لا لأنه ليس لإيران دور في سورية، بل لأن دورها هو الأكثر أدلجة وانشحاناً بما لا علاقة للثورة السورية به. وبالتالي، هو الأخطر والأكثر قدرة على إغلاق درب الوصول إلى حل سياسي، يوقف قتل شعب عارضت أغلبيته دعوتها إلى مداولات الحل السياسي التمهيدية بين روسيا وأميركا ودول إقليمية وعربية في فيينا، والمشكلة أن الدعوة جاءت في ظل عملية خلط أوراق شاملة أنتجها: أولاً، الانهيار الذي بدا وشيكاً لجيش النظام، وما ترتب على هزائمه المتعاقبة من تبدل ملموس في ميزان القوى، لصالح انتصارٍ يستجيب لحرية السوريين، ويحسم الصراع في بلادهم.
ثانياً، التدخل العسكري الروسي الذي استهدف الجيش الحر، وصولا إلى شطبه من الساحة، وإعادة إنتاج رهان الأسد والروس القديم، الساعي إلى إنتاج وضعٍ حدّاه النظام والإرهاب، لا يترك للعالم من خيار غير الحل الروسي الذي يقول بتشكيل حكومة وحدة وطنية بقيادة الأسد، وضم بقايا الجيش الحر إلى جيش جديد، يتكون من الشبيحة وبقايا مسلحي النظام، ووضع دستور يتم بعده إجراء انتخابات تضفي “شرعية شعبية” على الأسدية.
ثالثا: تكثيف الاحتلال الإيراني لسورية، وما أدى إليه من حرب تخوضها طهران بدل جيش النظام، وسعيها إلى إدامة حربها أطول فترة ممكنة، لعل ذلك يقوّض قدرة السوريين على الدفاع عن أنفسهم، ورغبتهم في مواصلة النضال من أجل حريتهم.
في هذه الأجواء من التحول السياسي والتصعيد العسكري المشحون بالمخاطر، الذي يمكن أن يطوي صفحة تقادمت من علاقات الأطراف المنخرطة في الصراع على سورية، تمت دعوة طهران إلى فيينا، على الرغم من أن حضورها سيزيد الأمور تعقيداً، وأنه كان حرياً بالداعين التريث، ريثما تتضح مرحلة ما بعد الغزو الروسي لسورية، ويقع بعض التقارب حول مشاريع الحلول، وتقتنع إيران بالتخلي عن دورها التخريبي الحالي، أو بتقييده. ومع أن وزير خارجيتها، جواد ظريف، وافق باسمها، ولأول مرة، على اعتبار وثيقة جنيف وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2118 مرجعية الحل السياسي، فإن هذا لا يعني أن موقفها سيشهد تبدلاً إيجابيا تجاه
المسألة السورية، بل يرجح أن “يصعب” حلها، عبر ربطه بتناقضات وصراعات أطراف السلطة العسكرية والأمنية/ السياسية والدينية فيها، وبالتشدد كآلية توحيد لمواقفها، وبتوافقها على اعتبار نظام الأسد “درة إيران الاستراتيجية”، وخطاً أحمر، يطاح بمن يتخطاه من مسؤوليها، يجب التمسك به، وإن أدى ذلك إلى حرب عالمية ثالثة، كما قال عدد من قادتها. هذه المواضعات الإيرانية تجعل بلوغ الحل أكثر تعقيداً مما يظن ساسة الغرب، وتحول دون تحقيق حل عادل ومتوازن، يقلص قدرة نظام طهران على إدارة خلافاته، وتوحيد أطرافه.
إلى هذا العامل الداخلي، يضاف عامل دولي، يعبر عن نفسه في حقيقة أن إيران دولة بلا أصدقاء، تتعامل بمنطلقات وسياسات صراعية مع الآخرين عامة، وجيرانها العرب خاصة، وترفض التعامل معهم من مواقع التكامل والمشتركات، بسبب أيديولوجيتها المذهبية التي تضفي العصمة على شخصٍ لا يُساءَل، ولا يحاسب، ولا يلتزم بقانون، هو “مرشد”، يستمد سلطانه من مصدر قدسي ورباني. لذلك، تعد مخالفته بما هو ولي فقيه معصية وكفراً. هذه الأيديولوجية تجعل الجمهورية الإسلامية دولة مختلفة عن باقي دول الأرض، محكومة بنواظم ومعايير، لا تشاركها فيها دولة أخرى، من غير الجائز مقارنتها بأية نواظم ومعايير وضعية؟.
ستأتي إيران بهذه الأيديولوجية، وبالصراعات التي تنتجتها مع الدول الأخرى، بما في ذلك مع روسيا، إلى الساحة السورية، ليصير الحل السياسي فيها تابعاً لصراعاتها مع العالم، ومرتبطا بأهدافها، وبما تريد الحصول عليه، ما سيصعب الحل ويأخذه إلى ميادين لا علاقة للسوريين بها، إن ذهب إليها، وقع في الاستعصاء والاحتجاز.
أخيراً، يعزز موقف طهران أوهام روسيا حول انتصارٍ، لا تسقط فيه طائراتها، أو يقتل جنودها، تحرزه بمعونة جند طهران وجنرالاتها الذين يرسلون يومياً إلى ميادين الحرب، ليس من أجل أن تنتصر روسيا، وإنما العكس: كي تبقى يد إيران هي العليا في سورية، وتحول بين روسيا والتلاعب بمصير الأسد. أليست هذه العلاقة عاملاً إضافيا يصعّب الحل السياسي؟. من اللافت أن طهران لم تعلن عن مشاركة جيشها في الحرب، إلا بعد التدخل العسكري الروسي في سورية، ودعوتها إلى جنيف، فهل فعلت ذلك لتصلب موقف روسيا التي دخلت في طور من التشدد باحتلال سورية، والشروع في قصفها من دون تفويض دولي، أو طلب من نظام شرعي، وليست بحاجة إلى من يشجعها على التشدد، أم فعلته لتعامل طرفاً في الحرب، لن يقبل أن يُعامل مثل غيره من المدعوين، أي كباحث عن حل سياسي، سيصعب حلاً لا يلبي مصالحه، وفي المقدمة منها ضمان وجوده العسكري/ الأمني في سورية.
إيران طرف في الحرب، طالما رفض الحل السياسي. وكان من المبكر جداً دعوتها إلى فيينا، إلا إذا كانت قد دعيت، لتشارك في التهام ضحيتها أو تقاسمها.
المصدر : العربي الجديد