مقالات

عبد الناصر القادري – في معرض الكتاب نلتقي !

بدأ في مدينة اسطنبول معرض الكتاب العربي الأول  وانتهى بسرعة ، كان متوقعاً أن يكون أفضل بكثير . فالمكان جميل سياحياً لكنه ليس مكان معرض لضيقه ، وعناوين الكتب الملفتة للنظر ليست بالمتوقع ربما لأن دور النشر المهمة قليلة ، طُرق عرض الكتب وخصوصاً لافتات الخصم المطبوعة بشكل رديء على ورق  ، وضع المحاضر والذي أتي به أصلاً ليأتي المزيد من الناس وسط زحام الناس وضوضائهم فلا يسمع صوته جيداً ، وتدّخُل مدير الجلسة أحياناً ليطلب الصمت من الزائرين أو خفض أصواتهم وهم يتناقشون ما بين الروايات والعشق والسيكيولوجيا والنقد ونقد النقد نزولاً إلى المحاضر بذاته وتفكيك ما تكلم به.

ووجود اثنان فقط (على الكاشير) ما يعني طابور في مكان لا تستطيع أن تقف فيه أصلاً . ولكن يبقى المعرض فكرة جيدة أولى من نوعها و أفضل من لا شيء كعادتنا نحن العرب في ترتيباتنا ونظرتنا للإيجابيات والسلبيات . ومع ذلك كان أسبوعاً ثقافياً مميزاً بجدارة ، ويشكر القائمين عليه لمجرد التفكير بأبناء الربيع العربي المُهجرين عن مكتباتهم وبلدانهم.

للوهلة الأولى أعداد غفيرة من العرب الموجودين في اسطنبول يقدروا بالمئات طبعاً اجتمعوا أول يوم ، ربما هو رقم قليل مع أعداد العرب المقيمين في اسطنبول فهو عدد قراء أصغر مكتبة عامة في تركيا ، فالشعب التركي يقرأ في كل مكان ، ليس كله مؤكداً ، ولكن أعداد القراء الأتراك أكبر بكثير مقارنة معنا نحن العرب قراءاً وكتاباً.

أكثر ما يُخشى أن تكون القراءة موضة أو إثبات وجود في مكان ثقافي أو يُطلق عليه لقب الثقافة والمثقفين والنخب وما شابه .

أو المرور لالتقاط سيلفي والكتب خلفي ، أو شراء عدد كبير من الكتب ورميها في البيت الشبابي ثم الركوب في البلم بعدها نحو أوربا جنةُ من لا جنة له في هذا الكوكب الذي أغلق كل أبوابه في وجوهنا فلم يبقَ إلا الكتب والبلم لنتعرف على هذا العالم جيداً.

والأسوء هو الذهاب فقط لرؤية “الحلوات المثقفات” مع اللواتي لسن كذلك ، والعكس صحيح وهم يقلبون الصفحات ويجُبن الرفوف رفاً رفاً ما بين غادة السمان وباولو كويلو نزولاً إلى المراهقات المعجبات بأحلام مستغانمي من ذاكرة الجسد ونسيان . كوم إلى الأسود يليقُ بكِ ، حتى يصعدن مجدداً نحو الأدب الروسي المشهور بأساطيره كـ تولستوي و ديستوفيسكي وتشيخوف بعيداً عن روسياته إناثاً و باروداً . ..

 وقد ترى بعض صبايا العرب المنتشرات في اسطنبول أتوا فقط ليرين أين يقف ” الحلوين ” والذين هم ليسوا كذلك  وأيُّ كتبٍ يقرؤون ؟، فإن دخلوا باب السياسة وخصوصاً المركز العربي أو الشبكة العربية للأبحاث بحكم أنهم لا ينشرون سوى فكر وفلسفة وسياسة … ، فهم في إعجاب يخالجه بعض الشك من قدرة هؤلاء الشباب على أن يكونوا عشاقاً مع قادم الأيام إن حصل ” إعجاب النظرة الأولى ” أو حب كتاب واحد من طرفين اثنين .

من الرائع جداً أن يكون اللقاء الأول بين الكتب ، ومن الجميل للغاية أن يكون الكتاب الذي لا يخون بداية كل مشروع أياً كان . لكن أن يكون هدف القراءة أسمى من مرور عابر ، وأكبر من لاحقة المثقف ، وأعرض من الصورة أمام لافتة المعرض أو تلال الكتب على انستغرام .أن تكون الكتب بداية تفكر جديد لملء الوقت بما ينفعنا جميعاً ، أن نختار الكتب بصدق لنتغير معها ، أن تكون الكتب نافذتك المعرفية الجديدة نحو عالم آخر غير الذي تراه من سطحية وتصحر وابتعاد عن الهوية والوعي والضمير.

تغيب الروائية رضوى عاشور عن رفوف المعرض بماتعتها ثلاثية غرناطة والطنطورية وفرج وقطعة من أوربا ، وتحضر أحلام مستغانمي بقوة  ، يغيب أحمد خيري العمري بكل كتبه وينوب مالك بن نبي بمطبوعات دار الفكر ، لا ترى مصطفى صادق الرافعي ولا أوراق الورد ولا رسائل أحزانه وإن كان لنظرات المنفلوطي رفاً يذكرنا بالأدب الرفيع. يحضر غابرييل غارسيا ماركيز بنوبل ومئات الأعوام من العزلة وإرهاب الكوليرا وحقارة القس ، ويبقى أدونيس يخرف بعيداً باحثاً عن المجهول والمتحول و تجميع النون والواو والباء واللام فتبقى مقطعة لا يُرى لها أثراً . يحضر محمود درويش بمجموعته الكاملة ويغيب عبد الرزاق عبد الواحد بقية المتنبي ، لا ترى علي عزت بيجوفيتش بالإسلام بين الشرق والغرب وهروبه نحو الحرية وإن كان طه عبد الرحمن سد شيئاً من الفراغ، تغيب دمشق وتحضر اسطنبول ، تغيب إيليف شافاق بالقواعد الأربعون للعشق ولقيطة اسطنبول وتسجل ميلان كونديرا حضورها بكائن لا تُحتمل خفته … ، يمشي إليك البرتو مانغويل بتاريخ القراءة وفن القراءة حتى تعيش رحلة أخرى أجمل ، يسجل الربيع العربي حضوره عبر ثورات ميدان التحرير و والثورة التونسية المجيدة وساحات التغيير ومعارك زنتان وسورية درب الآلام نحو الحرية، وتبقى الثورات المضادة رهينة عسكرها وبطشها بعيدة عن وادينا ،أخيراً يناديك كتاب التوحيد للشهيد اسماعيل الفاروقي من بعيد لتختم زيارة المعرض بما معك من نقود ، وتفكر وأنت تدفعها أنّ الحل هو بالـpdf ،لكن الليرات التركية دخلت بيت مال دور النشر ، فلا أمل ! .

 خاص لـ وطن إف أم 

 

زر الذهاب إلى الأعلى