قبل خمسين عاما قال الكاتب الأميركي جون شتاينبك: “عندما أنظر إلى مداخن البيت الأبيض أحسب أنه فبركة كبيرة للأوهام”. في نظر الكثيرين لم يكن البيت الأبيض هكذا في أي يوم، لكن الأسئلة تتسع الآن حول ما اذا كان باراك أوباما قد جعله فعلا على هذا النحو!
يحار المراقب كيف ينظر إلى قرار أوباما إرسال خمسين جنديا من القوات الخاصة إلى شمال سوريا، فيما يقول آشتون كارتر إن القرار يأتي ضمن استراتيجية الولايات المتحدة دعم المعارضة في مواجهة “داعش”، وإنه يعرّض حياة العسكريين الأميركيين للخطر، بينما يسارع جون كيري إلى التوضيح أن هذا ليس قرارا بدخول الحرب السورية وليس عملا يستهدف بشار الأسد وإنما يركّز على “داعش”!
ثمة فعلا ما يدعو إلى السخرية، على الأقل حيال حديث آشتون عن استراتيجية أمريكية تتمثل بإرسال خمسين جنديا معرضين للخطر، وخصوصا أيضا حيال حرص كيري على التوضيح أن القرار ليس ضد الأسد، ويأتي كل هذا بعدما كانت الإدارة الأمريكية تردد دائما مزاعمها التي تقول، أن لا معنى لقتال يركز على “داعش” ويقبل ببقاء الأسد في السلطة لأنه هو الذي صنع “داعش”!
طبعا هذا القرار ليس سباقا قرر أوباما أن يخوضه ضد فلاديمير بوتين بعد شهر من انزلاق روسيا المتزايد إلى المستنقع السوري، وهو قرار مضحك أقلّ من أن يشكّل مادة للتعمية في مواجهة الانتقادات المتصاعدة لأوباما في واشنطن ولدى حلفائها الإقليميين، بمعنى أن يكون إرسال الجنود الخمسين وتصعيد عمليات القصف الجوي الأميركي للإرهابيين في العراق وشمال سوريا، محاولة للإيهام بأن إدارة أوباما لم تنسحب تاركة ساحة الشرق الأوسط لبوتين والإيرانيين!
ليس خافيا أن هناك حملة متصاعدة على أوباما، ليس في أوساط الجمهوريين وحدهم بل في داخل الحزب الديموقراطي، وتتزايد الاتهامات الموجهة إليه والتي تلتقي مع وصف بيتر فينسنت المختص بالأمن القومي الأميركي “السنوات الست الماضية بأنها شكّلت نهاية القرن الأمريكي”، وأن أوباما دمّر بمفرده خلال هذه المدة صدقية أمريكا كضامن للعالم الحر، وهو الدور الرائد الذي تم ترسيخه والمحافظة عليه بعناية ومسؤولية شديدتين خلال ستة عقود وعلى أيدي 11 رئيسا أمريكيا!
ولكن هل فعلا جعل أوباما البيت الأبيض فبركة للأوهام، وأنه ينسحب من الشرق الأوسط أمام بوتين وخامنئي، أم أنه يتصرّف وفق خطة عميقة وخبيثة، تدفع المنطقة كلها إلى حروب طائفية ومذهبية تستمر عشرات السنين، وخصوصا بين السنّة والشيعة، وأن غرق بوتين في المستنقع السوري سيدمر روسيا اقتصاديا وينقل الإرهاب إلى داخلها، كما سيُغرق إيران في صراعات منهكة ستؤدي انطلاقا من العراق تحديدا إلى انطلاق دومينو التقسيم الذي سيشمل دولا كثيرة؟.
المصدر : النهار اللبنانية