكد أن آلية الحل السياسي متضمنة في بيان جنيف، بعدما أصبح قاعدة سياسية وقانونية وفق المادتين 16 و17 من قرار مجلس الأمن الدولي 2118، خصوصا فيما يتعلق بالمرحلة الانتقالية. وفي الوقت نفسه، تم تجاوز وثيقة جنيف لجهة شكل هيئة الحكم، فبعدما أكدت الوثيقة على ضرورة تشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة، يشارك فيها النظام والمعارضة مناصفة، دعا بيان فيينا إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية. وهناك فرق كبير بين الحالتين. في الأولى، تنتزع صلاحيات الرئاسة، وتعطى إلى الحكومة التي ستكون مشرفة على المؤسستين، العسكرية والأمنية. وفي الحالة الثانية، لن تكون الحكومة المقرر تشكيلها ذات صلاحيات كاملة، وإنما ذات صلاحيات معقولة، يجعل منها حكومة جديرة بالثقة.
لكن، حتى الآن لا تبدو الصورة واضحة حول عمل المؤسستين العسكرية والأمنية، هل سيتم تقسيمهما؟ بحيث تكون المؤسسة العسكرية ضمن صلاحيات الرئاسة، في حين تكون المؤسسة الأمنية ضمن صلاحيات الحكومة التي تتشكل من النظام والمعارضة، بحسب ما سرّب، ما يعني أن المؤسسة الأمنية فعليا لن تكون بالكامل تحت سلطة المعارضة. وتنجم عن هذه المسألة تفرعات كثيرة، منها ما هو مصير فصائل المعارضة المسلحة التي ستدخل في العملية السياسية والعسكرية؟ ولمن ستؤول صلاحية السيطرة عليها، وكيف يمكن فرز بعض هذه الفصائل عن الأخرى التي تندرج في قائمة الإرهاب، مثل “جبهة النصرة”، في ظل التحالفات الميدانية القائمة الآن.
وهناك مشكلة أخرى مرتبطة بتحديد هوية المعارضة السياسية، بعدما تشكلت في سورية معارضات، يتماهى بعضها مع نظام الحكم في دمشق (حزب الشعب، حزب التضامن، حزب التنمية، حزب الشباب الوطني للعدالة والتنمية، التجمع الأهلي الديمقراطي للأكراد السوريين، تيار سلام ومجد سورية)، وبعضها الآخر يقف مقابل النظام (الائتلاف)، في حين بقيت أطراف أخرى بين المنزلتين (هيئة التنسيق، تيار بناء الدولة). على أن الإشكالية الكبرى التي تواجه المعارضة وداعميها، هي هل يمكن المشاركة في هذه الحكومة، قبيل معرفة مصير الأسد؟ بعبارة أخرى، هل سيؤدي هذا المسار السياسي، في النهاية، إلى رحيل الأسد، وعدم ترشحه للانتخابات؟
تبدو الإجابة عن هذا السؤال صعبة للغاية، في ظل الخلاف القائم بين الأطراف الإقليمية والدولية للأزمة السورية: السعودية وقطر وتركيا يطالبون برحيل الأسد عبر حل سياسي أو عسكري، فيما تتمسك روسيا وإيران ببقائه ضمن أي حل يتم التوصل إليه. في حين يبقى الموقف الأميركي غامضا كعادته. يقول وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، إن “السوريين يستحقون خيارا آخر بين الأسد والمنظمات الإرهابية”، لكنه يقول في المقابل، “لا يمكن أن نسمح بأن يقف هذا الخلاف في الطريق أمام إمكانية أن تعمل الدبلوماسية لإنهاء القتل”.
المصدر : العربي الجديد